الصين تخفف من لهجتها تجاه تايوان

 

إدوارد كودي

 

بخطوات هادئة وتدريجية نحت الصين في الآونة الأخيرة إلى التخفيف من مواقفها السابقة إزاء تايوان وفقاً لملاحظات الدبلوماسيين والمراقبين السياسيين. فحسب رأيهم شرع الرئيس الصيني "هو جينتاو" في التقليل من حدة الخطاب الصيني الذي كان يرتكز في السابق على استعادة الجزيرة إلى حظيرة الوطن ولو بالقوة، رغم تمتعها بحكم ذاتي منذ فترة ليست بالقصيرة. أما اليوم فقد انحصر الحديث الصيني بشأن تايوان في التركيز على عدم السماح لها بالانفصال نهائياً عن الوطن الأم ومنع قيامها بأية خطوة تسير في هذا الاتجاه. وقد أدى هذا التعديل في المواقف الصينية، بعد أن اتضح خلال الشهور الأخيرة، إلى تقارب في وجهات النظر الأميركية والصينية حيال قضية تايوان، وهي التي كانت تسمِّم العلاقات بين الطرفين في الماضي وتقف عائقاً أمام تطويرها. يشار إلى أن واشنطن كانت دائمة الإصرار على إبقاء الوضع الراهن في تايوان، الحكم الذاتي لكن دون استقلال قانوني، إلا إذا اتفقت كل من بيكين وتايبيه على حل سلمي مقبول من الطرفين.

ولعل من أهم تجليات تغير الموقف الصيني، أو على الأقل التخفيف من حدته اعتراف القيادة الشيوعية بالوضع الراهن في تايوان الذي كان مجرد الحديث عنه في السابق محظوراً. فقد صرح أحد المسؤولين الأميركيين البارزين، رفض الكشف عن هويته نظراً لحساسية الموضوع، أنه خلال زيارته إلى بيكين مؤخراً والتقائه بالرئيس الصيني "هو جينتاو" أكد له هذا الأخير أن بلاده لا تنوي أبداً شن هجوم عسكري على تايوان، أو السعي إلى إلحاقها بالقوة. وأضاف المسؤول الأميركي الذي تحدث مع الرئيس الصيني لعدة ساعات أن الصين لن تقوم بأي عمل عسكري ما لم تسعَ تايوان إلى تغيير الوضع الراهن والدفع في اتجاه الانفصال التام الذي سيضع السلطات الصينية في وضع حرج سيجرها إلى الرد. ولاشك أن تصريحات الصينيين بشأن ضرورة الحفاظ على ماء وجه القيادة يدل على شعبية المطالب الوحدوية في الأوساط الصينية والضغوط التي تمارسها على القيادة الشيوعية. وأكد المسؤول الأميركي أنه بالرغم من الآلة الدعائية الصينية المتواصلة حول تحرير تايوان، إلا أن الرئيس الصيني كان واضحاً عندما وضع خطاً أحمر يتمثل في عدم السماح بأي حال من الأحوال بقيام تايوان بخطوات تكرس استقلالها الناجز عن الوطن الأم.

ولإظهار حزمها قامت الصين بنشر حوالى 800 صاروخ قصير ومتوسط المدى في جنوب الصين قبالة مضيق تايوان، فضلاً عن انهماك بيكين في بناء قدراتها العسكرية لمواجهة أي قرار بالانفصال. والأكثر من ذلك قامت الحكومة الصينية بسن قانون يمنع الانفصال في مارس 2005 يضفي الشرعية على تعهدها باللجوء إلى القوة كحل أخير إذا ما قررت تايبيه الانفصال. وباستثناء معارضته لتغيير الوضع الراهن الذي يبدو أن الصين باتت تقبل به، أكد الرئيس "هو جينتاو" للمسؤول الكبير أن سياسة بيكين ستركز على تشجيع التعاون الاقتصادي والتبادل بين البلدين على أمل أن تصل الصين في مرحلة من المراحل إلى درجة متقدمة من الليبرالية تمهد الطريق لرجوع تايوان بشكل سلمي إلى حظيرة الوطن الأم. ولتعزيز العلاقات الثنائية بين الجانبين وتطويرها أعلنت حكومتا البلدين يوم الأربعاء الماضي عن فتح رحلات الطيران بينهما خلال العطل الرئيسية فيما اعتبر خطوة مهمة لاستئناف الرحلات الجوية بين البلدين التي توقفت منذ الحرب الأهلية سنة 1949.

وتعلق الحكومة الصينية آمالاً عريضة على خروج الرئيس الحالي لتايوان "تشين شويبيان" وزعيم الحزب التقدمي الديمقراطي من السلطة خلال الانتخابات المقبلة في تايوان المقرر إجراؤها سنة 2008. وتتطلع الصين أن يخلف الرئيس الحالي المناوئ لها زعيم الحزب القومي "ماينج جيو" المؤيد لعلاقات جيدة مع الصين. وبعدما لمست إدارة بوش التغير الحاصل في الموقف الصيني من تايوان شرعت في إعادة تقييم حساباتها على هذا الأساس. والنتيجة أن شراكة من نوع خاص تطورت بين بيكين وواشنطن تعول فيها الصين على أميركا لمنع تايوان من اتخاذ خطوات في اتجاه الانفصال. وفي هذا الصدد تعتمد الولايات المتحدة على نفوذها الضارب في تايوان منذ أن تعهدت واشنطن بالدفاع عن تايبيه في حال تعرضها لهجوم صيني. وحسب المسؤولين الصينيين لم تخفِ السلطات الصينية قلقها من تطلعات تايوان في حديثها مع وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس، لاسيما احتمال قيام رئيس تايوان الحالي بتعديل الدستور بما يكرس قانونية الاستقلال التايواني. وفي المقابل ردت أميركا بطمأنة الصين من خلال الضغط على تايوان وتحذير الرئيس من مغبة الإقدام على خطوة قد تعرض الأمن والاستقرار في المنطقة إلى خطر حقيقي. يذكر أن التغير الذي طرأ على الموقف الصيني اتخذ على أعلى مستوى في قيادة الحزب الشيوعي سنة 2004 بعدما أدركت السلطات الصينية أن سياستها المتشددة لن تفضي سوى إلى طريق مسدود. وبينما كانت الصين في السابق تهدد بغزو تايوان إذا ما تجرأت وأعلنت الاستقلال، تركز حالياً على استمالة سكان تايوان من خلال المضي قدماً في طريق التطور الاقتصادي والإصلاح السياسي.

مراسل "واشنطن بوست" في الصين

و كل ذلك بحسب رأي الكاتب في المصدر المذكور.

المصدر: الإتحاد الإماراتية- ينشر بترتيب خاص مع خدمة " لوس أنجلوس تايمز واشنطن بوست"-18-6-2006