مع الذكرى السنوية لإستشهاد : المفكر العـراقي العـالمي سماحة السيد حسن الشيرازي
بقلم الباحث العـراقـي فـؤاد عباس بسم الله الرحمن الرحيم
الطـريق الـى العـبقـرية المباركـة المستدامـة قال سبحانه وتعالى : (( وَجَعَلَنِي مُبَارَكاً أَيْنَ مَا كُنتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلاَةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيّاً )) (1) في اللغة : الـمبارك ما يأْتـي من قِبَله الـخير الكثـير . مباركا : اي ذا بركة وخير كثير قال الإمام جعفرالصادق (عليه السلام ) في تفسير مباركا : أي نَـفّاعا (2) فالله سبحانه وتعالى هو الذي جعل عيسى ( عليه السلام ) نَـفّاعا و ذا بركة وخير كثير فأن يكون الإنسان كذلك ليس بالهدف العادي البسيط . فكيف ؟ إذا أراد الإنسان أن يكون في الوقت نفسه رائداً مبادرا الى تحمل المسؤولية سبّاقا كما في قوله تعالى : (( وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُوْلَـَئِكَ مِنَ الصّالِحِينَ )) (( وَسَارِعُوَاْ إِلَىَ مَغْفِرَةٍ مّن رّبّكُمْ ".....)) بل ومجددا مصلحا عالما معلما مربيا وذا شخصية طموحة متعددة الأبعاد تفكر وتتشاور وتخطط وتكتب وتتحاور وتعيش سفرا دائما بحقيبة واحدة هي حقيبة القضية تنقيبا عن الولادة الجديدة للأمة ... وتحديدا الولادة المنبثقة من رحم الأصالة المستقاة من نهج الرسول الأكرم (صلى الله عليه واله وسلم ) وأهل بيته الطاهرين ( عليهم السلام ) . وكيف تصبح المعادلة إذا كان ذلك الإنسان عبقريا مبدعا ؟ ! قد يتصور البعض ان العبقرية لا يمكن إلا أن تكون ودائما عاملا مساعدا فاعلا لمقاربة تلك الاهداف ، لكن الواقع لا يؤيد ذلك . هل العبقرية يمكن ان تكون مصدرا لمشاكل الفرد والمجتمع ؟ نعم يمكن ، ولذلك يقال أن العبقرية والإبداع يمكن أن تتسبب في التقدم والبناء الكبير اوالتراجع والإنهيار الكبير وليس للعبقري المبدع وحده بل له ولمجتمعه ايضا . إذن العبقرية سلاح ذو حدين للفرد العبقري وهي كذلك لمجتمعه . ما هو صمام الأمان المزدوج ؟ الذي يضمن للعبقرية النمو والإثراء والإنطلاق ، وللمجتمع التقدم النوعي المطرد ، وللعبقري مساهمته النوعية المستدامة دون إنتكاسة او تقهقر اونهاية مأساوية محزنة كما يقع لبعض العباقرة . ماهي تلك الماكنة التي تجعل العبقرية ذا بركة وخير ونفع كثير للمجتمع من جهة وللعبقري نفسه من جهة ثانية ؟ ماهي تلك الأليات التي تجعل العبقرية مباركة والعبقري مباركا نَـفّاعا ؟ ماهي الحواضن والمؤسسات والعمليات اللازمة على هذا الطريق ؟ لنشير الى بعـض الضغـوط التي يمكن أن تعتصر هؤلاء : المبدع يتعرض لنصيب وافر من المعارضة والمخالفة والمنغصات التي تأتيه من جهات متعددة يمكن أن تخلق ضغوطا نفسية وإنفعالية وإجتماعية متنوعة ، لأن المبدع العبقري شخص تجاوز او يحاول أن يتجاوز المقاييس العادية من خلال أعماله الخلاقة في العلم، أوالنشاط. ولأن العمل الإبداعي يحقق الكثير لصاحبه ولمجتمعه قصد أم لم يقصد ذلك ، ولأنه يتطلب قدرات شخصية وإمكانات هائلة لا تكون عادة متوفرة أو محتملة أو ممكنة للآخرين. هذه بعض أسباب الضغوط التي غالبا يتعرض لها وبكثافة المبدع العبقري وكثيرا ما تؤدي تلك الضغوط الى تعقيدات كبيرة سلوكية عند بعض العباقرة ، واحيانا تقود الى إنتكاسة او تقهقر اونهاية مأساوية محزنة كأن : يصبح مكتئبا على الدوام ، و يبدو دائما يائسا، ولم يتمكن من أن يرى إلا الجانب المعتم من الحياة و....!! مثلا كتب أحد القادة العالميين قبل وفاته بفترة قصيرة : "لقد أنجزت الكثير ولكنني لم أكسب في النهاية شيئا." أو يصدر عنه سلوك مضطرب يفتقد إلى حسن الاستبصار، وافتقاد للقدرة على الحكم السليم . وقصة "نيتشة" الفيلسوف والمفكر الألماني معروفة لنقاد الأدب والمفكرين بسبب نهايته العقلية المفجعة. فلم يكن هناك منْ يتخيل أنه هو الذي كتب قبل ذلك بسنوات كتابه : "هكذا تكلم زارادشت" الذي يصفه الكثيرون بتحفة "نيتشة" الفكرية. ما يقدمه الإبداع والمبدعون للمجتمع كثير وملئه الثراء والعطاء. وربما لم يبالغ من قال بأن أغلب جوانب التقدم في الحياة مرهون بما تقدمه هذه القلة القليلة كما والكبيرة كيفا من العقول اللامعة والمبدعة في أي مجتمع . ولهذا فمساهمات الإبداع والمبدعين في حياتنا أمر لا يجوز إغفاله وينبغي معرفة شروطه ودراسته على نحو يسمح لنا بالاستفادة الملائمة بتلك الإسهامات. ومع ما للقدرات الإبداعية من أهمية في التقدم والبناء اوالهدم عند عدم توجيهها إيجابيا ، فإن دراستها ومعرفة عوامل نموها وظهورها أومعوقات ظهورها لازالت للأسف محدودة. فلازالت دراسة الموهبة الإبداعية مهملة وتطبيق نتائج تلك الدراسات وخلق حواضنها. لنرجع الى السؤال المتقدم : ماهي تلك الأليات التي تجعل العبقرية مباركة والعبقري مباركا نَـفّاعا ؟ هناك مجموعة من الأليات المحـورية على رأسها : التنمية المستدامة للإيمان الراسخ بالله وحده لا شريك له . التنمية المستدامة للتقوى والإخلاص في كل خطوة و لله عزوجل وحده فقط . التنمية المستدامة للتمسك بنهج الرسول الأكرم (صلى الله عليه واله وسلم) وأهل بيته الطاهرين ( عليهم السلام ) وللتوسل الصادق الدائم بهم . الإنطلاق المتواصل من الذات فيما تقدم وغيره من التغيير . هذه الأليات لا تجعل العبقرية مباركة والعبقري مباركا نَـفّاعا بل يمكن أن تجعل كل واحد منا عبقريا مباركا نَـفّاعا لنفسه ولمجتمعه وبلا حدود . هـكـذا وضـع المفكر الإسلامي الكبير والشهيد السعيد السيد حسن الشيرازي وأمثاله قطار العبقرية على السكة فكانت حياته التي لم تستكمل الـ 5 عقود مباركة وكان رائداً مبادرا الى تحمل المسؤولية سبّاقا ومجددا مصلحا عالما معلما مربيا وذا شخصية طموحة متعددة الأبعاد تفكر وتتشاور وتخطط وتكتب وتتحاور وتعيش سفرا دائما بحقيبة واحدة هي حقيبة القضية تنقيبا عن الولادة الجديدة للأمة و من رحم الأصالة المستقاة من نهج الرسول الأكرم (صلى الله عليه واله وسلم) وأهل بيته الطاهرين ( عليهم السلام ) يقضي فترة غير قصيرة من حياته في السجون والمعتقلات ويتعرض لأبشع أنواع التعذيب النفسي والجسدي فيهاجر ، وحين يفكر في تأسيس الحوزة العلمية الزينبية يلتمس من الله العون وينطلق للتشرف بزيارة العقيلة زينب بنت علي ( عليهما السلام ) فيتوسل ويتوسل لإنجاز الرسالة ويجد ويجتهد دون كلل اوملل حتى تحقيق ما كان يصفه البعض وقتئذ بالحلم تارة والخيال تارة اخرى ، ولا يختار لهذا الصرح العلمي الشامخ أسما سوى أسم هذه البطلة العظيمة (عليها السلام)، وإذا راجعه طالب ليستأذن في إنهاء دراسته لشحة الإمكانات او لسبب أخر كان يحاول ثنيه عن ذلك وفي النهاية يبادره قائلا : الحوزة حوزة السيدة زينب إذا كان لا بد من ذلك فتشرفْ بزيارتها لإستأذانها في الإنصراف . ينقل العديد من معاونيه ومرافقيه إلتزامه وتأكيده المتواصل – ر- في كل خطوة صغيرة اوكبيرة على تجديد قصد القربة لله عزوجل . لذلك كان الشهيد في سباق مع الزمن كان يعيش حالة طوارئ دائمة آناء الليل وأطراف النهار على مستوى الطاعة والمعصية, وعلى مستوى الإنجاز والعطاء فينتقل من إنجاز كبيرلإنجاز أكبر وفي ظروف صعبة ومعقدة وإمكانات متواضعة وبسيطة وعقبات كثيرة والأمل يتنامى والتفاؤول يتصاعد متمظهرا في افعاله وقرارته ومواقفه التي كانت تردد : فان مع العسر يسرا ، ان مع العسر يسرا . بعد المفازة واحة ، وعند الصخرة بئر متاحة . لا بد أن نصنع من التراب تًّـبْرا. ها هي الفراشات خلف الأقفال فلا تتوقفوا كي يقف التاريخ ليكتب ويسطـّر . هذا هو سحرالتنمية المستدامة للإيمان... للتقوى والإخلاص ... للأصالة والتمسك بنهج الرسول الأكرم (صلى الله عليه واله وسلم) وأهل بيته الطاهرين ( عليهم السلام ) وللتوسل الصادق الدائم بهم حين ينطلق الإنسان في التغيير من الذات ويواصل المسيرة منتظرا الفجر وفرسانه مشتاقا للثريا مستعجلا لقاء ربه . كما كان الشهيد السعيد – ر- حتى توجّ بوسام الشهادة . حيث استقرت أكثر من ثلاثين اطلاقة في قلبه ورأسه في وسط شارع من شوارع بيروت معلنة نهاية سفر عالم كبير, ومجاهد كريم, ومفكر متواضع, وكاتب ثائر, وشاعر محارب, وفارس حالم . فهنيئاً له تلك التضحيات وذلك العطاء وتلك الإنجازات وهنيئاً له الرضوان الإلهي الأكبر وهنيئا لنا هذه القدوة الحية القريبة . هـذا هـو الطريق الى الطـريق الـى العـبقـرية المباركـة المستدامـة التي تتواصل حتى بعد الرحيل من هذه الدنيا الفانية . .......................................................................... المصادر : (1) : سورة مريم – الأية- 31 (2) : الكافي – ج-2-165-11
|