من تاريخ الدفن في البقيع

 

 

كان أهل المدينة المنورة على ساكنها السلام يدفنون موتاهم منذ زمان النبي (ص) في البقيع وأحياناً كان الرسول (ص) يعلم على قبر المدفون بعلامة. وما أن تم دفن أئمة الهدى (عليهم السلام) فيها حتى بنيت على قبورهم القباب كما كان البناء على قبور الأولياء معتاداً منذ ذلك الزمان في مكة والمدينة وغيرها من البلدان الإسلامية.

قبور أئمَّة البقيع الأربعة إضافة إلى قبر العبَّاس عمّ رسول الله (ص)

قال ابن سيده: وبقيع الغرقد مقابر بالمدينة وربما قيل له الغرقد، قال زهير:

لمن الديار غشيتها بالغرقد

كالوحي في حجر المسيل المخلد

وقيل: كان البقيع مقبرة قبل الإسلام، وورد ذكره في مرثية عمرو بن النعمان البياضي لقومه:

أين الذين عهدتهم فـي غبـطـة

بين العقيق إلى بقيع الغرقد

إلا أنه بعد الإسلام خُصِّص لدفن موتى المسلمين فقط، وكان اليهود يدفنون موتاهم في مكان آخر يعرف بـ (حش كوكب) وهو بستان يقع جنوب شرقي البقيع.

أول من دفن في البقيع:

في بعض المصادر التاريخية: إن البقيع كان بستانا يحوي أشجارا من العوسج، وأول من دفن فيه من المسلمين هو أسعد بن زرارة الأنصاري وكان من الأنصار.

ثم دفن بعده الصحابي الجليل عثمان بن مظعون، وهو أول من دفن فيه من المسلمين المهاجرين، وقد شارك رسول الله (ص) بنفسه في دفنه.

ثم دفن إلى جانبه إبراهيم بن الرسول (ص) ولذلك رغب المسلمون فيها وقطعوا الأشجار ليستخدموا المكان للدفن.

جاء في كتاب البقيع الغرقد: ابتدئ الدفن في جنة البقيع منذ زمان النبي الأعظم (ص)، وأحياناً كان الرسول (ص) بنفسه يعلّم على قبر المدفون بعلامة.

ثم بنيت قباب وأضرحة على جملة من القبور من قبل المؤمنين وبأمر من العلماء. كما كان البناء على قبور الأولياء معتاداً منذ ذلك الزمان، فكانت عشرات منها في المدينة المنورة ومكة المكرمة وحولهما. وقد تلقى جميع المسلمين بكل حفاوة وترحاب هذه الظاهرة الشرعية لا في المدينتين وأطرافها فحسب، بل في سائر بلاد الإسلام كالهند بما فيها الباكستان وبنغلادش، وكذا العراق وإيران ومصر وسوريا وإندونيسيا وغيرها.

إلى أن هدم الوهابيون أكثرها في الحجاز منذ مأتي سنة، ثم استرجعها سائر المسلمين، وبعد زهاء ثمانين سنة استولى الوهابيون على البلدين المقدسين مرة ثانية وهدموا القباب وأحرقوا المكتبات! وكانت فيها كتب ثمينة جداً .. ولو كان دأب الوهابيين أو كان إيحاء من الخارج إليهم بهدم المساجد لهدموها أيضاً.

كما أنهم أرادوا هدم قبة الرسول الأكرم (ص) لكن تظاهر المسلمون في الهند ومصر ولعل غيرهما أيضاً، أوقفهم عن ذلك في قصة معروفة، وهم يحنّون إلى ذلك إلى الآن، حتى أن عالمهم (بن باز) لا يزور مسجد الرسول (ص) قائلاً: ما دام هذا الصنم أي قبة الرسول (ص) هناك لا أزوره، لكن الزمان مرّ عليه ولا يأبه بكلامه أحد.

بقيع العمّات والزقاق الفاصل:

عند باب البقيع الغربي الشمالي، على بعد 15 متراً تقريباً من باب البقيع يوجد قبرا صفية وعاتكة عمّتي النبي صلّى الله عليه وآله وسلم، وكان يسمى هذا البقيع بـ (بقيع العمات) وكان مفصولاً عن بقيع الغرقد الكبير ثم أُلحق به في العهد السعودي، ومساحة بقيع العمات 3493 متراً. وكان يوجد زقاق بين البقيع الكبير وبقيع العمات يتجه شرقاً ومساحة هذا الزقاق 824 متراً، وفي سنة 1373 هـ ضمت البلدية هذا الزقاق إلى بقيع الغرقد الكبير بإزالة الجدار الفاصل، كما ضمت مثلث من الأرض الذي يقع في شمال البقيع.

قبور عمَّات رسول الله (ص)

وصف محمد بن أحمد بن جبير (580هـ):

وبقيع الغرقد شرقي المدينة، تخرج إليه على باب يعرف بباب البقيع، وأول ما تلقى عن يسارك عند خروجك، من الباب المذكور، مشهد صفية عمة النبي (ص)، أم الزبير بن العوام، وأمام هذه التربة قبر مالك بن أنس الإمام المدني، وعليه قبة صغيرة مختصرة البناء.

وأمامه قبر السلالة الطاهرة إبراهيم ابن النبي (ص)، وعليه قبة بيضاء، وعلى اليمين منها تربة ابنٍ لعمر بن الخطاب، اسمه عبد الرحمن الأوسط، وهو المعروف بأبي شحمة، وهو الذي جلده أبوه الحدّ، فمرض ومات، وبازائه قبر عقيل بن أبي طالب، وعبد الله بن جعفر، وبازائهم روضة فيها أزواج النبي (ص)، وبازائها روضة صغيرة فيها ثلاثة من أولاد النبي (ص)، ويليها روضة العباس بن عبد المطلب والحسن بن علي (عليه السلام) وهي قبة مرتفعة في الهواء على مقربة من باب البقيع المذكور وعن يمين الخارج منه، ورأس الحسن إلى رجلي العباس، وقبراهما مرتفعان عن الأرض متسعان مُغَشّيان بألواح ملصقة أبدع إلصاق، مرصعة بصفائح الصفر، ومكوكبة بمساميره على أبدع صفة، وأجمل منظر. وعلى هذا الشكل قبر إبراهيم ابن النبي (ص). ويلي هذه القبة العباسية بيت ينسب لفاطمة بنت الرسول (ص)، ويعرف ببيت الحزن، يقال: إنه الذي أوت إليه والتزمت فيه الحزن على موت أبيها المصطفى (ص).

وصف محمد بن أحمد المطري (ت741هـ):

... ومع الحسن (ع) ابن أخيه علي بن الحسين زين العابدين وابنه الباقر وابنه جعفر بن محمد الصادق (عليهم السلام) وعليهم قبة عالية البناء، بناها الخليفة الناصر أبو العباس أحمد بن المستضيء ثم قبر عقيل بن أبي طالب ومعه في القبر ابن أخيه عبد الله بن جعفر بن أبي طالب، وعليهم قبة، والمنقول أنّ قبر عقيل في داره.

ثم قبر إبراهيم بن سيدنا رسول الله (ص) وعليه قبة فيها شبّاك من جهة القبلة، وهو مدفون عند جنب عثمان بن مظعون ، كما ورد في الصحيح أن رسول الله (ص) حين مات إبراهيم عليه السلام أنهم قالوا: أين نحفر له؟ قال: عند فرطنا عثمان وفي قبة عقيل حظير مبني بالحجارة يقال فيه قبور أزواج رسول الله (ص) فيسلم عليهن هناك.

ثم قبر أم الزبير صفية بنت عبد المطلب رضي الله عنها على يسار الخارج من باب المدينة، ويقال أنّها دُفنت عند موضع الوضوء، عند دار المغيرة ابن شعبة، وعليها بناء من حجارة أرادوا أن يعقدوا عليه قبة صغيرة فلم يتفق ذلك لقربها من السور والباب.

ثم قبر إسماعيل بن جعفر الصادق في مشهد كبير مبيض غربي قبة العباس هو ركن سور المدينة من جهة القبلة والشرقي وبابه من داخل المدينة، بناه بعض ملوك مصر العبديين، ويقال إنّ هذه العَرَصَة التي فيها هذا المشهد وما حولها من جهة الشمال إلى الباب هي كانت دار زين العابدين علي بن الحسين (عليهما السلام)، وبين باب الأول وباب المشهد بئر منسوبة إلى زين العابدين، وكذلك بجانب المشهد الغربي مسجد صغير مهجور يقال إنه أيضاً مسجد زين العابدين...

وصف عبد الله بن أبي بكر العياشي (1072 هـ):

فأول ما يلقاك من المشاهد إذا خرجت على باب المدينة المسمى بباب البقيع قبة فيها صفية بنت عبد المطلب على يسارك وأنت ذاهب في الزقاق الذي في وسط البقيع إلى ناحية المشرق. وإن ملت إلى اليمين مع سور المدينة فهناك مسجد صغير قيل إنّ فيه موقف النبي (ص) حين خرج ليستغفر لأهل البقيع، وقيل هو زاوية دار عقيل بن أبي طالب التي دفن فيها. وفيها كثير من أهل البيت (عليهم السلام).

روى خالد بن عرفجة قال: كنت أدعو ليلة إلى زاوية دار عقيل، فمرّ بن جعفر بن محمد فقال: أعن أثر وقفت هنا؟ قلت: لا. قال: هذا موقف نبي الله ص بالليل إذا خرج يستغفر لأهل البقيع. قال المراغي: وقد أخبرني غير واحد أنّ الدعاء هناك مستجاب.

فإذا مررت كذاك تحت سور المدينة يميناً إلى أن توازي قريباً من زاوية سور المدينة الذي فيه مشهد السيد إسماعيل فهناك على يسارك القبة الكبيرة الماثلة في الهواء، وفيها مشهد العباس ومشهد الحسن بن علي ومشهد أمه على المشهور، ومشهد زين العابدين ومحمد الباقر وجعفر الصادق وكثير من أهل البيت (عليهم السلام). وبين هذا المشهد وزاوية دار عقيل مشاهد متعددة إلى جهة المشرق:

*مشهد أمهات المؤمنين يروى أنّ فيه أمهات المؤمنين كلّهن ما عدا خديجة وميمونة، وهو في قبلة المشهد المنسوب لعقيل.

*المشهد المنسوب لعقيل، وفيه قبر ابن عمه أبي سفيان بن الحارث. روي أنّ عقيل بن أبي طالب رأى أبا سفيان بن الحارث يجول بين المقابر فقال: يا بن عمي مالي أراك هنا؟ قال: أطلب موضع قبري. فأدخله داره، فأمر بقبر فحفر في قاعتها، فقعد عليه أبو سفيان ساعة ثم انصرف، فلم يلبث إلا يومين حتى توفي ودفن فيه.

قبور آل عقيل (عليهم السلام)

*مشهد يقال إنّ فيه بنات النبي (ص) ما عدا فاطمة (عليها السلام)، وهو قرب مشهد عقيل. ولا شك أنّ من مات من أهل بيت النبي (ص) في حياته كان يدفنه قرب عثمان بن مظعون؛ لما ورد في الأحاديث الصحيحة أنّ النبي (ص) لما مات عثمان بن مظعون وضع عند رأسه حَجَراً وقال: "أعلم به قبر أخي، وأدفن إليه من مات من أهلي" وهذا المشهد قريب من ذلك.

قبور بنات رسول الله (ص)

*مشهد سيدنا إبراهيم ابن النبي عليه السلام فيه قبره وقبر عثمان بن مظعون. فقد جاء في الحديث أنّ أول من دفنه رسول الله (ص) بالبقيع عثمان بن مظعون، فلمّا توفي إبراهيم قالوا: يا رسول الله أين نحفر له؟ قال : «عند فرطنا عثمان بن مظعون». وفي الحديث ما يدل على أنّ بنات النبي (ص) هناك. فقد روى الطبراني عن ابن عباس: لمّا ماتت رقية بنت رسول الله (ص) قال: «ألحقي بسلفنا عثمان بن مظعون» والثابت في الصحيح أنّ النبي (ص) لم يحضر موت ابنته رقية لغيبته في بدر، وأنه حضر موت ابنتيه أم كلثوم وزينب.

قبر إبراهيم ابن رسول الله (ص)

قال السمهودي: وأصل المروي في الطبراني وارد في أحدهما. ثم قال: والظاهر أنهن جميعاً عند عثمان بن مظعون لقوله عليه السلام لما وضع الحجر عند رأس عثمان: «أعلم بن قبر أخي، وأدفن إليه من مات من أهلي». رواه ابن ماجة والحاكم.

وفي ذلك المشهد أيضاً قبر فاطمة بنت أسد أم علي (عليه السلام) كما حققه السيد. ومنها مشهد يُنسب لحليمة السعدية مرضعة النبي (ص) عليه قبة لطيفة ومن المشاهد القريبة من البقيع إلا أنّها ليست فيه، مشهد سيدنا إسماعيل بن جعفر الصادق... وهو كبير يقابل مشهد العباس في المغرب، وهو ركن سور المدينة هناك، وبني قبل السور فصار بابه من داخل المدينة، والمسجد الذي بجانب المشهد لزين العابدين، وعرصة المشهد داره، والبئر التي بين الباب الأول والمشهد بئره...

قبر فاطمة بنت أسد أمّ الإمام علي (ع)

قبر حليمة السَّعديَّة مرضعة الرسول (ص)

ومنها مشهد على يسارك وأنت مارّ في زقاق البقيع يقال أنه لأبي سعيد الخدري.

وصف محمد بن يحيى الولاتي:

"مشينا ذات اليمين فدخلنا قبة آل النبي (ص) فسلّمنا عليهم، وزرنا فيها عمّه أبا الفضل العباس، وسبطه الحسن، وبنته فاطمة(10)، وزين العابدين بن الحسين، وابنه محمد الباقر، وابنه جعفر الصادق (عليهم السلام)، وتوسلنا إلى النبي (ص) بجاههم وبه إلى الله تعالى، ودعونا كما تقدم.

ثم خرجنا منها فزرنا قبة بنات النبي (ص) رقية وزينب وأم كلثوم، ووقفنا على باب القبة، وسلّمنا عليهنّ (رض) وتوسلنا بهنّ إلى أبيهنّ نبي الله (ص) وبه إلى الله عزّ وجلّ في قضاء مآربنا كلّها ودعونا كما تقدم.

ثم زرنا قبة أزواج النبي (ص) وقفنا ببابها وسلّمنا عليهنّ كلّهن، وهنّ: عائشة، وحفصة، وأم سلمة، وزينب بنت خزيمة، وزينب بنت جحش، ورملة بنت أبي سفيان، وسودة بنت زمعة، وصفية بنت حيي، وتوسّلنا بهنّ كما تقدم.

قبور زوجات رسول الله (ص)

ثم دخلنا قبة سيدنا إبراهيم ابن نبينا (عليه الصلاة والسلام)، فسلّمنا عليه وعلى الصحابة الذين معه في القبة: عثمان بن مظعون، وعبد الله بن مسعود، وخنيس بن حذافة، وأسعد بن زرارة وتوسّلنا بالجميع كما تقدم.

ثم دخلنا قبة عقيل بن أبي طالب وعبد الله بن جعفر فسلّمنا عليهما وعلى من معهما في القبة من الصحابة كأبي سفيان بن الحارث بن عبد المطلب، وعبد الرحمن بن عوف، وسعد بن أبي وقاص وتوسّلنا بهم ودعونا كما تقدم...ثم مشينا إلى قبة حليمة مرضعة رسول الله (ص) فوقفنا بباب القبة وسلّمنا عليها وتوسّلنا بها ودعونا كما تقدم.

ثم زرنا قبة أبي سعيد الخدري وفاطمة بنت أسد أم علي بن أبي طالب وقبتاهما خارج البقيع من وراء جداره الشرقي...ثم رجعنا، فلمّا وصلنا باب البقيع الغربي ملنا ذات اليمين إلى قبة صفية بنت عبد المطلب عمة رسول الله (ص) فسلّمنا عليها وزرناها، وقبتها عن يمين الخارج من باب البقيع الغربي وعلى يسار الداخل ودخلنا مسجد أبي بن كعب الذي صلّى فيه رسول الله (ص) وهو بين بابي البقيع الغربيين.

ثم رجعنا إلى قبة عقيل فوقفنا على الحجر المنصوب في الحضيرة التي عن يمين القبة الذي يقف عليه رسول الله (ص) ليلاً يزور منه أهل البقيع ويستغفر لهم، والدعاء عنده مستجاب. ولمّا خرجنا من باب البقيع الغربي زرنا قبر سيدنا إسماعيل بن جعفر الصادق، وسلمنا عليه.

و كل ذلك بحسب المصدر المذكور نصا و دون تعليق.

المصدر: alhodacenter