حيادية الاعلام واستقلاليته بين سلطة الدولة وسطوة التمويل

 

د. غزوان هادي

 

اخطبوط بألف ذراع وذراع يهدد حيادية وسائل الاعلام العراقية واستقلاليتها، ذراع لسلطة الدولة، والالف نصفها ظاهر والآخر خفي، فمن سطوة التمويل وتنوع الممولين، الى ارهاب المسلحين، وحرب المجهولين الباردة والساخنة، وتهديدات الادعياء، وسلطة هذا وسطوة ذاك، ووضع امني مترد في ظل كل هذا، والحديث ما زال يجري عن حيادية وسائل الاعلام واستقلاليتها والعمل على ايجاد اعلام حر مستقل.

يناط بوسائل الاعلام، فضلا عن التغطية الاخبارية الشاملة، وايصال المعلومات الى جميع متلقي الرسالة الاعلامية عبر وسائلها، مهمة الدفاع عن حق المتلقي في وجه محتكري صناعة الخبر سواء أكانوا جهات رسمية (حكومية) او مراكز قوى اخرى، اقتصادية ام سياسية، او قوى ضغط (لوبيات) او مصادر القوة والسطوة والنفوذ الاجتماعي بكل اشكالها، والذي يعد خطوة رئيسة نحو حيادية الرسالة الاعلامية، لان احتكار صناعة الخبر تعني توجيهه بما يخدم مصالح المحتكرين، بعيدا عن التزام الصدق والحيادية، فالقضاء على هذا الاحتكار بايجاد وسائل اعلام حيادية ومستقلة من ناحية الارتباط المؤسساتي، والمهنية العالية، والحفاظ على اخلاقيات المهنة بعيدا عن التلون لاهداف بعيدة عن حيادية الرسالة الاعلامية، واستمرارية التمويل المستقل المصدر (غير المسيس).

تتحمل وسائل الاعلام ممثلة بالعاملين فيها من اعلاميين متخصصين عالي التدريب والمهنية، واكاديميين مسؤولية جديدة، تضاف الى كل ما سبق ذكره في مرحلة انتقال البلد من الشمولية الى الديمقراطية في جميع مجالات الحياة، وهذا ما يعيشه العراق في الوقت الراهن، وهو الانتقال من نظام حكم شمولي، حكم العراق لاكثر من (35) سنة، والتحول الى مرحلة الديمقراطية في جميع مجالاتها السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية وغيرها من مجالات الحياة، وحرية الرأي والتعبير والنشر، والذي انعكس وبشكل جلي على عمل وسائل الاعلام العراقية، وهذه المسؤولية تتمثل في توجيه المناخ السياسي للبلد، من خلال توسيع العمل السياسي، والمساهمة في اعادة تعريف عناصر النظام السياسي، وادخال عناصر جديدة للنظام السياسي بما يتناسب وعملية التحول الديمقراطي، وهذا ما يتناقض ودور الاعلام من وجهة النظر الاكاديمية فبالاستناد الى المرجعيات الاعلامية النظرية والاكاديمية ينحصر دور وسائل الاعلام بالعملية الاداتية الكلاسيكية المحددة في التغطية الاخبارية والمعلوماتية البحتة، كون وسائل الاعلام من وجهة النظر الاكاديمية عبارة عن قناة نقل بين المرسل والمتلقي للاخبار والمعلومات تحديدا.

يرتكز على وسائل الاعلام وفقا لاحدث نظريات العمل الدعائي، الدور الرئيس في توجيه الرأي العام نحو هذا الاتجاه او ذاك، وتأخذ بعدا اكبر في التأثير على صانع اوضاع القرار السياسي، وكشف حالات الفساد المالي والاداري، وبما يؤدي الى اسقاط حكومات، وحجب الثقة عن اخرى من قبل البرلمان، والاطاحة برموز سياسية من خلال الكشف عن فضائحها، كل هذا واكثر ما يمكن ان تقدمه وسائل الاعلام في الدولة التي تعيش الديمقراطية، وبما ان العراق يمر بمرحلة الانتقال الى الديمقراطية ففي هذه المرحلة يتم البناء لمرحلة الديمقراطية مما يدعونا الى البناء السليم لدور الاعلام في مرحلة الديمقراطية، بعيدا عن الضغوطات التي اسلفنا ذكرها والعمل على قيامها في الوقت الراهن، بدور الموجه للعمل السياسي نحو الوجهة الصحيحة، بحيادية تامة بعيدا عن الضغوطات الداخلية والخارجية، فتأخذ وسائل الاعلام المختلفة دورها في توجيه المتلقين للرسالة الاعلامية نحو الديمقراطية بوجهها المشرق الوضاء، وفي جميع مجالات الحياة، وكيفية ممارسة المواطنين لحقوقهم الديمقراطية، في الحقل السياسي، وفي جميع مناحي الحياة، فضلا عن دور وسائل الاعلام في التأثير على القرار السياسي وصناعته، بعرض وتوضيح ابعاد القرار السياسي المنوي اتخاذه الى الرأي العام وممثليه في صنع القرار، وكذلك صانع اوضاع القرار السياسي انفسهم، مما يستوجب على صانع اوضاع القرار السياسي اتخاذ موقف محدد ازاء القرار، وفي حال عدم الاذعان، يتم توجيه الرسالة الاعلامية الى ممثلي الشعب في البرلمان، حتى يحجبوا الثقة عن القرار وحتى عن صانعه او صناعه، واذا لم يتم الاخذ بالحسبان ابعاد هذا القرار لاسباب مجهولة او معلومة يتم توجيه الرسالة الاعلامية الى الرأي العام مباشرة، مما يتطلب موقفا حازما ازاء ذلك، من خلال ممارسة المواطنين لحقوقهم الديمقراطية، وهكذا يمكننا تحديد دور وسائل الاعلام في ظل نظم الحكم الديمقراطية او السائرة صوبها، فوفقا لاحدث نظريات العمل الاعلامي يعد الاعلاميون والكتاب المعروفون قادة الرأي في مجتمعهم وهم الموجهون لسياسته وساسته، وذوي التأثير الاكبر على صناعة القرار السياسي بكل اتجاهاته.الحيادية التي نريدها لاعلامنا العراقي في ظل صعوبة مراحل العمل السياسي التي يمر بها العراق، وتردي الوضع الامني، وجميع الظروف الاستثنائية التي يعيشها العراق، هي حيادية تامة في جميع النواحي، فالحيادية هنا تكمن في نقل الخبر كاملا دون محاولة انقاصه او اسقاط احد عناصره او تشويهه، مما يفقده لاهميته وتأثيره، وهذا ما يعد تدخلا لغير صالحه، مما يستوجب معه نقل جميع الاخبار بعيدا عن تقدير اهميتها السياسية، وفقا لمنظور العاملين في المؤسسة الاعلامية، السياسي او الثقافي او الاجتماعي وحتى الديني او الطائفي او المذهبي او الفئوي، وانما يتم تحديد اهميته وفقا لمقياس المهنية الاعلامية، وبناء على ذلك يتم نقل جميع الاخبار واعطاؤها نفس الاهمية في النقل في اطار حقل الاهتمام الواحد، ومن المفترض لتحقيق الحيادية عدم التعليق على الخبر او اضافة وجهة نظر او اشاعات او معلومات غير مؤكدة اليه، مما يحرفه عن مساره المرسوم له، كذلك لتحقيق الحيادية، وجب عدم نقل الاخبار غير الصحيحة معلوماتيا او منطقيا، او الاخبار غير الموثوقة المصدر، وعدم نقل الاشاعات كأخبار، والترويج لها لما سيسببه من ضرر في مصداقية الوسيلة الاعلامية وحياديتها.

الاستقلالية التي نطمح ان تنالها وسائل الاعلام العراقية، هي تحقيق الاستقلال عن تابعية الوسيلة الاعلامية بجميع ملاكها بدءا من قيادتها وصولا الى ادنى درجة وظيفية فيها الى اية جهة رسمية او غير رسمية، داخلية او خارجية، او الى اي كيان سياسي سواء أكان داخل الحكومة ام خارجها، ولا لاية مراكز وقوى ضغط بجميع اشكالها، وبما يحقق استقلالية وسيلة الاعلام المؤسساتية مع الابقاء على ولاءات او انتماءات ملاك المؤسسة الاعلامية السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية والعقائدية والدينية، خارج اطار عمل المؤسسة الاعلامية، مما يحقق حياديتها في العمل الاعلامي، فضلا عن العمل على استقلالية مصادر التمويل فاذا كانت مصادر التمويل من خارج المؤسسة الاعلامية، فرض على المؤسسة الاعلامية تقديم تنازلات لصالح الجهة الممولة، مقابل الدعم المادي، ويتم تقديم هذه التنازلات عن طريق انحياز ايجابي للمؤسسة الاعلامية الى جانب الجهة الممولة، وانحياز سلبي للمؤسسة الى الضد من الجهة الممولة، مما يعني شن حرب باردة لصالح الجهة الممولة، وبما يصب خارج بوتقة حيادية واستقلال وسائل الاعلام.هكذا يمكننا الحديث عن تحقيق حيادية وسائل الاعلام واستقلاليتها كصفقة واحدة فبمنح وسائل الاعلام لاستقلاليتها المؤسساتية والتمويلية، يمكن تحقيق حياديتها في التعاطي مع التغطية الاخبارية بشكل حيادي وغير منحاز، مما يساعد في خلق اعلام حر ومستقل وحيادي ايضا، يحقق الاهداف المرجوة منه في مرحلة الانتقال الى الديمقراطية وكذلك في مسيرة الدولة الديمقراطية مستقبلا.

و كل ذلك بحسب رأي الكاتب في المصدر المذكور.

المصدر: جريدة الصباح-11-6-2006