![]() |
||
![]() |
ثقافة اللاعنف في التعامل مع الآخر
شمخي جبر
ملتقى بيت الحكمة الأول بشأن مشروع نتيجة لتصاعد عمليات العنف الذي يستهدف الجميع من دون اسثناء، فقد عملت الكثير من المؤسسات الثقافية والفكرية ومراكز البحوث ،على دراسة هذه الظاهرة واسبابها السياسية والاقتصادية والاجتماعية ويقع اهتمام بيت الحكمة والملتقى الذي اقامه ضمن هذا الأطار.ويهدف المشروع الى اعادة تأهيل المجتمع العراقي وتزكية الشخصية العراقية بشكل خاص من نزعات( العنف) وافشاء ثقافة الحوار والتسامح وقبول الاختلاف ومصالحة الذات والاخروجاء في الورقة التي تتضمن،تصورات بيت الحكمة المبدئية حول المشروع: ان وجود المجتمع الانساني يصاحبه بالضرورة، التزاحم والتعارض والاختلاف بين افراده بسسب حب الذات، لذا كان من لطف الله ان ارسل انبياءه ، وانزل معهم الكتاب والمنهج والنظام، ليقوموا بالقسط فيرفعوا الاختلاف والتنازع والصراع، لينعموا بالامن والامان من جميع الوجوه. ونحن اليوم كمجتمع انساني، لانختلف عن تلك المجتمعات التي مرت في عصور التاريخ الماضية، وان كنا نعيش في بيئة علمية حضارية متطورة، ولكن الانسان هو الانسان،ولايزال حب الذات العامل الرئيسي في كل صراع واختلاف،ما حدا بالانسان ان يعتمد اساليب وادوات في التعامل مع اخيه الانسان،قوامها العنف بمصاديقه من القتل والضرب والتعذيب والنفي والحرق والاغتصاب والاسترقاق والاستعباد والاذلال والسخرية والاستهزاء والتشويه واشاعة الفساد والفتنة،فكان الظلم والخوف والجوع والحرمان وتدمير الآخر. وبشأن مفهوم الآخر جاء في الورقة: الآخر هو اي كان،هو المسلم او غيره،هو المذهب الفلاني او غيره، هو العربي او غيره ، هو الابيض او غيره، او هو الانسان كل انسان،بل قد يمتد المعنى ليشمل الحيوان والنبات والجماد ربما. ومفهوم اللاعنف كما جاء في ورقة بيت الحكمة:هو وعي اجتماعي وثقافي وممارسة حضارية قوامها اساليب انسانية تعتمد الاعتراف بالاخر والتنازل له عن بعض مانعتقده حقا لنا عليه،وصولا الى حل النزاعات وتسوية المشاكل،وتجاوز اسباب الخصومة واعتماد القانون والقضاء والحكم العدل، بما يحقق طموحات الاطراف المتخاصمة، ويحفظ الحقوق والمصالح، كخيار لتجاوز الازمات. ماهي ثقافة اللاعنف؟ ● ان التصورات والمفاهيم تنبعث من الافكار والعقائد والمبادئ ، ثم تتحول الى سلوك وتعامل يومي مع ما حولنا، وان توجيه الناس باتجاه اللاعنف يبدأ من الذات الانسانية اولا، وفي الحياة الاجتماعية اذ تتحرك مفردات ومبادئ وافكار ومفاهيم تحض على حقوق الانسان بكل مفرداتها، وعلى الحرية والديمقراطية والتعايش السلمي بين الشعوب ، وحق الانسان في تقرير مصيره، وهي بمجموعها ثروة اجتماعية ترفد ثقافة اللاعنف، كما ان الاديان الرئيسة بما انزل الله فيها، وماقد ورثنا من خزين ثقافي، وماتفتق عنه ابداع الفكر الانساني من نتاج الكتاب والمفكرين والفلاسفة، كذلك التشريعات الوضعية بجوهرها،فيها الكثير مما يرفد ثقافة اللاعنف ويغنيها، ولعل من بين المهام الصعبة التي امامنا ،ونحن ننطلق في مشروعنا الوطني هذا،هي عملية تحويل هذه الثروة الثقافية، الى غذاء يومي يسهل تفعيله،سلوكا وتعاملا بين الناس. أهداف المشروع اهداف المشروع كما جاء في الورقة: ● اعادة بناء شخصية الانسان العراقي ـ لاسيما والمجتمع البشري عامة على اسس تعترف بالاخر وتستمع اليه وتتعامل معه بالحوار الحضاري والرفق واللين. ● نبذ العنف ومصطلحاته والسلاح وتدمير الآخر من قاموس التعامل اليومي. ● صنع مجتمع آمن متالف. ● صنع مجتمع الثقة بنشر حسن الظن بين الناس. ● نشر السلام والمحبة والاصلاح بين الناس . آليات العمل وبشأن آلية العمل جاء في الورقة: تفرز لجان علمية لدراسة هذه الثروة(الثقافة والتراث والدين) دراسة مستوعبة، واخراج مايتعلق بثقافة اللاعنف منها ، ثم تصنف هذه المعلومات كل في حقله ومجاله، ويعهد الى اصحاب الاختصاص صياغة ثقافة اللاعنف، كل في اختصاصه ( التفسير والحديث والتاريخ والادب والقصةوكل الفنون) واعداد كراسات تتحدث عن ثقافة اللاعنف، واختيار المباديء والافكار والقصص والاساطير، وتزكيتها مما علق بها وشوهها، كمبادئ الحرية والمساواة والجهاد، وسنسعى لاختيار كتاب وعلماء لتخطيط البرامج والاشراف على المواد المناسبة، لكل وسائل الاعلام المرئية منها والمسموعة والمقروءة، وسنسعى ماوسعناذلك،وبالتعاون مع الجهات الرسمية ذات العلاقة،لاختيار المتخصصين في مناهج التعليم وكتب الدراسة، لتغييرمايتطلب التغيير منها،وتطهيرها من كل مايمت بصلة للعنف، او يوحي به او يحرض عليه او يزينه في عيون النشء. الوسائل والأدوات تسعى الورقة الى تحشيد الكفاءات والوسائل،مايلزم هذا المشروع الانساني الحضاري الستراتيجي: ● وسائل الاعلام( القنوات التلفزيونية،الصحافة،الاذاعة،السينما، المسرح ). ● الفنون ( الرسم ،النحت، النشيد،الموسيقى ،الدراما ). ● المراكز والمؤسسات الدينية ودور العبادة(لكل الاديان) ودونما استثناء ،واشراك الخطباء والوعاض،ومن يهمهم الامر. ● الجامعات والمدارس بكل مراحلها(الاساتذة،مراكز البحوث،الدراسات العليا،المدرسون ،المشرفون التربويون). ● المثقفون بكل طبقاتهم وفي المؤسسات الثقافية كافة. ● منظمات المجتمع المدني والمؤسسات الخاصة بالمرأة والطفل،وجمعيات حقوق الانسان. ● تنظيم مسابقات وتخصيص جوائز في الثقافة والاداب والفنون. ● تنظيم معارض للفنون التشكيلية وللكتب والملصقات الجدارية . ● تاسيس يوم للسلام والمحبة،وتفعيل المشروع بالمؤتمرات والندوات والحلقات النقاشية. هذا وقد حظيت الورقة التي قدمت في ملتقى بيت الحكمة الاول بشأن مشروع (ثقافة اللاعنف في التعامل مع الاخر) باهتمام نخبة من الاساتذة الباحثين،والاكاديميين،والناشطين في مجال المجتمع المدني،والاعلاميين،وقدمت الكثير من الاوراق ،والتعقيبات بشان مشروع بيت الحكمة هذا. الإيمان بعيدا عن التعصب والتشدد وكانت الورقة الاولى ( للدكتور عبد الهادي مشتاق رئيس الجمعية الوطنية العراقية لحقوق الانسان) الذي اكد فيها على: احترام السلام ورفض العنف، والحاجة لمشروع ثقافي واخلاقي عراقي يؤسس لثقافة اللاعنف، يتاكد من خلاله المطالبة بالسلم الاجتماعي، من اجل ان تتحول هذه الثقافة الى ثقافة جماهيرية تحترم السلام،واكد مشتاق: لابد من اقامة تحالف سياسي ديني غير طائفي يدعم السلم الاجتماعي ويرفض العنف من اية جهة كان وتحت اي تبرير، واضاف ان البلد بحاجة الى مشروع يعيد الاهمية للعفة والنزاهة واحترام القانون، واحترام حقوق الاخرين والتسامح والعفو والتعاون والمحبة ونبذ الانانية والطمع والقسوة في التعامل مع الاخرين، واضاف مشتاق اننا بامس الحاجة للخطاب الديني والطائفي المتسامح والمعتدل وهذا مايجب ان تعمل عليه المرجعيات الدينية باشراك العشائر والمنظمات الشعبية، ويعد هذا من مسؤولية الجميع،فالمطلوب نشر الايمان في اجواء من التآخي والمحبة ورفض اساليب التكفير والتعصب والتشدد والاحادية. واكد مشتاق على ان المعارضة السياسية السلمية من اكثر الاعمال ايجابية وصحية في بناء المجتمع وانماء روح التكامل والتقارب الفكري،وحماية العدالة وسيادة القانون ونشر مفاهيم الحرية والتفاعل والتقدم الانساني، والمعارضة الايجابية لاتنشر الفتنة والتفرقة ولاتعزز الكراهية بل معارضة بناءة،تحتم احترام المعارضين وحماية كرامتهم من دون اقصاء او حساسية. واضاف الدكتور مشتاق:المرأة العراقية بحاجة الى الدعم لتاخذ دورها،فلاتقدم ولاحرية حقيقية ولاعدل من دون تفعيل دور المرأة، لذا لابد ان نعمل من اجل حقوقها، اذ لاتنمية حقيقية ونصف المجتمع مشلول،ولابد من محاربة التمييز والعنف والنظرة الدونية اتجاه المرأة،لتعزيز المشاركة الايجابية لها في البناء والتقدم. من يعاد تأهيله وتزكيته؟ ● وكان التعقيب الثاني للدكتور خليل محمد ابراهيم (الكلية التربوية المفتوحة) الذي كانت له قراءة في ورقة بيت الحكمة فضلا عن الكثير من التساؤلات ، اذ قال: ماذا نفعل لمن لايتفاعل مع ثقافة اللاعنف ويستغلها لممارسة العنف؟ واضاف :لاينبغي علينا ان نجلد انفسنا اكثر مما يجب، انا اعترض على عبارة(اعادة تاهيل المجتمع العراقي واعادة تزكية الشخصية العراقية، لسنا جميعا نحتاج الى اعادة تاهيل، وتساءل: هل فيكم من يحمل سكينا؟ ينبغي علينا ان نحدد من يجب ان يعاد تاهيله وتزكيته، واكد :انا اعتقد ان الشخصية العراقية شخصية سوية، ويراد تغييب هذه الحقيقة، نحن واقعون تحت تاثير الاعلام الذي يصرخ ان الشخصية العراقية غير سوية، هناك خمس عشرة فضائية تدعو الى العنف، وقال ابراهيم : وجود المجتمع الانساني يصاحبه بالضرورة التزاحم والتعارض والاختلاف بين افراده بسبب حب الذات، وليس كل المجتمع يحب ذاته، بل هناك من يضحي من اجل المجتمع، اذن علينا ان نحدد اهدافا قابلة للتطبيق باليات قابلة للاستعمال، لايكفينا ان نقول كلاما عاما. واضاف:كان الناس امة واحدة،ثم اختلفوا،فمن يستطيع ان يعيد الناس الى وحدتهم الاولى،هذا كلام مستحيل،واختتم ابراهيم تعقيبه قائلا :تفعيل القانون،هو الآلية الحقيقية للحد من العنف،ولابد ان يكون القانون عادلا. النخب السياسية وتفشي العنف وتناول الدكتور نجاح العطية(باحث وكاتب ) في تعقيبه ضرورة تفعيل المشروع، مؤكدا: اعادة تاهيل المجتمع العراقي وعقلنة الشخصية العراقية والسير بها نحو البناء ونبذ الهدم والعنف واشاعة ثقافة اللاعنف للانطلاق نحو فضاءات السلم الاجتماعي، وقال العطية: تشكل هذه الندوة منطلقا اساسيا وحقيقيا للشروع ببناء مشروع يمكن ان يضغط على النخب السياسية ليوجهها نحو السلم الاجتماعي، واضاف:ينطلق العنف في المشهد السياسي والاجتماعي من خلال منظومة النخب السياسية وحركاتها وطبيعة بنيتها الايديولوجية سواء اكانت منضوية تحت خيمة العملية السياسية ام تلك التي تقع خارجها،واكد العطية على : ضمور العقل السياسي العراقي الذي يقوم بعملية البناء،فالمقطع الزمني الحالي يقتضي احترام القانون، وبديل القانون هو العنف وقطع الرؤوس والفناء،وتساءل العطية: ما السبيل لاعادة التوازن للنسيج المجتمعي العراقي الذي اصيب وابتلي بهذا التفتيت؟ وفي محاولة للاجابة يقول العطية :لابد من الاتفاق على ثوابت وطنية تؤمن بها كل الكتل السياسية،والانطلاق نحو الفضاء المجتمعي، للتأسيس من أجل الوطن، انطلاقا من تاسيس وبناء شخصية الطفل العراقي، وتفعيل دور المؤسسات التربوية والتعليمية وايجاد مراكز بحوث تسند المؤسسات التربوية،من اجل بناء ثقافة الحوار ونبذ العنف. مغادرة الخطاب الحماسي وعقب ضياء الجصاني (باحث في بيت الحكمة) قائلا:نريد الابتعاد عن اليومي والاعلامي والانشائي،مانريده من الاخوة الباحثين والمشاركين، افكار وخطط نستطيع من خلالها ان نبني راياً عاماً جديداً، ونسهم في التأسيس لوعي وعقل يؤسس لعلاقات وادوار ومفاهيم مجتمعية جديدة تخرجنا من دوامة العنف، كذلك نسعى من خلال مساهماتكم الى الكيفية التي من خلالها نعمل على ترشيد القرار الرسمي السياسي الحكومي وغير الحكومي. واضاف الجصاني من هنا ومن بيت الحكمة نقول: ماذا على التربية ان تعمل، وما دور الاعلام؟،وكيف ستكون التنشئة الاجتماعية؟.كيف نكون انساقا جديدة من السلوك وانساقا جديدة من الثقافة وانساقا جديدة من التفكير؟هذه مهمتنا،وعلينا ان نغادر الخطاب الحماسي والاعلامي. أحجار الصنم مازالت فاعلة من جانب اخرعقب الدكتور كامل المراياتي (استاذ علم الاجتماع في الجامعة المستنصرية) قائلا: المسألة المهمة التي اريد ان اؤكد عليها في اهمية هذا الموضوع او المشروع وانجازه يقع وبجانب كبير منها على عاتق منظمات المجتمع المدني، وكما نعلم انها عديدة،ولكن ماهو حاضر منها الان في ملتقانا هذا هو القليل منها، فانا ارى ان ممثلي المجتمع المدني تقع على عاتقهم مسؤولية تبني هذا المشروع، فيجب ان يكونوا حاضرين،واضاف المراياتي :من هنا اقول جميعنا مسؤولون عن هذا الاحباط الذي يعيشه مشهدنا الاجتماعي، اذ كلنا مستعدون للخطابة ولكن عند العمل لانعمل شيئاً. ان هذا المشروع ليس خطابيا بل هو مشروع عملي. واكد :كل مؤسسة حاضرة او ممثل لمنظمة او مؤسسة عليهم جميعا تقديم تصورات عن امكاناتهم الشخصية او المؤسسية في دعم هذا المشروع وانجازه، في تدعيم الخطاب،ماذا على وزارة التربية ان تعمل،ماهي مهام وزارة العمل والشؤون الاجتماعية،ماذا سيفعل الباحث الفلاني باعتباره عنصراً ايجابياً في هذا المشروع، كيف ستدعم وسائل الاعلام مشروع ثقافة اللاعنف. وبالتالي من خلال هذه التصورات او الاستعدادات سنبدا المشروع وشدد المراياتي على : ان العملية لابد ان تكون تشخيصية وعلاجية، ثقافة اللاعنف ثقافة متجذرة في الذات الانسانية شئنا ام ابينا، والمجتمع الانساني ينتظم او يتحرك بموجب آليتين: الاولى تتحكم فيها المتطلبات الحياتية او البايولوجية فيكون الصراع والتنافس وهذا المستوى لايختلف عن آليات الحياة الحيوانية او حياة الغاب، ومستوى انساني نصنعه نحن،المجتمعات الانسانية المتقدمة استطاعت ان تجد طريقا للتنسيق بين هاتين الاليتين بحيث وجدت آلية للحياة تمتزج او تجمع بين رغبة الفرد بالتصارع او رغبته بالتعايش وتم تنظيم كل ذلك من خلال القوانين، ولاننا لم نستطع ان نؤسس لهكذا مشروع،سيطرت علينا آلية الحياة البايولوجية على حساب الحياة الانسانية الثقافية. ان كل منا عليه ان يقدم مابذهنه،ماذا يستطيع، واذا بقينا سلبيين فسيبقى الصنم يحكمنا، فاذا كان قد قيل ان الصنم قد تكسر فان ثمة احجار مازالت تتحرك وتفعل الكثير، اذن مازالت بقايا الصنم ولم نستطع الخلاص منه نهائيا. و كل ذلك بحسب المصدر المذكور نصا و دون تعليق. المصدر: جريدة الصباح-25-6-2007
|
![]() |