رؤية غريبة بعض الشيئ : من "ليوت" إلى بوش: لنغيّر سياسة العزل!

 

 

توماس فريدمان

 

 

عيّن الرئيس الأميركي جورج بوش، الأسبوع الماضي الليفتنانت جنرال (فريق) "دوجلاس ليوت" في منصب جديد (قيصر حرب) لتنسيق السياسة القتالية الأميركية في العراق وأفغانستان. فمن كان يقوم بتلك الوظيفة منذ أن بدأت الحرب في ذينك البلدين وحتى الآن؟ الإجابة غير المتوقعة هي :

لا أحد! إن تلك الإجابة تجعلنا نبدو كمطعم راقٍ، قرر بعد خمس سنوات من افتتاحه -وبعد أن فقد غالبية زبائنه - أن يستعين برئيس للطهاة. هل نقصد القول إنه لا فائدة من ذلك؟

كلا، لا نقصد ذلك لأن القيام بالشيء متأخراً خير من تركه إطلاقاً... وما يطمئننا هو أن الجنرال "لوت" يأتي وقد سبقته شهرته كرجل ذكي وصارم، ما يجعلني آمل أن تكون مذكرته الأولى للرئيس بوش على النحو التالي: "لو نظرت حولك سيدي الرئيس في كافة أرجاء المنطقة، فستجد أن كل القوى التي حاولنا عزلها، أصبحت اليوم أقوى مما كانت عليه قبل عامين... وهو ما يدعونا لإعادة تقويم استراتيجيتنا، على أن نبدأ بالتصدي لحقيقة أننا قد غيرنا -بشكل جوهري - الخريطة الجيوبوليتيكية للشرق الأوسط بالفعل.

لقد أسقطنا الجدران الصلبة التي كانت تحيط بإيران، عندما دمرنا عدويها اللدودين، نظام صدام حسين في العراق ونظام "طالبان" في أفغانستان.

وكانت النتيجة أننا نتعامل اليوم مع إيران الناهضة مجدداً، والتي اكتسبت جسارة المواجهة، واستفادت من أعمالنا "الطيبة" في توسيع نفوذها الاقتصادي والثقافي والديني والجيوبوليتيكي في الجزء الغربي من أفغانستان، وفي العراق الشيعي على حد سواء.

فبعد رحيل صدام، لم تعد هناك دولة عربية تمتلك من القوة ما يمكّنها من موازنة إيران. فهذه الدول إما ضعيفة للغاية أو مختلة وظيفياً، لذلك ليس أمامنا سوى خيارين بلا ثالث: إما أن نتقدم نحن للقيام بدور الدولة الإقليمية التي تستطيع موازنة القوة الإيرانية، وهو ما سيتطلب منا الاحتفاظ بآلاف الجنود في المنطقة إلى أجل غير مسمى. وإما أن ندخل مع إيران في حوار على مستوى عال نركز فيه معاً على مصالحنا المشتركة في تحقيق الاستقرار في أفغانستان والعراق. واجب الاختيار يقع عليك سيدي الرئيس، لأنني لا أستطيع القيام بوظيفتي ما لم نواجه حقيقة أن حربينا في العراق وأفغانستان، بسبب شراهتنا للطاقة، قد ساهمتا في تقوية إيران وزيادة نفوذها.

بيد أن ذلك لا يعني القول إن الحرب مع إيران حتمية... دعني فقط أذكِّرك في هذا السياق، كيف أننا عملنا بصورة جيدة للغاية مع إيران بشأن أفغانستان في البداية. ولعلك تتذكر أنه كان هناك نوع من الحوار المنتظم بين سفيرنا والسفير الإيراني في كابول، وأن الإيرانيين سلمونا التحالف الشمالي، ثم عملوا على قطع الدعم المالي الذي كانوا يقدمونه لإسماعيل خان أمير حربهم المفضل في "هيرات"، وهو ما أتاح لحكومة كابول الموالية لنا فرصة بسط سلطتها إلى هناك، وأننا عندما سلمناهم في بدايات عام 2002 أسماء رجال "القاعدة" الناشطين في "مشهد" بإيران، لم يترددوا في القبض عليهم، وإرسالهم على متن طائرة لأفغانستان. كانت هناك أشياء طيبة كثيرة غير ذلك بيننا وبين الإيرانيين، لكن الأمور بدأت تفسد. أنا لا أعرف من المسؤول عن ذلك الفساد والانهيار الذي حدث في العلاقة بيننا. الإيرانيون من جانبهم يشيرون إلى إقدامنا على إدراجهم ضمن "محور الشر" بعد أن قدموا لنا الكثير. ونحن نستطيع أن نشير إلى تورطهم في عمليات التفجير التي وقعت في المملكة العربية السعودية عام 2003... بيد أن المحصلة النهائية التي نتجت عن ذلك هي أننا كنا نخوض حرباً باردة معهم خلال السنوات القليلة الأخيرة، كما كان وكلاؤهم يحاربون وكلاءنا في لبنان وغزة والعراق.

وكما يشير "والي ناصر" في كتابه "انبعاث الشيعة"، فإن "الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط حالياً منوط بالعلاقات الأميركية- الإيرانية في الأساس... وسيكون من قبيل الوهم أن نعتقد أنه من الممكن بالنسبة لنا أن نعود إلى تلك الأيام القديمة التي كنا نعتمد فيها على محور القاهرة –الرياض -عمان في تدبير أمور المنطقة بالنيابة عنا".

إن إيران لن تسمح باستقرار العراق، ما لم تتم حماية مصالحها، وما لم يتم الاعتراف بموازين القوة الجديدة في العراق والقائمة على وجود أغلبية شيعية كردية.

في الوقت ذاته، يتعين علينا أن نفتح باباً للحوار مع "حماس"، ليس من أجل احتضانها، ولكن من أجل أن نرسم لها طريقاً متدرجاً يمكنها السير فيه وصولاً إلى إقامة علاقات بينها وبين إسرائيل. وكما يشير "رشيد الخالدي"، الخبير الفلسطيني وخريج جامعة كولومبيا ومؤلف كتاب "القفص الحديدي"، فإنه "إذا ما تركنا السلطة الفلسطينية محطمة، وعملنا بعد ذلك على عزل حماس" -رغم فوزها في الانتخابات التي رعيناها- فـ"الحال سينتهي بنا إلى هؤلاء الفتية المتشددين ورجال العصابات الذين نراهم اليوم في شوارع غزة والذين لا يستجيبون لأوامر أي سلطة مهما كانت".

لو كنت أرى أن عزل إيران و"حماس" يجدي نفعاً، لطالبت بالاستمرار فيه، لكن من الواضح أنه غير مجدٍ، ولن يحقق أكثر مما حققته سياسة عزل فيدل كاسترو في كوبا.

لذلك ليس أمامنا من خيار سوى إيجاد طريقة لجذبهم إلينا، أو خوض حرب ضدهم -وضد هؤلاء الفتية المتشددين- في العراق ولبنان وغزة وأفغانستان، لفترة طويلة قادمة.

*كاتب ومحلل سياسي أميركي

و كل ذلك بحسب رأي الكاتب في المصدر المذكور نصا و دون تعليق.

المصدر: الإتحاد الإماراتية- ينشر بترتيب خاص مع خدمة "نيويورك تايمز"-21-5-2007