أجندة بدون خطط عملية...المؤتمر الإسلامي مجرد توصيات

حميد المنصوري 

القمة الإسلامية بين الواقع والمأمول

من العاصمة السنغالية داكار، أطلت قمة منظمة المؤتمر الإسلامي في دورةٍ جديدة ملؤها التحديات. والمنظمة لا تصدر قرارات ملزمة، ولا تملك آليات لإدارة الصراعات المختلفة في العالم الإسلامي، فهي تطرح القضايا وتناشد وتدين، إلا أن حشود الدول التي تحضر وعرضها القضايا المختلفة، يجعلان الجميع يشعر بأهمية التحديات، فهي بذلك منظمة مهمة جداً لجزء من العالم يعج بالصراعات والتحديات على كل المستويات. إنها منظمة أكبر من أن يُقال عنها إنها خرجت من رحم الصراع العربي بين التقليديين والتقدميين، فهي وليدة حدث جلل تجاوز حدود الإجرام، عندما أحرق متطرف يهودي بيت المقدس في العام 1969، فجاء إنشاء المنظمة في الرباط بالمملكة المغربية في 25/9/1969 (12/7/1389هـ) بعد انعقاد أول مؤتمر لقادة العالم الإسلامي عقب هذا الفعل الصهيوني الآثم، الذي أحرق جزءاً من المسجد الأقصى الشريف في 21/8/1969.

أجل القضايا والتحديات جسامٌ داخل العالم الإسلامي وخارجه، فهناك الكثير من القضايا التي طرحت بوضوح قوي جداً، وهناك من القضايا والصراعات ما طُرح بصورة متوسطة لا تثير أطرافها ضمن المنظمة، وهناك أيضاً إغفال لبعض القضايا. لقد شددت القمة على ضرورة إجراء الانتخابات الرئاسية اللبنانية في أسرع وقت ممكن مع دعوتها إلى القيام بما يلزم لتعمل المحكمة الدولية من أجل الكشف عن عمليات الاغتيال السياسي، وفي السياق نفسه أدانت فرض واشنطن عقوبات على سوريا. ولا يمكن تصور قمة للمنظمة دون أن تكون فلسطين والقدس حاضرة، كيف لا وهي، إذا ما تحررت ستُرحَّل الأمانة من جدة بالمملكة السعودية إلى مدينة القدس المقر الدائم للمنظمة حسب ميثاقها. وليس من قبيل التعقيد القول إن القمة أتت بشيء له دلالة في تعبيرها عن القلق من تدهور الأوضاع الإنسانية للفلسطينيين خاصة في قطاع غزة، وكأنها توحي بأن الوضع الفلسطيني معقد داخلياً وخارجياً ومع إسرائيل أيضاً. والملاحظ مطالبتُها الرباعية الدولية والمجتمع الدولي بمعالجة الأزمة وإنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي العربية منذ عام 1967 بما فيها القدس الشرقية والوصول إلى الحل المبني على الدولتين، أي أن القمة جاءت بطرح شمولي للقضية وأوضحت أن استمرار الخلافات بين الفصائل الفلسطينية يثير القلق. وهنا لا بد من الإشارة إلى أن القمة لا تستطيع الدخول في تفاصيل القضية الفلسطينية، لأنها تتعلق بدول أخرى إسلامية وعربية، والدخول فيها يسبب فشلها لا محالة. ولا شك في أن صورة الدين الإسلامي تأثرت بأعمال بعض المسلمين التخريبية، وهنا كان طبيعياً أن يُدين المؤتمر بقوة شديدة الأعمال الإرهابية التي تقوم بها الجماعات المتطرفة وتضرب العالم الإسلامي والإنسانية وتعمل على تشويه قيم الدين وتُشيد بالأفكار المتطرفة.

وإذا كان المؤتمر واضحاً في قضية لبنان وفلسطين رغم عدم دخوله في خيوط الصراعات، فقد مر مرور الكرام على العراق، وكان نصيبه أن حثَّ الدول الإسلامية على فتح سفاراتها فيه. ولم تكن كوسوفو لتغيب عن ناظرَي القمة، وإن تَركت لنا كمحلِّلين الكثير، فالمؤتمر تناول كوسوفو بشكل عام، فأعرب عن تضامنه مع شعب كوسوفو في إطار ما توليه المنظمة من اهتمام بالمسلمين في منطقة البلقان، وذلك لأن الكثير من البلدان الإسلامية يعاني من صراعات عرقية وقومية في إطار إعادة رسم خريطة الدول والتجمعات السكانية، فالسودان مثلاً ينخره صراع كبير بين الشمال الإسلامي والجنوب المسيحي، والنزاع قائم في تركيا مع الأكراد، وفي إيران نجد الفرس والعرب والأكراد، والبلوش في باكستان. ولن نأتي بجديد إذا قلنا ربما سنرى الدروز غداً في سوريا ولبنان. وكل هذا يتلخص في معضلة كبيرة تكمن في فشل تلك الدول في خلق نظام سياسي واقتصادي وثقافي يستطيع تذويب كل الهويات المختلفة ضمن الوطن الواحد كما في الولايات المتحدة الأميركية وغيرها من الأنظمة الناجحة.

إذا كانت القمة واضحة في قضية لبنان وفلسطين، فقد مرت مرور الكرام على العراق، وكان نصيبه أن حثَّت الدول الإسلامية على فتح سفاراتها فيه.

إذن المؤتمر لم يثر الخلافاتِ بين الدول، فالكل أخذ منه مساندة قانونية وإعلامية وحتى تضامناً، أما أن المشروع سيجدِّد المنظمة الإسلامية ويمنحها فعالية، فقد أتت تلك الفعالية محدودة من خلال إدارة العديد من القضايا الإقليمية والدولية، التي لم تكن موجودة بقوة منذ وضع ميثاق المنظمة عام 1972 مثل مكافحة الإرهاب بجميع مظاهره، ومكافحة الجريمة المنظمة والاتجار في المخدرات وتبييض الأموال والاتجار بالبشر، أي أن تناول هذه القضايا خطوةٌ بسيطةٌ في ظل دور جديد وفعالية المنظمة التي لا تملك من قوة سوى مصداقية أعضائها.

وكان هناك اهتمام بالتقنية الحديثة والدعوة إلى الارتقاء بالعلوم والتكنولوجيا دون أن تكون هناك خطط للتعاون في مجال العلوم والتكنولوجيا بين الدول الإسلامية، وهذا أمر واقعي جداً. وفي هذا السياق، أكدت المنظمة حق الدول في الاستخدام السلمي للطاقة النووية، ودعت إسرائيل إلى الانضمام إلى معاهدة حظر الانتشار النووي.

والرسالة الواضحة للمؤتمر جاءت على لسان وزير الخارجية السعودية الذي عبَّر بشكل شمولي عن القضايا حيث دعا سوريا إلى التوصل إلى حل الأزمة الرئاسية اللبنانية، كما تناول التطرف الإسلامي، والتطرف في بعض الأوساط الغربية، وأتى على أحداث فلسطين وعملية السلام وقضية القدس ومرَّ على العراق وأمن الخليج، وفي هذه المسألة كان حضور الكلمات قوياً نظرا لحساسية المنطقة، حيث أشار إلى ضرورة تعزيز الثقة بين إيران وجيرانها، وهو ما قد يساعد في استجابة إيران لمساعي دولة الإمارات لحل قضية الجزر المحتلة عبر المفاوضات أو محكمة العدل الدولية. والجدير بالملاحظة ما ورد في كلمة الوزير عن أسعار النفط التي أكد بشأنها أن السياسة السعودية حريصة دوماً على تبني سياسات نفطية، تُحافظ على توازن السوق. لقد كان الحضور السعودي بوزير الخارجية كبيراً بما طرح من أفكار، وزاده قوةً إعلانُ الرياض مساهمَتَها بمليار دولار في صندوق مكافحة الفقر في العالم الإسلامي، وهذا بهدف تعزيز دورها وفعاليتها في المنظمة بما ينعكس إيجاباً مكانتها الإقليمية والدولية، لا سيما بعد زيارة ولي العهد السعودي لقطر وتجاوز الخلافات بين البلدين الشقيقين.

المؤتمر الإسلامي منظمة مهمةٌ رغم أنها لا تملك آلية لإدارة الصراعات والخلافات الإسلامية وحلِّها، فجميع الدول تأخذ منها ما تريد ، ومع ذلك فإن المنظمة تُعدُّ محفلاً لِعَرض القضايا والتحديات التي تواجه العالم الإسلامي. أليس من دلائل الأهمية حضور مبعوث أميركي لأول مرة لتعزيز التفاهم المتبادل بين واشنطن والعالم الإسلامي؟ كما أن حضور وزير التنمية البريطاني، وبيان وزارة الخارجية البريطانية، الذي تضمن تشجيع الدول الإسلامية الغنية على العمل مع بريطانيا لتحقيق أهداف مشتركة في خفض الفقر وتعزيز النمو الاقتصادي للدول الأكثر فقراً في العالم دليل على أهمية القمة. نعم إذا أراد العالم الإسلامي تحقيق ذلك، فعليه أن يوجه وجهه إلى الغرب وإلى آسيا الآخذة في التطور والتقدم لمكافحة الفقر والارتقاء بالإنسان.

وكل ذلك بحسب المصدر المذكور نصا ودون تعليق.

المصدر:alittihad-18-3-2008