دروس وعِبَر قبل وبين الجرح والشهادة

 

 

الشيخ ماجد العزاوي

 

 

اكتب والحياء اخذ مني كل مأخذ استحياء ممن اكتب عنه لعظمة شأنه عند الخالق وعند المخلوق. فليس من اليسير ان تكتب عن علي بن ابي طالب(ع) وخصوصا انه ليس بيننا من يعرفه على حقيقته،وذاك قول رسول الله صلى الله عليه واله شاهدا على ما اقول اذ يخاطب عليا(ع) بالقول:”ياعلي لا يعرف الله الا انا وانت، ولا يعرفني الا الله وانت، ولا يعرفك الا الله وانا “. فكيف لا يستحي ويحذر من يكتب عن علي بن ابي طالب(ع) من ان يقع في خطأ الوصف او يجانب المعنى الصحيح في قوله سلام الله عليه وفعله.

ولكني كتبت رغم ذلك الحياء وذلك الحذر عملا بقول الصادق(ع) حين قال:”رحم الله من احيا أمرنا اهل البيت “ وكتبت تحقيقا للمودة في القربى، فجاءت الافكار في رأسي لتحط رحالها بعد ذلك عند حدث جليل وقع في مثل هذه الايام من شهر رمضان المبارك سنة اربعين للهجرة حيث جرح سلام الله عليه لينال الشهادة بعد ذلك بيومين من ذلك.

وحين استذكاري لشريط الاحداث التي ترتبط بشهادته وجدت ان كل قول وكل فعل قاله او فعله امير المؤمنين وسيد الوصيين درسا بليغا لمن اراد السير في مراتب الكمال ممتطيا صهوة الحلم باعتباره سيد الاخلاق وطارقا ابواب الحكمة ومرتديا ثوب الاخلاق التي ما بعث الله رسوله إلا ليتمها.

واول تلك الدروس حصل قبل ان يجرح بأبي هو وامي اذ اخبر الخلص من اصحابه بانه سيقتل على يد عبد الرحمن بن ملجم عليه لعنة الله، فقال له اصحابه يا امير المؤمنين دعنا نقتله قبل ان يبادر هو لقتلك فكان جوابه عليه السلام ما معناه”كيف يكون القصاص قبل الجرم “ ومتى نتعلم من رسول الله ومن وصيه واخيه وعترته الطاهرة وهم من جعلهم الله نماذج للمسلمين ليقتدوا بهم ويأخذوا عنهم.

ثم يأتي الدرس الاخر، درس في الايمان والتسليم لقضاء الله وقدره وهو درس ايضا بالثقة في النفس ممن اكمل تأديبها وادى ما عليها لله سبحانه وتعالى زائدا الثقة العالية بعدل الله ورحمته وانه لايضيع اجر العاملين وتصديقا بقوله تعالى:”ان الذين آمنوا وعملوا الصالحات واقاموا الصلاة وآتوا الزكاة لهم اجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولاهم يحزنون“ ولانه صلوات الله عليه واثقا من اخلاصه لربه مشى لقدره على سابق علم ومعرفة بما سيحصل له بعد دقائق معدودات وذلك حين اكمل سحوره واراد الخروج من منزله قاصدا المسجد لاداء فريضة الفجر، فعندما تفحص السماء وهو في صحن داره بنظرة الباحث عن شيء واذا به يقول:”هي هي والله الليلة التي وعدني بها اخي وحبيبي رسول الله “ عادها ثلاثا، ثم تحرك صوب الباب واذا بالاوز الذي كان لولده الحسن(ع) يصيح بصوت واحد بوجهه الكريم، قال عليه السلام:”صوائح تتبعها نوائح “ ثم تقدم نحو الباب وعند باب الدار انحلت عقدة مئزره فعاد لربطها وهو ينشد ويقول:

اشدد حيازيمك للموت ان الموت آتيك

ولا تجزع من الموت اذا حل بواديك

اين نحن يا من تدعي اننا من شيعة علي من موقف عليّ هذا؟ ونحن في النزع الاخير وترانا متحيرين ما بين حرصنا على الدنيا ورغبتنا للبقاء فيها وبين عدم ثقتنا باعمالنا وخوفنا مما ينتظرنا من حساب وعقاب عند من لا يغرب عن مثقال ذرة في الارض ولا في السماء، من منا يلاقي قدره على علم منه برباطة جأش المؤمن الواثق من نفسه متوكلا على ربه واضعا ثقته بعدل الله ورحمته وقبل كل ذلك يكون قد قدم لنفسه ما كسب به مرضاة الله وادى ما عليه على قدر وسعة؟

ثم يأتي درس اخر، فبعد ما حانت اللحظة التي امتشق بها اشقى الاولين والاخرين سيفه المطلي بالسم ونزل به على رأس امير المؤمنين وهو ساجد لله رب العزة مناجيا اياه طالبا رضاه، فما كان منه عليه السلام الا ان صاح باعلى صوته:”

لقد فزت ورب الكعبة “ مؤكدا بذلك ثقته بالله وبرسوله مهونا على نفسه ما حل بها بان ما حصل كان بعين الله وبعلم رسول الله الذي اخبره به فكان كل ذلك بمثابة الدليل على صحة المسيرة التي قد حصل فيها كل ما اخبره عنه رسول الله صلى الله عليه واله من احداث ستجري على علي(ع) واخرها ان تخضب لحيته الكريمة من دماء رأسه حين يضربه اللعين ابن اللعين اشقى الاولين والاخرين على ام رأسه بالسيف في مسجد الكوفة وعند صلاة الفجر.

وتتوالى الدروس، فبعد ان حمل الى داره مخضبا بدمه وبعد فترة من غياب الوعي افاق وعلم ان قاتله اسير في داره، فانظر ايها اللبيب عظمة الاسلام من خلال نبل تصر ف امير المؤمنين، فقد امر باطعامه وحسن معاملته، بل وانه عليه السلام جيء له باناء لبن فشرب منه وامر ان يأخذوا الباقي لقاتله، ثم أوصى ولده الحسن قائلا: ( ان نجوت منها فانا انظر في امره، وان فارقت الحياة فانما هي ضربة بضربة ).

عجبت لمن يدعون الاسلام والجهاد في سبيل الله في عصرنا هذا وهم لا يفقهون كيف يكون القصاص بل انهم ابعد ما يكونون عن الانتماء للانسانية اذ انهم يتفننون في تعذيب الابرياء ويمثلون في جثث القتلى ويتشفون بعذاب اهل من يخطفون احدا من ابنائهم، فاي اسلام يعتنق هؤلاء؟

ثم يختم امير المؤمنين حياته الشريفة بوصيته لولديه الحسن والحسين -عليهما السلام -وما اروعها من وصية ويودع اهل بيته ذاهبا للقاء ربه ويندبه اهل بيته واصحابه وكأني وانا اكتب عن هذه اللحظة المؤلمة لحظة حمل نعشه عليه السلام سائرا خلف النعش مع المشيعين واردد قول الله عز وجل” يا ايتها النفس المطمئنة ارجعي الى ربك راضية مرضية فادخلي في عبادي وادخلي جنتي“.

فسلام على من كان قوله حكما وفعله دروسا وعبرا وسلاما، والسلام على علي يوم ولد ويوم مات ويوم يبعث حيا.

و كل ذلك بحسب رأي الكاتب في المصدر المذكور نصا و دون تعليق.

المصدر:المثقف السياسي-3-10-2007