الصين في القرن الحادي والعشرين : المؤتمر السنوي للمجلس المصري للشئون الخارجية
نانيس عبد الرزاق
عقد المجلس المصري للشئون الخارجية مؤتمره السنوي لهذا العام حول موضوع 'الصين في القرن الحادي والعشرين وبدأ المؤتمر بجلسة افتتاحية تحدث فيها السفير عبد الرؤوف الريدي رئيس مجلس ادارة المجلس، مؤكدا ان هذا المؤتمر يختلف في دوافعه واهتماماته عن الكم الكبير الذي نراه في العالم الآن -خاصة في الغرب- عن 'الصين'، حيث ان هذه المؤتمرات والدراسات في اغلبها تنطلق من منظور متوجس من الصين باعتبارها قوة صاعدة تنافسية، مع العديد من مراكز القوى الأخرى في الغرب أو في الشرق. لكن هذا المؤتمر ينطلق من ان الصين دولة صديقة، وكلما ارتفعت الصين وحققت تقدما، يسعدنا ذلك كعالم نام لان الصين -التي كانت الى عهد قريب جزءا من العالم الثالث ودولة نامية- تتربع الآن على المركز الخامس، ان لم يكن المركز الرابع في الاقتصاد العالمي، ولذلك دلالة مهمة، هي ان الشعوب النامية تستطيع ان تلحق بالركب وان تكون في صفوفه الامامية وان تكسر حاجز التخلف، وان تجعل من حضارتها القديمة باعثا على التحديث والتفوق. والقى السيد وزير الخارجية احمد ابو الغيط كلمة تحدث فيها عن العلاقات الصينية-المصرية وعمق تاريخها والتراث السياسي والثقافي الذي يجمع البلدين، واكد ان القيادة السياسية لكل منهما تسعى جاهدة نحو تعزيز الترابط والتفاعل على جميع الاصعدة السياسية والثقافية والاقتصادية، كما اكد فخر مصر وغيرها من الدول العربية والدول النامية بالصعود الصيني السلمي وتجربتها في التنمية التي تستحق ان تكون مثالا يحتذي به غيرها من الدول التي تسعى لتحقيق خطوات على طريق التنمية، حيث انها حققت المعادلة الصعبة بين النمو الاقتصادي والاستفادة من الموارد الطبيعية والبشرية المتاحة من ناحية، وتحقيق التنمية الاجتماعية والسياسية والتشغيل الامثل للموارد مع الحفاظ على البيئة من ناحية اخرى. ولقد لعب عدد من الاعتبارات السياسية والاقتصادية دوراً كبيرا فى تشكيل أو إعادة تشكيل العلاقات المصرية- الصينية فى القرن العشرين من حيث ان كلتيهما تنتمي إلى مجموعة الدول النامية وان كلتيهما من الاقتصادات الصاعدة، حتى وان اختلف الواقع الاقتصادي فى كل منهما، اضافة الى ان مصر والصين قوتان إقليميتان تطمحان للعب دور دولى فاعل بل وتتوافر لديهما المقومات لهذا الدور. وبصرف النظر عما يتردد عن تحول الصين مع مرور الوقت إلى قطب دولى جديد، إلا أن الدولتين ولسنوات طويلة قادمة ستجمعهما هذه الخاصية. واكد في النهاية عمق العلاقات بين مصر والصين وأهميتها وضرورة تنميتها، حيث اصبحت تمثل أحد ثوابت السياسة الخارجية المصرية. كما اكد السيد الوزير تنسيق البلدين والتشاور بينهما حول مختلف القضايا الاقليمية والدولية وفي كافة الهيئات والمنظمات الدولية فضلا عن الزيارات الرئاسية شبه السنوية التي تدعم علاقات البلدين. ثم القى السفير وو سيكه سفير الصين بالقاهرة كلمة بدأها بشكر المجلس المصري للشئون الخارجية على اهتمامه بموضوع الصين، حيث تتمتع كل من الصين ومصر بحضارة عريقة وباهرة، وتواجهان المهام المشتركة لتنمية الاقتصاد وتحسين مستوى معيشة الشعبين. ومن ثم اكد انه من الضروري دراسة كيفية استفادة الحضارتين من بعضهما بعضا. وعرض تطور الصين من الناحيتين السياسية والاقتصادية واكد ان تطور الصين لا يخدم مصالح الشعب الصيني البالغ عدده 3ر1 مليار نسمة فحسب، بل يوفر الفرصة السانحة والسوق الكبيرة لدول العالم، ويصبح نمو الاقتصاد الصيني ديناميكية مهمة لتدعيم نمو الاقتصاد العالمي. كما اعلن انه قبل بضعة شهور، حددت الحكومة الصينية الاهداف التنموية في السنوات الخمس المقبلة، وذلك في سعيها لتحقيق مضاعفة الناتج المحلي الاجمالي للفرد بحلول عام 2010 بالمقارنة بما كان عليه في عام 2000، وذلك على اساس بناء المجتمع المنسجم وتحقيق التوافق بين الانسان والطبيعة في مسيرة التنمية. كما اكد حيوية العلاقات الصينية- المصرية في الوقت الحالي، فهي تمر بأروع مرحلة في التاريخ، حيث حقق تعاون البلدين ثمارا وافرة في كافة المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية والتعليمية، وتطورت العلاقات الثنائية تطورا سريعا تحت الرعاية البالغة من قادة البلدين، كما يتبادل البلدان الدعم والتأييد ويكثفان التنسيق والتعاون في كافة القضايا الدولية والاقليمية. والقى المحاضرة الافتتاحية د.انور عبد الملك بعنوان 'الصعود السلمي: الصين في عالم جديد متعدد الاقطاب'، وقد خلص الى خصوصية المنهج الذي يحرك الفكر والعمل الصيني في كافة المجالات بالرغم من احتوائه على تناقضات داخلية، ومن ثم يؤكد هذا المنهج تعبئة كافة القوى السياسية والمدارس الفكرية الداخلية نحو تحقيق تلك الخصوصية. وفي ظل عصرنا، فان التناقض الرئيسي هو بين تحكم هيمنة قطب واحد بالعنف على العالم مقابل نظام عالمي متعدد الاقطاب والمراكز. وفي هذا الجو، تتصاعد فاعلية مفهوم الترابط الصيني، اذ انه يستطيع التعامل مع عدد كبير من انماط التناقضات الدولية دون تغييب اي من القوى الفاعلة، ومن بين هذه الترابطات مثلا ثنائية السلام العام والحرب الجزئية، والانفراج العام والتوتر الجزئي، والثبات العام والتفجير المحلي. واخيرا، مثلما قال كونفوشيوس ان القوة الناعمة او المكانة المعنوية بين الامم وفي قلوب الناس هي طريق تحقيق الصعود السلمي نحو عالم جديد متعدد الاقطاب والمراكز والثقافات، تتشكل من حولنا والصين في قلبه. بحثت الجلسة الاولى موضوع : ' الصين عالميا واقليميا '، وجرت برئاسة د. اسامة الغزالي حرب الذي قدم للمتحدثين، واولهما السفير د. السيد امين شلبي الذي تحدث حول العلاقات الصينية- الامريكية، حيث ذكر انه على الرغم من اختلاف المدارس السياسية والفكرية الامريكية في النظر الى القوى المتنامية للصين ما بين من يرى هذه القوة تهديدا للولايات المتحدة ومنافسا لها على المكانة الدولية وانها ستكون في هذا الشأن فيما كان الاتحاد السوفيتي، ومن ثم يتوجب مواجهتها واحتواؤها، وبين من يرون ان الصين لا تمثل هذا التهديد ويدعون الى الارتباط Engagement والحوار والتعاون معها. و على الرغم من هذا الاختلاف، الا ان ثمة اجماعا على ان الصين تمثل اكبر تحد للولايات المتحدة في القرن الحادي والعشرين، كما ان ثمة اتفاقا لدى المتتبعين لتطور النظام الدولي وطبيعته على ان الولايات المتحدة والصين ستكونان اكبر قوتين اقتصاديا وعسكريا في القرن الحادي والعشرين وان طبيعة العلاقات بينهما سوف تحدد طبيعة هذا النظام. لذلك، ليس غريبا ان تنشغل الاجهزة الدبلوماسية في العالم ومؤسسات البحث والفكر بمناقشة هذه العلاقة والابعاد التي ستأخذها والعناصر التي تحكم ادارة علاقاتهما. وهذه الورقة تحاول المشاركة في هذا النقاش بتتبع علاقة القوتين منذ الانفتاح الامريكي على الصين وزيارة نيكسون التاريخية عام 1972 وتطور هذه العلاقة عبر الادارات الامريكية المتعاقبة. وكذلك عرض التطور الداخلي في الصين، وصولا الى الادارة الامريكية الحالية والزعماء الصينيين الحاليين، ومستوى التعقيد والتشابك وتداخل الاعتبارات والدوافع التي تحكم هذه العلاقة التي جعلت بعض الخبراء الامريكيين يصفونها بتوءم سيامي لا يمكن فصلهما. اما المتحدث الثاني، فقد قدم ورقة بعنوان ' اثر الصعود الصيني على التوازنات العالمية والآسيوية' للاستاذ الدكتور محمد السيد سليم الذي تعذر عليه حضور المؤتمر لسفره إلى الخارج، وقد قدمها نيابة عنه الدكتور محمد سالمان استاذ العلوم السياسية وعضو المجلس، حيث ذكر أن الصعود الصيني في النظام العالمي هو احد الاحتمالات المستقبلية للصين، اى أن جميع الاحتمالات مطروحة بالنظر إلى تناقض المتغيرات المؤثرة في مستقبل الصين. كذلك، فانه في حالة حدوثه، فانه لن يؤثر بشكل جوهري في هيكل توزيع القوة فى النظام العالمي، لان الصين ليس لديها استراتيجية عالمية وكانت دائما قوة إقليمية، وأن المشهد المستقبلي لشرقي آسيا يغلب عليه طابع المواجهة الأمريكية-اليابانية مع الصين. وذكر انه بالرغم من ان الصين تؤكد عزمها تحويل النظام العالمي إلى نظام متعدد الأقطاب، لكن ليس هناك ما يدل على أن لديها برنامجا لتحقيق ذلك بدليل أنها في مجلس الأمن ' تتوافق' مع اتجاهات القوى الغربية في كل القضايا، باستثناء ما يتعلق بموضوع تايوان، كما لا يوجد ما يدل على أن الصين، على الأقل طوال السنوات العشر الأخيرة، تتحدى النفوذ الأمريكي، أو أنها تسعي إلى تحجيم هذا النفوذ. وحتى في ميدان مصالحها الأساسية، وهو النفط، فان الصين تتبع استراتيجية توافقية مع الولايات المتحدة. وخلصت الورقة الى أن الصعود الصينى سيكون بمثابة رحلة طويلة الأمد تتبع الصين خلالها استراتيجية حذرة تقوم على عدم المساس بالتوازنات القائمة و العمل من خلالها، و لكن الاستراتيجية الأمريكية المضادة ستعمل على عدم اعطاء الصين الفترة اللازمة للصعود، وقد بدأت الولايات المتحدة بالفعل فى الضغط الاستراتيجي على الصين بالتعاون مع حليفتها فى الشرق. وجاءت الجلسة الثانية تحت عنوان 'السياسة الصينية ازاء الشرق الاوسط وافريقيا' وقد رأسها الاستاذ الدكتور حسن نافعة، وشملت الجلسة اربعة متحدثين، كان المتحدث الاول د. هدى ميتكيس التي قدمت ورقة حول موضوع 'السياسة الصينية ازاء الشرق الاوسط'، حيث اقرت انه لا شك في أن أهمية محاولة استجلاء الموقف الصيني وتفاعلاته على الصعيد الدولي تجئ بالأساس من أن الصين باتت تعد بين مصاف الدول الكبرى فى عالمنا المعاصر، ليس فقط نتيجة قدراتها العسكرية الهائلة التى جعلتها تشغل المكانة الثالثة من حيث القدرة النووية، وإنما لشغلها لنفس المكانة من حيث مستوى حجم الناتج القومى الاجمالى، ناهيك عن القوة الديموجرافية التى تتمتع بها الصين نظراً لعدد سكانها الذى بلغ ملياراً و 400 مليون نسمة.وفى إطار هذا السياق، برز الصعود الصينى كأحد التوجهات العالمية فى القرن الحادي والعشرين التى ارتأى فيها الكثيرون خاصة فى حالة استمراريتها، أقوى هذه التوجهات على الإطلاق خلال القرن الحالى، وتصاعدت التكهنات حول التوازنات المستقبلية للنظام الدولى فى ظل هذا الصعود الصينى المتلاحق. لذلك، توجهت أنظار المنطقة العربية إلى هذه القوة الصاعدة التى يمكن أن تمثل ثقلاً مضاداً للهيمنة الأمريكية فى نظام أحادى القطبية بعد انهيار الاتحاد السوفيتى، خاصة أن منطقة الشرق الأوسط بصفة عامة والمنطقة العربية بصفة خاصة باتت تزخر بالعديد من القضايا المعقدة التى تسعى الصين لأن تكون طرفاً فاعلاً فيها، خاصة القضية الفلسطينية والوضع في العراق. وقد انقسمت الورقة الى اربعة محاور توضح سياسة الصين تجاه الشرق الاوسط: تناول المحور الاول الأهداف العامة للسياسة الصينية كمدخل لفهم الموقف الصينى من قضايا الشرق الأوسط، وتناول الثاني رؤية لأهم محددات السياسة الخارجية الصينية فى الشرق الأوسط، و عرض الثالث لتطور الموقف الصينى إزاء التسوية السلمية فى الشرق الأوسط، واخيرا ركزت الورقة على الموقف الصينى تجاه القضية العراقية، واختتمت الورقة بتأكيد ان الصين اعلنت حرصها على التعاون مع كافة الدول من منطلق المنفعة المتبادلة، وهى السياسة التى تنتهجها الصين فى منطقة الشرق الأوسط مع الحرص على القيام بدور عالمى فى مختلف القضايا بصفة عامة، ومن بينها تلك تشهدها المنطقة العربية.وفي هذا الشان، أكدت الصين أن من بين أهداف سياستها الخارجية إرساء عالم متعدد الأقطاب يجنب الإنسانية ويلات أى حروب مستقبلية بما يضمن السلام العالمى، بحيث تواصل الصين سياسة خارجية تهدف إلى الحفاظ على السلام العالمى فى ظل نظام دولى يقوم على مبدأ الاحترام المتبادل دون الهيمنة مع اتباع نموذج للتنمية المشتركة فى إطار الثقة المتبادلة والمساواة والجوار ومحاولة تسوية المنازعات من خلال السبل السلمية والحوار، وهو النهج الذى تمسكت به الصين فى رؤيتها لمختلف قضايا الشرق الأوسط. المتحدث الثاني - ممثلا للمعهد الصيني للعلاقات الدولية المعاصرة - هو السيد Li Baizhai والذي تناول موضوع 'دبلوماسية الطاقة في الصين '، وذكر ان هذا النوع من الدبلوماسية يأتي -كما صنفه بعض الباحثين -بعد دبلوماسية الدول الكبرى ودبلوماسية الدول المجاورة في استراتيجية الدبلوماسية الصينية، لذلك يعتبر عام 2004 عام دبلوماسية الطاقة الصينية، حيث إن دبلوماسية الطاقة ما زالت مستجدة بالنسبة الى الصين، و ترجع الي التسعينات من القرن العشرين، حيث أثارت قضية أمن الطاقة اهتماما قويا من قبل الحكومة الصينية مع زيادة حاجات الصين للطاقة وارتفاع نسبة الاعتماد على الاستيراد بصورة سريعة، فأصبحت دبلوماسية الطاقة جزءا مهما للاستراتيجية الدبلوماسية للحكومة الصينية الحالية. إن معظم الزيارات التي قام بها الرئيس هو جين تاو خلال العامين الماضيين مرتبطة بالشئون التعاونية في مجال البترول والغاز الطبيعي. وترجع اسباب اتباع هذه الدبلوماسية الى أن الصين سيواجهها اتجاهان حتميان في المستقبل مع تنمية وتطوير الاقتصاد الصيني بصورة سريعة في هذه السنوات: الاتجاه الأول هو أن كمية الاستهلاك النفطي ستزداد زيادة ملحوظة. أما الاتجاه الآخر، فهو أن الصين ستستورد كميات هائلة من البترول لسد الحاجات الداخلية بسسب شح مواردها النفطية،وقد شهدت الصين هذين الاتجاهين إلى حد ما، وذلك ما يتمثل في سرعة زيادة كمية الاستهلاك النفطي في الصين بـ 6.66 سنويا خلال السنوات العشر الماضية منذ 1993 -2003، كما انها أصبحت دولة مستوردة صافية للنفط في عام 1993. بالمقارنة مع ذلك، فإن سرعة زيادة إنتاج البترول داخل الصين هي 1.75 سنويا فقط خلال هذه الفترة، فتتسع الفجوة بين الطلب والعرض أكبر فأكبر في القرن الحادي والعشرين، خاصة بعد عام 2003، حيث بدأت الصين تسبق اليابان واحتلت المركز الثاني في الاستهلاك النفطي في العالم. وأكثر من ذلك، من المتوقع أن تبلغ كمية الإستهلاك النفطي في الصين بين أربعمائة وخمسين مليونا وستمائة وعشرة ملايين طن حتى عام 2020، ولكن حجم التموين في الوقت نفسه سيتراوح بين مائة وثمانين مليونا ومائتي مليون طن فقط، ذلك يعني أن الفجوة بين الطلب والعرض ستبلغ مائتين وخمسين مليونا حتي أربعمائة وثلاثين مليون طن. علاوة على ذلك، فإن تكلفة الإنتاج في الصين للبترول الخام تظل عالية حتى لا نقدر على مقارنتها مع الدول المنتجة للبترول الأخرى، مثلا تكلفة إنتاج البترول لكل برميل في دول إفريقيا والشرق الأوسط هي 3.73 دولار، وفي كندا 7.17 دولار، وفي أوروبا 8.29 دولار، وفي أمريكا 13.3 دولار، أما في الصين، فهي أكثر من 17 دولارا لكل برميل علي الأقل، فترغب الصين في إنشاء نظام التموين للطاقة علي النطاق العالمي للحصول علي التموين النفطي الطويل الأجل الثابت الوافر وبالأسعار المناسبة لدعم تطورها الاقتصادي والاجتماعي بشكل مستمر ومستقر. واكد في النهاية انه في الحقيقة أن دبلوماسية الطاقة الصينية ليست استراتيجية جديدة تماما، بل هي الامتداد والتعديل للاستراتيجية القديمة المسماة باستراتيجية الذهاب الي الخارج، والتغيير الوحيد فيها هو الاهتمام المتزايد بشق طرق الطاقة الجديدة علي النطاق الدولي للتمسك بزمام المبادرة أكثر من الماضي. ويساعد هذا النوع من الدبلوماسية على تمسك الصين بسياسة خارجية سلمية مستقلة تلتزم بمبادئ التعايش السلمي الخمسة، وعدم وجود خلافات بينها وبين الدول العربية في المصالح الجوهرية، والمحافظة علي التبادل التجاري مع الدول العربية بشكل طبيعي وصحي. كما ان قادة الطرفين يهتمون جدا بالتعاون في مجال الطاقة، حيث يؤكدون في محادثاتهم إقامة علاقات تعاونية استراتيجية طويلة الأجل بشكل ثابت ومنفعة متبادلة خاصة في مجال البترول. وشارك من الصين ايضا المتحدث الثالث السفير Baolai Liuممثلا لمعهد الشعب الصيني للشئون الخارجية وقدم ورقة تحت عنوان 'رؤية عامة للعلاقات العربية-الصينية ' تناول فيها التاريخ الطويل والعميق للعلاقات الصينية-المصرية منذ طرح رئيس الوزراء الصيني تشو انلاي في زيارته للقاهرة في عام 1964 المبادئ الخمسة للعلاقات الصينية-العربية، كما استعرض علاقات الصداقة والتعاون الصيني-العربي واكد انها في حاجة الى جهود كبيرة لكي تتطور في اتجاه تقويتها على جميع الاصعدة السياسية والاقتصادية والثقافية، وقد قدم السيد Baolai بعض التوصيات في هذا الصدد، من اهمها: تعزيز التواصل المتعدد المستويات لزيادة الفهم والثقة المتبادلة، وتفعيل التعاون المتبادل لتحقيق التنمية المشتركة، وتعزيز التخطيط وتعميق الفهم والبحث للثقافتين العربية والصينية. اما المتحدث الرابع، فهو الدكتور حسن ابو طالب الذي تناول موضوع 'الصين - وافريقيا'، حيث استعرض تاريخ العلاقات الصينية-الافريقية منذ الستينات، واكد ان العلاقات الصينية-الافريقية شهدت أيضا طفرة فى الآونة الأخيرة وعلى رأسها إنشاء منتدى للتعاون الصينى-الافريقى، وقد كانت مصر واحدة من أهم الدول الافريقية التى تشاورت معها الصين عام 2000 حول انشاء هذا المنتدى، وقد عقدت اول قمة له في بكين عام 2000، كما تعتزم الصين استضافة قمة افريقية-صينية في اطار المنتدى تعقد في بكين في خريف عام 2006، مما يدل على عمق الاهتمام الصيني بالقارة الافريقية وحرصها على المشاركة الفعالة في قضاياها المتعددة والمختلفة، الامر الذي يدفع نحو مزيد من الثقة والحماس لتعزيز العلاقات الصينية-الافريقية. وبحثت الجلسة الثالثة العلاقات الثنائية المصرية-الصينية برئاسة السيد جمال الناظر، حيث تناولت البعد السياسي للعلاقات بين البلدين وقد ناقشها السفير علي الحفني.وبداية، ذكر ان مصر والصين سوف تحتفلان فى 30 مايو 2006 بالذكرى الخمسين لإنشاء العلاقات الدبلوماسية بينهما، تلك العلاقات التى اتفق الزعيمان الراحلان عبد الناصر ورئيس وزراء الصين آنذاك شوان لاى على إنشائها، حينما التقيا على هامش مؤتمر باندونج، الذى عقد باندونيسيا عام 1955، وكانت تلك أول مرة يلتقى فيها زعيمان من مصر وجمهورية الصين الشعبية عقب إنشاء الأخيرة عام 1949 وقيام الثورة فى الأولى عام 1952 . وقد استعرضت الورقة تطور العلاقات السياسية بين البلدين منذ اقامة تلك العلاقات متضمنة البعدين العربي والافريقي لتلك العلاقات، كما عرضت الآليات القائمة فى إطار العلاقات الثنائية بين مصر والصين، والتي شملت المشاورات السياسية بين الدولتين، واللجنة المصرية -الصينية المشتركة للتعاون العلمى والتكنولوجى، واللجنة المصرية-الصينية المشتركة للتعاون التجاري والفنى، ومجموعة العمل الزراعية المشتركة، وهى على مستوى نواب / وكلاء الوزارة. كما تناولت الجلسة البعد الاقتصادي للعلاقات الثنائية بين مصر والصين، وتحدث حول هذا الجانب الاستاذ محمد قاسم، رجل الاعمال وعضو المجلس، حيث تناولت ورقته ' العلاقات الاقتصادية الصينية-المصرية..اين هي والى اين تتجه؟'، وقد استعرض بداية وضع الاقتصاد الصيني، حيث تمثل الصين 4% من الإقتصاد العالمي وتبلغ تجارتها الخارجية 851 مليار دولار وتأتي في المرتبة الثالثة بعد الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي. وبالرغم من ذلك، فان حجم الاقتصاد الصيني لم يتعد 7/1 اقتصاد الولايات المتحدة، فضلا عن التحديات الخطيرة التي تواجهها الصين للاستمرار في النمو المتسارع الذي شهدته خلال ربع القرن الماضي، وتتمثل في ندرة الموارد الطبيعية المتاحة بالمقارنة بعدد السكان وعلى الأخص في الطاقة والمواد الأولية والمياه والأرضي القابلة للزراعة.كما تواجه الصين أيضاً تحديا بيئيا نتيجة لتسارع معدلات النمو فضلاًعن ضعف العلاقة بين النمو الاقتصادي من جهة والتنمية الاجتماعية من جهة أخرى، فضلا عن الحرب التجارية الحالية التي تواجهها الصين من أطراف عديدة وعلى رأسها الولايات المتحدة . وحول العلاقات الاقتصادية الثنائية بين مصر والصين، أكد أن هناك نمواً مطردا في كل من الصادرات المصرية والصينية لكلا البلدين منذ عام 2001 وحتى الآن، إلا أن الميزان التجاري يميل بشدة لصالح الجانب الصيني نظراً لارتفاع حجم الصادرات الصينية. وخلصت الورقة الى ضرورة تحديد أولويات مصر الاستراتيجية تجاه العالم الخارجي من الناحية الاقتصادية مع اعطاء المزيد من الاهتمام للصين وآسيا عامة لان الواضح أن الفكر الاستراتيجي المصري مشغول تماماً بالشمال (أوروبا) والغرب (الولايات المتحدة) دون اهتمام كاف بالشرق (آسيا بما فيها الصين) والجنوب (افريقيا). ومن المؤشرات ذات الدلالة أنه رغم كثرة المراكز المتخصصة، ورغم الجهد المشكور لمركز الدراسات الآسيوية بجامعة القاهرة، فلا يوجد مركز متخصص في الدراسات الصينية.وقدمت الورقة توصية لبحث امكانية قيام المجلس المصري للشئون الخارجية بأخذ زمام المبادرة في هذا الشأن وتكوين مجموعة عمل استراتيجية للنظر فيما يتوجب أن تكون عليه العلاقات المصرية-الصينية بأبعادها المختلفة. واختتم المؤتمر اعماله بمائدة مستديرة بعنوان 'مستقبل العلاقات المصرية-الصينية ' شارك فيها عدد من الخبراء المصريين اضافة الى ممثلي المعهد الصينيين المشاركين في المؤتمر، وخلص المشاركون الى انه يجب وضع خطة او آلية نحو مزيد من التعاون بين البلدين في كافة المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية، وضرورة استحضار الرؤية المصرية في التوجه للشرق، والاهم هو المشاركة في التنظيمات الجديدة والقائمة في آسيا مثل منظمات اقليمية ذات اهمية كبيرة الآن، مثل ASIAN , EAST ASIAN FORUM ,APEC ومنظمة شانغهاي للتعاون،والتي تسعى اسرائيل للانضمام اليها والحصول حتى على مقعد مراقب!، يجب الاهتمام بذلك، ويجب ان يكون لجامعة الدول العربية دور ايضا. وحتى لو نظرنا من المنظور الاسلامي، فإن مصر دولة اسلامية و هذه المنطقة تحوي عددا كبيرا من المسلمين، لذلك يجب ان نوليها قدرا اكبر من الاهتمام والمتابعة، فضلا عن انه لابد من احترام الثقافة الصينية ومعرفة مع من نتعامل. علاوة على ذلك، فان ما ينقص مصر هو عدم وجود مؤسسات مصرية قائمة في الصين. فمثلا، لا توجد غرفة تجارية - مصرية في الصين، ومن ثم من الضروري مراعاة ذلك حتى يتسنى زيادة التبادل التجاري المصري-الصيني خاصة ان الميزان التجاري بين البلدين ليس في صالح مصر.. واخيرا، فان الجوهر هو ان ندرس الصين بعيون مصرية، وليس بعيون اجنبية. وكل ذلك نصاً ودون تعليق بحسب الكاتب في المصدر . المصدر : http://www.siyassa.org.
|