"لي ميونج"... وقصة الصعود للبيت
الأزرق
د. عبدالله المدني
أخذتنا أحداث باكستان المأساوية وتداعيات الانتخابات التايلاندية
المثيرة وغيرها من الأحداث على الساحة الآسيوية بعيداً عن حدث لا يقل
أهمية وإثارة، وهو انتخاب رئيس جديد لكوريا الجنوبية أو الاقتصاد
الحادي عشر على مستوى العالم، خلفاً للرئيس "رو مو هيون"، الذي انتهت
ولايته في منتصف ديسمبر الماضي بعد خمسة أعوام قضاها في البيت الأزرق
الرئاسي، وتميزت بالكثير من الجدل والصخب على خلفية ما أثير أولاً حول
روابطه "اليسارية" القديمة، وبالتالي تماهي مواقفه مع سياسات النظام
الشيوعي القائم في كوريا الشمالية أو على الأقل تساهله إزاء الأخير، ثم
ما أثير حول ذمته المالية وفساده، وهو ما دفع المعارضة دون نجاح إلى
طلب استجوابه برلمانياً في حادثة غير مسبوقة في تاريخ كوريا الجنوبية،
بل في خطوة جريئة تحسب لعملية الإصلاح السياسي التي رعاها الكوريون
الجنوبيون بدماء أبنائهم من طلبة جامعة كوانغجو في عام 1980، والذين
بفضل جسارتهم وتصديهم للديكتاتورية العسكرية حصلوا على دستور ديمقراطي
جديد، يقلص فترة حكم رئيس البلاد إلى ولاية واحدة ويخضعه لمحاسبة
البرلمان.
الحال، أنه اليوم في سيئول رئيس جديد هو السياسي ورجل الأعمال المحافظ
"لي ميونج باك"(66 عاماً) الذي فاز بنسبة أصوات بلغت نحو 48 بالمئة من
إجمالي أصوات المقترعين كمرشح للحزب "الوطني الكبير"، أو نحو ما يساوي
مجموع ما حصل عليه كل منافسيه العشرة الآخرين، والذي سوف يضاف اسمه إلى
قائمة الزعماء العصاميين في التاريخ الآسيوي، ممن شقوا طريقهم إلى قمة
السلطة بالإرادة والتصميم، انطلاقاً من واقع بائس ومرير. فطبقاً لسيرة
الرجل الذاتية وما كتبه بنفسه في كتاب حمل عنوان "أمي" عمل "لي باك"
المولود في أوساكا باليابان في عام 1946 كراع للأغنام قبل أن يعود مع
أسرته إلى كوريا الجنوبية بعيد الحرب العالمية الثانية، وفي بلده امتهن
أعمالاً كثيرة من أجل أن يساعد والدته الفقيرة على مواجهة متطلبات
الحياة ورعاية 6 من الأشقاء والشقيقات، فعمل بائعاً للآيس كريم
والفطائر والملابس والفواكه وعلب الكبريت. لكنه أثناء ذلك كان ملتحقاً
بمدرسة "دونغجي" التجارية المسائية التي تخرج منها بشهادة أهلته للسفر
إلى سيئول من أجل الالتحاق بجامعة كوريا ونيل ليسانس إدارة الأعمال
منها سيُضاف اسم "ميونج" إلى قائمة الزعماء
العصاميين في التاريخ الآسيوي، ممن شقوا طريقهم إلى قمة السلطة
بالإرادة والتصميم، انطلاقاً من واقع بائس ومرير
أما وسيلته للتغلب على متطلبات ونفقات التعليم الجامعي في
العاصمة، فكانت العمل كجامع للقمامة في النهار والانتظام في الصفوف
الجامعية المسائية، وفي الجامعة المذكورة، لمع نجمه كرئيس لاتحاد مجلس
الطلبة. أما عام 1965، فقد كان العام الذي استطاع فيه أن يضع قدميه على
أولى عتبات المجد والتألق، وذلك بانضمامه إلى شركة "هونداي" الهندسية
العملاقة التي صعد فيها في العام 1977 إلى منصب الرئيس التنفيذي
الأعلى، وكانت الشركة وقتذاك لديها فقط 90 موظفاً، لكنها كانت مقبلة
على توسعات كبيرة بفضل حصولها على عقود إنشائية ضخمة في الخليج والشرق
الأوسط. وهكذا فعندما ترك "لي باك" الشركة بعد 27 عاماً من العمل، كان
لدى الأخيرة نحو 160 ألف موظف وعامل، وكان اللقب الذي يصاحبه هو
"البلدوزر" كناية عن قيادته لشركة "هونداي" ببراعة وقبوله مختلف
التحديات.
لم
يكتف الرجل بما حققه، فمضى بذكائه وحدسه يوظف ما جمعه من عرقه وكده في
المضاربات العقارية في السبعينات والتسعينات، وهي ما جعلته سريعاً في
عداد الأثرياء والمشاهير بثروة تجاوزت 40 مليون دولار أميركي، على أن
شهرته الفعلية جاءت من العلاقات التي بناها أثناء إدارته لشركة
"هونداي" مع عدد من الزعامات الدولية والإقليمية من أمثال الزعيم
السنغافوري "لي. كوان. يو"، والزعيم الماليزي مهاتير محمد، والزعيم
الصيني "جيانج زيمين"، والزعيم السوفييتي "ميخائيل جورباتشوف"، ثم من
الإنجازات التي حققها لمواطنيه أثناء توليه منصب عمدة سيئول ما بين
عامي 2002 و2006. تلك الإنجازات التي ساهمت في تخفيف فقر مواطني
الضواحي المحيطة بالعاصمة وفي إيجاد حلول جيدة وعملية للاختناقات
المرورية مع المحافظة على البيئة.
|