وجهة نظر : أبعد من الصيرفة الإسلامية
عصام الجردي
“الصيرفة
الإسلامية هي البديل” . كلام يتردد بقوة في الشرق الأوسط والدول
الإسلامية مع الأزمة المالية والاقتصادية العالمية، وله أصداؤه في
الدول الصناعية والغربية، التي بدأت شعوبها الآن تتحسس وطأة الأزمة
الحقيقية، وتستطلع من بعد على الأرجح كوة من نور في نفق يستلزم عبوره
سنوات ثلاثاً حداً أدنى .في طبيعة الحال، الكلام مبالغ فيه الى حد كبير
. فصيرفة اسلامية دون تريليون دولار امريكي في اقتصاد عالمي فوق 60
تريليوناً قاصرة عن ان تكون البديل وتغيير جذري في النظام المالي
والمصرفي للاقتصاد العالمي، يحتاج من باب اولى الى تغيير أكثر جذرية في
الاقتصاد العالمي بذاته . وفي صرف النظر عن حجم الخطأ أو الصواب، لدى
أصحاب طروحات الصيرفة الاسلامية البديلة، هناك اعتبار أكثر أهمية يسقطه
المعنيون بطرح الصيرفة الإسلامية بديلاً عن الصيرفة التقليدية، يتعلق
بالبعد الفكري والثقافي والديني، لصراع الإيديولوجيات في الألفية
الثالثة، أو لصراع الحضارات، كما هو راسخ لدى فئات لا يستهان بها في
الغرب والشرق على حد سواء . ذلك أن لا معطى كالاقتصاد والاجتماع في
أساسات البنية التحتية للفكر والثقافة السياسيين لأي شكل من نظم الحكم
.
والإسلام
كدين أوغل أكثر من غيره من الديانات في الاقتصاد، والى حد التفاصيل
أحياناً . وأن تكون “الصيرفة الإسلامية هي البديل”، معناه ان النظام
الاقتصادي الإسلامي في طريقه الى النظام الاقتصادي العالمي، على وقع
الشريعة الاسلامية وأحكامها . وهذا يعني بالضرورة، بداية تبدل جوهري في
النظم السياسية، وفي ثقافات شعوب لا يشكل الإسلام منها سوى أقلية صغيرة
جدا حين انهار الاتحاد السوفييتي، والدول الاشتراكية في اوروبا
الشرقية، في العقد الأخير من الألفية الثانية، انهارت منظومة الدولة في
مفهومها الأشمل:اقتصاداً، واجتماعاً، وسياسة، وأمناً ودوراً ونخطىء إذ
نظن ان انهيار النظام الرأسمالي يبقي على الولايات المتحدة كما هي نحو
ربع الاقتصاد العالمي، والقوة الأعظم، ومنجماً للعلوم والتكنولوجيا .
تبقى
الدولة، كما بقيت روسيا ودول اوروبا الشرقية الأخرى . ويذهب الدور الى
ان تملأ الفراغ قوة أخرى وشأن الولايات المتحدة مع النظام الرأسمالي
العالمي شأن الاتحاد السوفييتي السابق مع النظام الشيوعي .انهيار
الاتحاد السوفييتي ولّد انطباعا مبالغا فيه بانهيار الشيوعية
والاشتراكية معاً رغم ان الصين يحكمها الحزب الشيوعي، وهي الدولة
الأفضل إداء اقتصاديا في العالم اليوم، بفضل النموذج الاقتصادي الخاص
الذي اعتمدته، وتمكنت معه من التكيف مع التطورات الاقتصادية العالمية .
الولايات المتحدة رائدة النظام الرأسمالي العالمي، وانهيار النظام يبقي
على الدولة بدور آخر مختلف وبنفوذ أقل بكثير . ودون ذلك سيكون ايضا دور
حليفات الولايات المتحدة الأوروبيات واليابان . ستفقد الولايات المتحدة
دورها الامبريالي، لأن “الامبريالية أعلى مراحل الرأسمالية” على مقولة
كارل ماركس الشهيرة والأهم، سيضرب المسند الفكري والإيديولوجي والثقافي
للنظام الدولي . فمن أين ستعبر الصيرفة الإسلامية البديل وسط هذه
الأبعاد والخلفيات؟ العالم الصناعي عموماً، والغربي خصوصاً، مدرك لحجم
الخيبة المدمرة لصورته إذا ما أقرَ بهزيمة النظام الرأسمالي، رغم كونه
قطع هذه المرحلة عمليا بإجراءات التأميم لكن بخطاب رأسمالي .
بيد أنه
يدرك تأكيداً، ان الترويج للمصارف وللصيرفة الإسلامية، ليس بداعي صيانة
تبادل المال وبناء النمو الاقتصادي على أساس غير ربوي وحسب، بل على
قاعدة الدعوة لنظام سياسي اقتصادي اجتماعي إسلامي متكامل، في ظروف
تنامي التيارات الإسلامية في العالم والأصولية منها خصوصاً .تماما كما
كان أيضاً من أهداف الرئيس الأمريكي السابق جورج دبليو بوش، في سياق
حملته لتجفيف مصادر تمويل الارهاب، ضرب مؤسسات الصيرفة الإسلامية كبنية
تحتية للفكر الإسلامي السلفي وقد كان يعلم بالتأكيد بعد الحادي عشر من
سبتمبر- أيلول ،2001 ان المصارف التجارية التقليدية كانت المصدر
الرئيسي لتمويل الجماعات السلفية.نعم، تتميز الصيرفة الاسلامية
ومؤسساتها المالية بكثير من الإغراءات والحوافز الآمنة، في ضوء ما
انقشع من بلايا جراء الأزمة العالمية فغياب نظام الفوائد عن عمل
المصارف الاسلامية أبقاها في منأى نسبيا عن تداعيات الأزمة .
ماكينة
استيلاد النقد بالنقد غير متاحة في الصيرفة الاسلامية .الغرم في الغنم،
ونظام الشراكة في الأرباح والخسائر بين المصارف وزبائنها، خيمة أمان
للراغبين في السترة والتقية هذه الأيام .يقيني، ليست المشاركة هي
الميزة الأهم لعمل المصارف الإسلامية ففي المصارف التقليدية، هناك غرم
في الغنم، في تجارة العملات والأسهم والمعادن والمشتقات وغيرها، إنما
بمقدار أوسع من المخاطر والميزة الأهم في الصيرفة الإسلامية تكمن في
مجالين: الأول، هو استثمار المدخرات في الاقتصاد الحقيقي والقطاعات
المجزية فرص عمل وقيمة مضافة والثاني، تراجع المخاطر الناجمة عن تقلبات
الفوائد .هل الميزات التي تحوزها الصيرفة الإسلامية، بما ذكر اختصارا،
قادرة على ان تكون البديل عن الصيرفة التقليدية؟ كلا .ليس لما سبقت
الإشارة اليه مقدما من أسباب سياسية وفكرية وثقافية فقط، وانما
للتعقيدات التي تنطوي عليها تشريعات تلك الصيرفة، ومكان معايير
المحاسبة الدولية منها، ورقابة عمل المصارف الإسلامية، وعلاقاتها
بالمؤسسات المصرفية التقليدية، وأخيراً وليس آخرا، معايير كفاية رأس
المال والعلاقة مع توصيات لجنة بازل وغيرها، في مؤسسات لا تقبل ودائع
لقاء فوائد، ولا تسلف بفوائد ايضا، الأمر الذي يختلف تماماً عن المصارف
التقليدية، التي تحدد معايير كفاية رؤوس الأموال فيها تبعاً للأصول
المثقلة بالمخاطر وقد يكون هناك حيف يلحق بالمصارف الإسلامية في هذا
المجال . الأمر مشابه في ما يتصل بالرقابة على المصارف الإسلامية . ولا
بد من مرجعية اسلامية معترف بها دوليا تعود اليها المصارف الإسلامية .
السؤال:
هل هناك وجهة نظر فقهية واحدة من الصيرفة الإسلامية لتأسيس المرجعية؟
ومن قال ان المصارف التقليدية، ومن بينها الكبرى في العالم، المجهزة
تكنولوجيا وموارد بشرية عالية المستوى، والتي فتحت نوافذ صيرفة اسلامية
الى جانب الصيرفة التقليدية، عاجزة عن النجاح في أعمالها، من دون
الترويج للفكر الاسلامي، والأصولي منه على نحو أخص؟ ثم، إذا نجت
المصارف الإسلامية من الأزمة، وهذا ما ليس واضحاً بشفافية بعد، فهل
تنجو من الأزمة الاقتصادية العالمية؟
* صحافي وكاتب لبناني
وكل ذلك بحسب رأي الكاتب نصاً ودون
تعليق.
المصدر: alkhaleej.ae
|