المخابرات
الأمريكية والبيت الأبيض...هل هناك صراع خفي ؟
المفاجأة: مشروع
صفقة قريبة بين واشنطن وطهران
الانقسام واضح داخل الادارة
الأميركية حول طريقة التعامل مع برنامج إيران النووي، وتقرير أجهزة
الاستخبارات الأخير يحمل على الاعتقاد بأن هذا الانقسام بلغ ذروته في
المرحلة الأخيرة بين المسؤولين السياسيين والمسؤولين العسكريين وكثيرة
هي التقارير التي تؤكد أن لدى المؤسّسات الأمنيّة الأميركية توجّهاً
متزايداً الى العمل، بعيداً عن ضغوط البيت الأبيض.
فهل سحبت أجهزة الاستخبارات بصورة
نهائية ورقة التلويح بالحرب ضد إيران من التداول السياسي، أم أن جورج
بوش وفريقه (أما ما تبقّى من هذا الفريق) تحوّل فعلاً الى «بطّة عرجاء»
في العام الأخير من ولايته الثانية؟
جورج بولتون المندوب الأميركي السابق
في مجلس الأمن يقول إن أجهزة الاستخبارات استخدمت التقرير الذي يبرّئ
إيران من أجل نسف سياسة الادارة بشأن إيران. ومعلومات المخابرات
الفرنسية تقول إن الأجهزة الأمنيّة الأميركية أعدّت هذا التقرير قبل
ثلاث سنوات وحجبته عن التداول، لكن المواجهة القائمة بين الديمقراطيين
والجمهوريين حول العراق، والتي تصاعدت منذ مطلع العام ٢٠٠٧ لم تعد تسمح
بهذا الاخفاء. والأجهزة الأمنيّة الأميركية متخوّفة من أن يقرّر بوش
ضربة عسكرية لإيران قبل انتهاء ولايته، الأمر الذي يقذف بالجيش
الأميركي في متاهة جديدة. يعزّز هذا التوجّه إعلان مسؤولين في
المخابرات الأميركية عزمهم على عدم تكرار الأخطاء التي ارتكبت في العام
٢٠٠٢ بشأن امتلاك العراق أسلحة دمار شامل والتي استند إليها البيت
الأبيض في تبريره اجتياح العراق.
هل إنه تراجع مفاجئ في العلاقات بين
البيت الأبيض وأجهزة المخابرات المركزية؟ الظنّ الأرجح أنه كذلك، لأن
هذه الأجهزة جادّة في استخلاص الدروس التي نتجت من حرب العراق، بعدما
شكّلت معلوماتها الخاطئة حول التهديد الذي كان يشكّله صدّام حسين
مبرّراً لشنّ الحرب ـ أو ذريعة على الأقلّ ـ، وهي اليوم مصمّمة على عدم
منح الادارة ذرائع مماثلة تستند الى «الخطر» الذي يشكّله المشروع
الإيراني.
لكن هذا التبسيط لا يكفي لشرح واقع
الحال بين الأجهزة والادارة، بدليل أن الأحاديث والتسريبات تتزايد (بعد
صدور التقرير) حول احتمالات عقد عدد من الصفقات المفاجئة في الشرق
الأوسط، لعلّ أبرزها صفقة أميركية ـ إيرانية بوساطة سعودية. وكثيرون
يميلون الى الاعتقاد بأن مشاركة الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد في
القمة الخليجية الأخيرة، والأجواء الودّيّة جداً التي أحيط بها خلال
انعقاد القمّة في الدوحة، ثم دعوته الى أداء فريضة الحجّ، كلّها مرتبطة
بشكل مباشر بالمعطيات الجديدة المهدّئة، واحتمال دخول العلاقات
الإيرانية ـ الأميركية مرحلة انفراج حقيقي بوساطة سعودية.
وفي معلومات محدودة التداول أن
الصفقة السعودية لحلّ الخلاف الإيراني ـ الأميركي، تستند بصورة أساسية
الى تقرير المخابرات الأميركية حول البرنامج النووي الإيراني، الذي
يبعد خيار العمل العسكري عن الطاولة. هذه المعلومات تناقلتها تقارير
إسرائيلية تتقاطع على أن هذه التسوية مشروطة بمجموعة مطالب أميركية
أبرزها: وقف تهريب الأسلحة الإيرانية الى الداخل العراقي، عدم التدخّل
في انتخابات الرئاسة اللبنانية، عدم إعاقة مفاوضات «آنابوليس»، والتزام
إيران الكامل عدم إحياء مشروع التسلّح النووي العسكري.
ويستند السعوديون في المساعي التي
يقومون بها الى الرغبة الأميركية في الحوار مع إيران، بعدما لمست
القيادة العسكرية في الشرق الأوسط أن جولات الحوار الثلاث الأولى التي
حصلت حتى الآن، أدّت الى انخفاض معدّلات العنف في العراق، وتهدئة
الميليشيات المسلّحة، كما أدّت الى انحسار شحنات الأسلحة والقنابل الى
داخل أفغانستان. في الوقت نفسه يسجّل المراقبون أن تبريد العلاقات
الأميركية ـ الإيرانية أدّى بصورة مباشرة أو غير مباشرة الى تهدئة حدّة
الخلافات بين محمود عباس وإيهود أولمرت، وتراجع حملة الانتقادات
السورية للولايات المتحدة، وتراجع عمليات المقاومة العراقية، وكذلك
التصعيد في الاتهامات والاتهامات المضادة بين فريقي المعارضة والموالاة
في لبنان، وبين السلطة و«حماس» في رام الله وغزّة.
وفي ما يتعلّق بسورية تحديداً، تشير
التقارير الأخيرة الى «إمكانية عودة واشنطن الى التعامل مع دمشق بعد
سنوات من عدم الثقة والشكوك المتبادلة». ومعروف أن هذه «الامكانية»
تحوّل مهم جداً في النظرة الأميركية الى سورية بعد عامين من تصاعد
الضغوط، بسبب الاتهامات التي تكرّرها الادارة الأميركية حول دور سوري
سلبي في لبنان والعراق والأراضي المحتلّة. وفي معلومات «المشاهد
السياسي» أن علامات تحسّن بدأت تظهر في العلاقات السورية ـ السعودية
بعد مؤتمر «آنابوليس»، كما في علاقات سورية مع معسكر «المعتدلين
العرب»، تسمح بالقول إن مؤتمر القمة العربي المقبل سوف ينعقد في دمشق
في آذار (مارس) ٢٠٠٨ في أجواء مريحة. والكلام يتزايد على أن سورية
أعادت ـ أو هي في طريق إعادة ـ دمج نفسها ضمن الأسرة العربية، وعلى هذا
الأساس منعت حتى الآن انعقاد مؤتمر الفصائل الفلسطينية المعارضة على
الأراضي السورية، كما على الأراضي الإيرانية، وهي ماضية في التواصل مع
الادارة الأميركية ولو بصورة خجولة حتى الآن.
ويستدل المراقبون على المرونة
السورية الجديدة، أو بداية التحوّل السوري، بالتجاوب الذي أبدته دمشق
مع المبادرة الفرنسية لحلّ الأزمة اللبنانية، والدعوات السورية الى حلّ
تفاوضي للأزمة التركية ـ الكردية، إضافة الى امتناع الاعلام السوري عن
مهاجمة القوى اللبنانية المحسوبة على واشنطن في الفترة الأخيرة، بعدما
بادرت هذه القوى الى طرح اسم العماد ميشال سليمان مرشّحاً توافقياً
للرئاسة، وأعلنت أنها مصمّمة على تعديل الدستور من أجل تأمين انتخابه.
كل هذه المعطيات لا تحجب الخلافات
الأميركية ـ الأميركية، وهي قائمة فعلاً، حول طريقة التعاطي مع عدد من
الملفّات الساخنة في المنطقة، بدءاً بالعراق وإيران. ومع اقتراب
انتخابات ٢٠٠٨، وفي مرحلة الاعداد لهذه الانتخابات، تزداد حدة التنافس
بين مرشّحي الحزب الواحد، كما بين مرشّحي الحزبين، وتحتلّ قضية العراق
مكانة بارزة في الحملة من بين عدد آخر من القضايا. وأهميّة ملفّ حرب
العراق تأتي من كون هذه الحرب اختباراً واقعياً لتوجّهات الحزب
الجمهوري الجديدة أو المحتملة، في ظلّ المعارضة الديمقراطية، وكذلك
الشعبية لهذه الحرب.
وماذا يقول
المرشّحون الجمهوريون؟
إنهم متوافقون على مبدأ الحرب، لكنهم
يتباينون في مواقفهم لجهة درجة تأييدهم أو اختلافهم مع توجّهات البيت
الأبيض والقيادة العسكرية، في ضوء اعتبارات عدّة أبرزها:
ـ الاطار القيمي الذي يبرّر الحرب.
ـ تقدير حجم وإمكانيات الآلة
العسكرية الأميركية الموظّفة في هذه الحرب وسبل دعمها ومساندتها.
ـ حدود المسؤولية الملقاة على
الولايات المتحدة في حفظ السلام الدولي.
ـ معايير الحكم على نجاح أو فشل
القوّات الأميركية في تحقيق أهدافها السياسية والاقتصادية والأمنيّة في
العراق.
وفي ظلّ التباينات القائمة حول
التعامل مع العراق، تبرز تباينات أكثر عمقاً حول توجيه ضربة عسكرية
لإيران في المستقبل المنظور. هناك من يرجّح هذا الاحتمال، وهناك من
يستبعده، وفريق ثالث يستبعده تماماً وبصورة نهائية. والذين يشيرون الى
إمكانية حصول ضربة أميركية ـ إسرائيلية مشتركة، خلال المدة المتبقيّة
من ولاية بوش، يربطون هذا الاحتمال بأن واشنطن حين قامت باحتلال العراق
وقبله أفغانستان، كانت قد بدأت في تنفيذ استراتيجية الهيمنة التي خطّط
لها الحزب الجمهوري منذ تسعينيات القرن الفائت، عقب تفكّك الاتحاد
السوفياتي، واستكمال هذا التنفيذ يمرّ بضرب إيران. وفي اعتقاد هذا
الفريق، أن تحييد إيران عسكرياً كفيل بتغيير الوضع داخل العراق، بشكل
يساعد الأميركيين على بسط هيمنتهم، بقدر ما يساعد إسرائيل، بدعم
أميركي، عى فرض «السلام» الذي تريده على الفلسطينيين والسوريين
واللبنانيين والعرب جميعاً.
ثم إن الضربة تساهم في بسط النفوذ
الأميركي على الحدود الروسية من الجنوب والشرق، الى جانب الغرب
الأوروبي، وفي تمكين واشنطن من السيطرة على نفط بحر قزوين، علاوة على
النفط الإيراني، قبل أن تستعيد روسيا قدراتها وتحاول عرقلة هذا
المشروع. ثم إن سيطرة الولايات المتحدة على مصادر الطاقة الواقعة بين
العراق وشرق أفغانستان، سوف تسهّل إمكانية مراقبة أو محاصرة الدور
الصيني المتنامي، والذي يهدّد الهيمنة الأميركية في المدى القريب أو
المتوسط.
الذين يعارضون هذه الضربة، جمهوريين
وديمقراطيين، يتخوّفون من احتمال الردّ الإيراني الصاروخي أو الجوّي
على القواعد الأميركية في العراق وقطر والبحرين والسعودية وأفغانستان
ودول الجنوب الروسي، وكلّها تقع في مرمى الصواريخ الإيرانية، الى جانب
إغلاق مضيق هرمز أمام ناقلات النفط، وإمكانية تهديد السفن الأميركية في
مياه الخليج، وإمكانية مهاجمة القوّات الأميركية داخل العراق بوساطة
الميليشيات المتحالفة مع إيران. وفي وسع إيران أيضاً تحريك مجموعات
عسكرية شيعية في أفغانستان، مثل قلب الدين حكمتيار، وحتى إمداد حركة
طالبان بالسلاح بشكل يلحق أضراراً كبيرة بالوجود الأميركي العسكري في
أفغانستان.
الى جانب هذا كلّه، تملك إيران
القدرة على التأثير الاقتصادي في الجبهة الأفغانية، من خلال صادراتها
من النفط والإسمنت وغيرها من السلع الى أفغانستان، ووقف هذه الصادرات
يؤدّي الى تردّي الأوضاع الأفغانية بصورة تنعكس على الدور الأميركي.
كما أن إيران تستطيع التأثير في استثمارات النفط الأميركية في بحر
قزوين.
معارضو الحرب على إيران يسوقون أيضاً
حججاً ومبرّرات أخرى لهذه المعارضة، لعلّ أبرزها إقدام الإيرانيين على
تحويل عملية التبادل النفطي من الدولار الأميركي الى اليورو الأوروبي،
واحتمال أن تدخل المنطقة في حرب أوسع، تضطر معه سورية وحلفاؤها
اللبنانيون والفلسطينيون الى المشاركة في إشعال جبهات جديدة ضد
إسرائيل.
ومن الواضح أن إيران تدرك جيّداً
الموقف الأميركي المتردّد، وتتصرّف على هذا الأساس في الجولات
التفاوضية، كما في المناورات العسكرية التي تحرص عليها من أجل إظهار
قدرتها على الصمود وقدرتها الأخرى على إلحاق الضرر بالولايات المتحدة
وحلفائها ومصالحها. وبين التيار الذي يدعو الى ضربة وشيكة، والتيار
الذي يعارض هذه الضربة أو يستبعدها، هناك تيار أميركي ثالث يغلّب فكرة
التفاوض على تقاسم مناطق النفوذ في الشرق الأوسط، بالشكل الذي تمليه
الظروف الراهنة، والذي يرضي قدراً من الطموحات الأميركية، كما يفسح في
المجال لإيران لتحقيق قدر من طموحاتها. ومثل هذا التقاسم يفترض أن
يؤدّي الى تهدئة الوضع في العراق، وتحويل «حزب الله» الى حزب سياسي في
لبنان، وإعادة بناء العلاقات الأميركية ـ الإيرانية، والأميركية ـ
السورية، على أساس أكثر توازناً في المستقبل القريب و«الصفقة» التي بدأ
الحديث عنها، برعاية سعودية مباشرة، تصبّ في هذا الاتجاه.
وكل
ذلك بحسب المصدر المذكور نصا ودون تعليق.
المصدر: Almushahidassiyasi
|