هدم قبور أئمة البقيع ( عليهم السلام )
محمد أمين نجف
البقيع :
بقعة
شريفة طاهرة في المدينة المنوّرة ، قرب المسجد النبوي الشريف ، ومرقد
الرسول الأعظم ( صلى الله عليه وآله ) ، فيها مراقد الأئمّة الأربعة
المعصومين من أهل بيت النبوّة والرسالة ( عليهم السلام ) ، وهم :
الإمام الحسن المجتبى ، والإمام علي زين العابدين ، والإمام محمّد
الباقر ، والإمام جعفر الصادق ( عليهم السلام ) .
جريمة آل سعود :
بعدما استولى آل سعود على مكّة المكرّمة ، والمدينة المنوّرة وضواحيهما
، عام 1344 هـ ، بدؤوا يفكّرون بوسيلة ودليل لهدم المراقد المقدّسة في
البقيع ، ومحو آثار أهل البيت (عليهم السلام ) والصحابة .
وخوفاً من غضب المسلمين في الحجاز ، وفي عامّة البلاد الإسلامية ،
وتبريراً لعملهم الإجرامي المُضمر في بواطنهم الفاسدة ، استفتوا علماء
المدينة المنوّرة حول حرمة البناء على القبور .
فكتبوا استفتاءً ذهب به قاضي قضاة الوهّابيين سليمان بن بليهد مستفتياً
علماء المدينة ، فاجتمع مع العلماء أوّلاً وتباحث معهم ، وتحت التهديد
والترهيب وقّع العلماء على جواب نُوّه عنه في الاستفتاء بحرمة البناء
على القبور ، تأييداً لرأي الجماعة التي كتبت الاستفتاء .
واستناداً لهذا الجواب اعتبرت الحكومة السعودية ذلك مبرّراً مشروعاً
لهدم قبور الصحابة والتابعين ـ وهي في الحقيقة إهانة لهم ولآل الرسول (
صلى الله عليه وآله ) ـ فتسارعت قوى الشرك والوهّابية إلى هدم قبور آل
الرسول ( صلى الله عليه وآله ) في الثامن من شوّال من نفس السنة ـ أي
عام 1344 هـ ـ فهدّموا قبور الأئمّة الأطهار والصحابة في البقيع ،
وسوّوها بالأرض ، وشوّهوا محاسنها ، وتركوها معرضاً لوطئ الأقدام ،
ودوس الكلاب والدواب ونهبت كلّ ما كان في ذلك الحرم المقدّس من فرش
وهدايا ، وآثار قيّمة وغيرها ، وحوّلت ذلك المزار المقدّس إلى أرض
موحشة مقفرة .
وبعدما انتشر خبر تهديم القبور ، استنكره المسلمون في جميع بقاع العالم
، على أنّه عمل إجرامي يسيء إلى أولياء الله ، ويحطّ من قدرهم ، كما
يحطّ من قدر آل الرسول ( صلى الله عليه وعليهم ) وأصحابه .
نشرت
جريدة أُمّ القرى بعددها 69 في 17شوّال 1344 هـ نص الاستفتاء وجوابه ـ
وكأن الجواب قد أُعدّ تأكيداً على تهديم القبور ـ وحدّدت تاريخ صدور
الفتوى من علماء المدينة بتاريخ 25رمضان 1344 هـ ، امتصاصاً لنقمة
المسلمين ، إلاّ أنّ الرأي العام لم يهدأ ، لا في داخل الحجاز ولا في
العالم الإسلامي ، وتوالت صدور التفنيدات للفتوى ومخالفتها للشريعة
الإسلامية .
وليت
شعري أين كان علماء المدينة المنوّرة عن منع البناء على القبور ؟ ووجوب
هدمه قبل هذا التاريخ ؟! ولماذا كانوا ساكتين عن البناء طيلة هذه
القرون ؟! من صدر الإسلام ، وما قبل الإسلام ، وإلى يومنا هذا !
ألم
تكن قبور الشهداء والصحابة مبني عليها ؟ ألم تكن هذه الأماكن مزارات
تاريخية موثّقة لأصحابها ، مثل مكان : مولد النبي ( صلى الله عليه وآله
) ، ومولد فاطمة ( عليها السلام ) ، وقبر حوّاء أُمّ البشر والقبّة
التي عليه ، أين قبر حوّاء اليوم ؟ ألم يكن وجوده تحفة نادرة ؟ يدلّ
على موضع موت أوّل امرأة في البشرية ؟ أين مسجد حمزة في المدينة ؟
ومزاره الذي كان ؟ أين ... ؟ وأين ... .
القرآن وبناء القبور :
لو
تتبعنا القرآن الكريم ـ كمسلمين ـ لرأينا أنّ القرآن الكريم يعظّم
المؤمنين ويكرّمهم بالبناء على قبورهم ـ حيث كان هذا الأمر شائعاً بين
الأُمم التي سبقت ظهور الإسلام ـ فيحدّثنا القرآن الكريم عن أهل الكهف
حينما اكتشف أمرهم ـ بعد ثلاثمائة وتسع سنين ـ بعد انتشار التوحيد
وتغلّبه على الكفر .
ومع
ذلك نرى انقسام الناس إلى قسمين : قسم يقول : ( ابْنُوا عَلَيْهِم
بُنْيَانًا ) تخليداً لذكراهم ـ وهؤلاء هم الكافرون ـ بينما نرى
المؤمنين ـ التي انتصرت إرادتهم فيما بعد ـ يدعون إلى بناء المسجد على
الكهف ، كي يكون مركزاً لعبادة الله تعالى ، بجوار قبور أُولئك الذين
رفضوا عبادة غير الله .
فلو
كان بناء المسجد على قبور الصالحين أو بجوارها علامة على الشرك ،
فلماذا صدر هذا الاقتراح من المؤمنين ؟! ولماذا ذكر القرآن اقتراحهم
دون نقد أو ردّ ؟! أليس ذلك دليلاً على الجواز ، ( قَالَ الَّذِينَ
غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِم مَّسْجِداً ) (1)
.
فهذا
تقرير من القرآن الكريم على صحّة هذا الاقتراح ـ بناء المسجد ـ ومن
الثابت أنّ تقرير القرآن حجّة شرعية .
إنّ
هذا يدل على أنّ سيرة المؤمنين الموحّدين في العالم كلّه كانت جارية
على البناء على القبور ، وكان يُعتبر عندهم نوعاً من التقدير لصاحب
القبر ، وتبرّكاً به لما له من منزلة عظيمة عند الله ، ولذلك بني
المسجد وأصبحت قبور أصحاب الكهف مركزاً للتعظيم والاحترام .
ولا
زالت هذه الحالة موجودة حتّى في وقتنا الحاضر ، لقبور العظماء والملوك
والخالدين ، فهل توجد أخلد وأطهر من ذرّية رسول الله ( صلى الله عليه
وآله ) ؟ الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرّهم تطهيرا .
البقيع في الشعر :
من
الذين نظموا الشعر حول هذه الجريمة النكراء ، السيّد صدر الدين الصدر (
قدس سره ) حيث قال :
لعـمري إنّ فاجعة البقيـع ** يُشيبُ لهولها فؤود الرضيع
وسوف
تكون فاتحة الرزايا ** إذا لم يُصحَ من هذا الهجوع
أما
من مسـلم لله يرعـى ** حقوق نبيّـه الهادي الشـفيع (2) .
وقال شاعر آخر :
تباً
لأحفاد اليهـود بما جَنـوا ** لم يكسـبوا من ذاك إلاّ العارا
هتكوا حريـم محمّد فـي آله ** يا ويلهـم قد خالفـوا الجبّارا
هَدَموا قبور الصالحين بحقدهم ** بُعداً لهم قد أغضبوا المختارا
وقال
الشيخ عبد الكريم الممتن مؤرّخاً هدم قبور أئمّة البقيع :
لعمرك ما شاقني ربرب ** طفقت لتذكاره أنحب
ولا
سح من مقلتي العقيق ** على جيرة فيه قد طنبوا
ولكن
شجاني وفت الحشا ** أعاجيب دهر بنا يلعب
وحسبك من ذاك هدم القباب ** فذلك عن جوره يعرب
قباب
برغم العلى هدمت ** وهيهات ثاراتها تذهب
إلى
م معاشر أهل الإبا ** يصول على الأسد الثعلب
لئن
صعب الأمر في دركها ** فترك الطلاب بها أصعب
أليس
كما قال تاريخه ** بتهديمها انهدم المذهب (3) .
........................................
الهوامش :
1ـ
الكهف : 21 .
2ـ
بحوث في الملل والنحل 1 / 339 .
3ـ
مستدركات أعيان الشيعة 2 / 161 .
و كل
ذلك بحسب رأي الكاتب في المصدر المذكور نصا و دون تعليق.
المصدر:الشيعة
|