مقدمات الحريق الكبير في المنطقة

 

غسان شربل

 

 

فجأة وجدت إسرائيل نفسها أمام أسئلة صعبة وغير متوقعة. لماذا لم يتمكن الجيش من حسم المعركة ضد «حزب الله»؟ ولماذا لم يستطع منع الصواريخ من الاستمرار في التساقط على شمال اسرائيل؟ ولماذا بدت كل محاولة للتقدم البري باهظة التكاليف؟ وما هي الأخطار البعيدة المدى مما حصل؟ ماذا ستستنتج حركة «حماس» من تجربة «حزب الله»؟ وماذا ستستنتج سورية؟ وكيف سيقرأ الرئيس أحمدي نجاد هذه التجربة على طريق حلمه الكبير بشطب اسرائيل من الخريطة؟

تركت الحرب الأخيرة جرحاً عميقاً في قلب المؤسسة الأمنية الإسرائيلية وكذلك على المستوى السياسي. تناقش المؤسسة الاسرائيلية الأداء في هذه الحرب بوصفها حرباً اقليمية. تعرف اسرائيل انها واجهت عند حدودها وداخل هذه الحدود جزءاً من الترسانة الإيرانية. تقول إن هذه الترسانة ما كانت لتصل الى يد الحزب لولا المعبر السوري الذي وفر أيضاً لـ «حزب الله» وعلى مدى سنوات مظلة واقية على الارض اللبنانية. الحرب اقليمية بطبيعتها وإن كان مسرحها محدوداً.

انطلاقاً من هذه النظرة الى الحرب تقرأ اسرائيل ما تبع اعلان وقف العمليات العسكرية.

خطاب الأمين العام للحزب السيد حسن نصرالله وحديثه عن نصر «استراتيجي وتاريخي». وخطاب الرئيس بشار الأسد الذي يُستنتج منه ان ما جرى ليس الحرب الأخيرة، وان الاسد يستعجل الحسم الداخلي في لبنان لتحويله رأس حربة لتحالف ثلاثي يمتد من جنوب لبنان الى طهران مروراً بدمشق. وتقرأ ايضاً خطاب الرئيس احمدي نجاد وتطلّعه الى شرق أوسط جديد لا مكان فيه للولايات المتحدة واسرائيل.

تقرأ اسرائيل الخطابات الثلاثة. ما يجمع بينها من وجهة نظرها هو العداء للدولة العبرية والسخط على السياسة الاميركية والاصطدام بهذا القرار أو ذاك لمجلس الأمن. ما يجمع بينها حالياً هو الانتقال من الاعتراض على التصور الاميركي لشرق أوسط جديد الى إعلان شرق أوسط جديد يقوم على استنزاف المواقع الأميركية ومواجهة اسرائيل مباشرة أو بالواسطة. هذا الصدام يمكن ان يجد ترجمته على ارض العراق او في لبنان او في الاثنين معاً.

فالعراق يمكن ان يشهد محاولة لاخراج القوات الأميركية بعدما شهد محاولات لافشال الغزو الاميركي، ولبنان يمكن ان يشهد محاولة لاخراج النفوذ الاميركي والفرنسي منه لجذبه في صورة واضحة وقاطعة الى معسكر التحالف الثلاثي.

من مجمل القراءات في المنطقة وخارجها يتضح ان الحرب الأخيرة لن تظل الأخيرة. فمن اعتبر نفسه منتصراً سيسعى الى البناء على انتصاره وترجمته. ومن خسر سيستعد للثأر مستفيداً من دروس المواجهة التي يحاول القرار 1701 اخماد نارها. الأكيد هو ان الاقليم في حال غليان لم يعرفها من قبل. وفي حال انقسام لم يشهد مثيلاً لها منذ وقت طويل. وان الملفات الملتهبة تمتد من مزارع شبعا الى المفاعلات الايرانية مع ميل متزايد لدى مختلف الافرقاء الى رفع منسوب التخصيب.

رجعت اسرائيل من الحرب بجرح عميق وأسئلة صعبة. السؤال هو عن استنتاجاتها والذيول. هل تستنتج ان مواجهة «حزب الله» لا تكفي لمواجهة الخطر الايراني وانه لا بد من الذهاب الى مصدر الخطر نفسه؟ ام تستنتج ان الحل هو التصدي لسورية لقطع الاتصال بين ايران و «حزب الله»؟ أم ترى الحل في اشتعال الداخل اللبناني وعلى أمل أن يؤدي الاقتتال الداخلي الطائفي والمذهبي الى اغراق المقاومة وتبديد انتصاراتها؟

واضح ان الاقليم يقف على عتبة فصول ساخنة سياسياً وربما أمنياً. العراق مرشح لأن يكون أحد مسارح التجاذب. السخونة هناك قد تدفع ادارة جورج بوش الى توسيع دائرة المواجهة بشكل أو بآخر. لبنان مرشح بدوره للرياح الساخنة. ثمة مظلة وحيدة يمكن ان تجنب اللبنانيين الكارثة. انها مظلة الوحدة الوطنية. أي تفريط بهذه المظلة ينذر بقتل الوطن والدولة والمقاومة. لا بد من التنبه الى الهدير العميق في الاقليم. لقد ذهبت اللعبة بعيداً. وذهب معها اللاعبون. هذا الهدير المجبول بالمخاوف ينذر بحريق كبير.

و كل ذلك بحسب رأي الكاتب في المصدر المذكور.

المصدر: الحياة اللندنية-17-8-2006