دعاء الإمام علي بن الحسين السجاد عليهما السلام يوم الفطرعند المرقد المطهر للرسول الأكرم صلى الله عليه واله

 

 

دعاؤه عليه السلام في يوم الفطر عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال :

كنت بالمدينة وقد ولاها مروان بن الحكم من قبل يزيد بن معاوية ، وكان شهر رمضان ، فلما كان في آخر ليلة منه أمر مناديه أن ينادي في الناس بالخروج إلى البقيع لصلاة العيد ، فغدوت من منزلي أريد إلى سيدي علي بن الحسين عليهما السلام غلسا ، فما مررت بسكة من سكك المدينة إلا لقيت أهلها خارجين إلى البقيع فيقولون : إلى أين تريد يا جابر ؟

فأقول : إلى مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله .

حتى أتيت المسجد فدخلته فما وجدت فيه إلا سيدي علي بن الحسين عليهما السلام قائما يصلي صلاة الفجر وحده ، فوقفت وصليت بصلاته فلما أن فرغ من صلاته سجد سجدة الشكر ثم إنه جلس يدعو وجعلت أؤمن على دعائه فما أتى إلى آخر دعائه حتى بزغت الشمس ، فوثب قائما على قدميه تجاه القبلة وتجاه قبر رسول الله صلى الله عليه وآله ، ثم إنه رفع يديه حتى صارتا بإزاء وجهه ، وقال :

إلهي وسيدي أنت فطرتني وابتدأت خلقي لا لحاجة منك إلي بل تفضلا منك علي ، وقدرت لي أجلا ورزقا لا أتعداهما ، ولا ينقصني أحد منهما شيئا ، وكنفتني منك بأنواع النعم والكفاية طفلا وناشئا من غير عمل عملته فعلمته مني فجازيتني عليه ، بل كان ذلك منك تطولا علي وامتنانا . فلما بلغت بي أجل الكتاب من علمك بي ، ووفقتني لمعرفة وحدانيتك والاقرار بربوبيتك ، فوحدتك مخلصا لم أدع لك شريكا في ملكك ، ولا معينا على قدرتك ، ولم أنسب إليك صاحبة ولا ولدا . فلما بلغت بي تناهي الرحمة منك مننت علي بمن هديتني به من الضلالة ، واستنقذتني به من الهلكة واستخلصتني به من الحيرة وفككتني به من الجهالة ، وهو حبيبك ونبيك محمد صلى الله عليه وآله أزلف خلقك عندك ، وأكرمهم منزلة لديك فشهدت معه بالوحدانية ، وأقررت لك بالربوبية ، وله بالرسالة ، وأوجبت له علي الطاعة ، فأطعته كما أمرت ، وصدقته فيما حتمت وخصصته بالكتاب المنزل عليه ، والسبع المثاني الموحاة إليه ، وأسميته القرآن ، وأكنيته الفرقان العظيم ، فقلت جل اسمك " ولقد آتيناك سبعا من المثاني والقرآن العظيم " وقلت جل قولك له حين اختصصته بما سميته من الأسماء : " طه ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى "  وقلت عز قولك : " يس والقرآن الحكيم " وقلت تقدست أسماؤك ، " ص والقرآن ذي الذكر " وقلت عظمت آلاؤك " ق والقرآن المجيد "  فخصصته أن جعلته قسمك حين أسميته وقرنت القرآن به ، فما في كتابك من شاهد قسم والقرآن مردف به إلا وهو اسمه ، وذلك شرف شرفته به ، وفضل بعثته إليه ، تعجز الألسن والأفهام عن وصف مرادك به ، عن علم ثنائك عليه ، فقلت عز جلالك في تأكيد الكتاب وقبول ما جاء به : " هذا كتابنا ينطق عليكم بالحق " وقلت عززت وجللت : " ما فرطنا في الكتاب من شئ " وقلت تباركت وتعاليت في عامة ابتدائه : " الر تلك آيات الكتاب الحكيم " و " الر كتاب أحكمت آياته " و " الر كتاب أنزلناه " و " الر تلك آيات الكتاب المبين " و " ألم ذلك الكتاب لا ريب فيه " وفي أمثالها من سور الطواسين والحواميم في كل ذلك بينت بالكتاب مع القسم الذي هو اسم من اختصصته لوحيك ، واستودعته سر غيبك وأوضح لنا منه شروط فرائضك ، وأبان عن واضح سنتك ، وأفصح لنا عن الحلال والحرام ، وأنار لنا مدلهمات الظلام ، وجنبنا ركوب الآثام ، وألزمنا الطاعة ، ووعدنا من بعدها الشفاعة ، فكنت ممن أطاع أمره وأجاب دعوته ، واستمسك بحبله ، وأقمت الصلاة وآتيت الزكاة والتزمت الصيام الذي جعلته حقا ، فقلت جل اسمك : " كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون " ثم إنك أبنته ، فقلت عززت وجللت : " شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن " وقلت : " فمن شهد منكم الشهر فليصمه " ورغبت في الحج بعد إذ فرضته إلى بيتك الذي حرمته ، فقلت جل اسمك : ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا " ثم قلت : " وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالا وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله في أيام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الأنعام ".

اللهم إني أسألك أن تجعلني من الذين يستطيعون إليه سبيلا ومن الرجال الذين يأتونه ليشهدوا منافع لهم وليكبروا الله على ما هداهم . وأعني اللهم على جهاد عدوك في سبيلك مع وليك كما قلت جل قولك : " إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله " وقلت جلت أسماؤك : " ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين ونبلوا أخباركم ". اللهم فأرني ذلك السبيل حتى أقاتل فيه بنفسي وما لي طلب رضاك فأكون فيه من الفائزين .

إلهي أين المفر عنك ؟ فلا يسعني بعد ذلك إلا حلمك ، فكن بي رؤوفا رحيما واقبلني وتقبل مني ، وأعظم لي في هذا اليوم بركة المغفرة ومثوبة الآجر ، وأرني صحة التصديق بما سألت ، وإن أنت عمرتني إلى عام مثله ويوم مثله ولم تجعله آخر العهد مني فأعني بالتوفيق على بلوغ رضاك . وأشركني يا إلهي في هذا اليوم في دعاء من أجبته من المؤمنين والمؤمنات ، وأشركهم في دعائي إذا أجبتني في مقامي هذا بين يديك ، فإني راغب إليك لي ولهم ، وعائذ بك لي ولهم ، فاستجب لي ولهم يا أرحم الراحمين *.

* الصحيفة السجادية للإمام زين العابدين عليه السلام - السيد محمد باقر الموحد الابطحي - ط - 1- محرم الحرام 1411- قم المقدسة - مؤسسة الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف - مؤسسة - أنصاريان للطباعة والنشر - ص 309 - 313