باي «هاي» (1 ـ 2)
عبد الرحمن الراشد
.. او وداعا يا مجلة «هاي» التي تقول صحيفتنا ان وزارة الخارجية الأميركية قررت إغلاقها. أجزم أن اول سؤال سيطرأ على بال القراء وما هي هذه الـ«هاي»؟ ومتى صدرت حتى تودع ؟ باختصار شديد هي اصدار عن الحكومة الاميركية، وتحديدا وزارة الخارجية. مجلة اسبوعية تطبع تحت شعار التواصل الثقافي مع العرب. لم تبحر مجلة «هاي» بعيدا في الأسواق العربية لأنها عمليا ظهرت في زمن غير زمنها، وقدمت خدمة ثقافية مكررة، واكدت على حقيقة ان الحكومات، حتى لو كانت الأميركية ذات العقول والمراكز البحثية والسمعة الاعلامية الهائلة، ترتكب قرارات غبية. وقد يستغرب من يقرأ عن فشل متلاحق للمشاريع الاعلامية او الدعائية الاميركية وهي البلد الابرز في علم وعالم الاعلام، ففيها اكبر دور نشر في العالم، واكبر شبكات تلفزيون في الفضاء، واضخم استوديوهات سينما في الدنيا، واعظم موارد مالية في التاريخ، وافضل وسائل بحث على وجه الكرة الارضية. كيف لمن له هذه العقول والعضلات ان يعجز عن تحقيق مشروع بسيط اعلامي موجه لمجتمعات بسيطة يفترض ان ترضيها اقل الاعمال الناجحة؟ سؤال لم تحاول الخارجية الاميركية فهم إجابته خارج دوائرها المحدودة، السبب لأن الاجابة عليه بسيطة جدا. فما تحاول مجلة «هاي» بيعه للقارئ العربي موجود على رفوف كل كشك صحف في كل مدينة عربية. فالمجلة تقدم الجديد من تطورات الفن والموسيقى والحياة الجديدة الاميركية من اجل تعريف العرب بها. يا لها من مفارقة مضحكة، لأن هناك مئات المجلات والصحف العربية تفعل الشيء نفسه، وعلى حسابها، وتبيعه للقارئ العربي منذ اكثر من نصف قرن. فما الذي تستطيع ان تضيفه مجلة وزارة الخارجية؟ في العالم العربي عشرات المحطات التلفزيونية والاذاعية والمجلات والصحف تقدم جرعة ثقيلة من الثقافة الاميركية. اسالوا الصغار سيخبروكم عن فيلمي «سيارات» و«حياة حشرة» الكرتونيين قبل ان يصلا الى دور السينما او يسرقا نسخا على اقراص الـ«دي في دي». اسألوا الشباب عن فيلم «سوبرمان» الذي لا يقلّ الاقبال على شراء نسخ الفيديو منه في مدينة عربية عما يكون عليه في مدينة اميركية. ولا يحتاج الأمر الى وصف أكثر عندما يأتي الحديث عن ثقافة الأكل حيث تنتشر محلات «مكدونالدز» الى جانب محلات الشاورما ولا يتنافس الـ«بيبسي والكوكا كولا» اي مشروب عربي إلا مياه «ايفيان» الفرنسية. ان اي موظف في وزارة الخارجية الاميركية أمضى اسبوعا في اي مدينة عربية يدرك هذه الحقائق، ويعلم ان محاولة بيع الثقافة الاميركية ليست بالقضية، فالعرب مستلبون بالافلام والموسيقى والمأكولات الاميركية ربما اكثر من غيرهم لكنها لم تكن طريقا لعلاقة حسنة بين الطرفين. alrashed@asharqalawsat.com و كل ذلك بحسب رأي الكاتب في المصدر المذكور نصاً و بدون تعليق. المصدر: الشرق الأوسط اللندنية-9-7-2006
|