هـلْ أنـت بـيـروقـراطـي ؟
المهندس مصـطـفى الصـادق مـراجـعـة عـفاف الصـادق
البيروقراطية bureaucracy كثيراً ما نسمع عنها وعن الإتهـامات الموجهة إليها.مع كل مشكلة إجتماعية أوإدارية نلقي اللوم كله عليها ، وكأنّ البيروقراطية باتت المشكلة الأولـى والأخيرة لجميع معاناتنا . والحقيقة أن البيروقراطية صارت تُستـعمل اليوم وكأنّها مـرادفـة للتـعقيد و البطئ الإداري والتعثر في العمل الإداري ، صحـيـح أنّ ذلك من عواقب البيروقراطية ، لكنـه من نتائج الإعـمال المـفـرط لهـا ، فالبيروقراطية الزائدة اوالخاطئة نتائجها مأساوية ، حالها حال أي دواء طبي متـقـن الصنع ومُـجـرّب يصفه طبيب متخصص لكن المريض يتناول جرعات أومقدارأكبرمن ذلك الدواء لأنّ الطبيب حددَ أكثرمما يلزم تناوله من الدواء ، أوأنّ المريض تناول مخطئاًً عن عمد أوسهو أكثر من المقداروالجرعات التي حددها ذلك الطبيب .أضفْ الى ذلك : أنّ لكل دواء عادة أعراض جانبية يتعرض لها اولبعضها المريض بصورة دائمة اومؤقتة خاصة في الأيام الأولى من إستعماله لذلك الدواء كالغثيان اوالصداع او إرتفاع ضغط الدم ومانحو ذلك من الأعراض الجانبية التي عادة يتمّ شرحها بدقة وتفصيل في النشرات الداخلية المرفقة بالدواء ، كما أنّ لبعض المرضى حساسية شديد اومتوسطة اوخفيفة تـجاه بعض الأدوية ، ولذلك يتمّ التحذير من هذا التعارض وتلك الحساسية ، وليس هذا فحسب بل هناك من الأدوية يجب أن يتحاشى وصفها اوإستعمالها من قبل المرضى الذين يعانون من القصور الكبدي اوالكلوي، وهناك أيضا من الأدوية والمستحضرات الطبية الجيدة جدا لكن يجب أن لايصفها الطبيب في فترات ودورات زمنية محددة كالأشهـر الثلاث الأولـى من الحمل مثلا ، وهناك دواء يجب أن يأخذه المريض قبل الطعام اوبعده اوقبل النوم وعبر الفم اوالعضلة اوالوريد وهكذا. كلّ ماقيل فيما تقـدمَ ويمكن أن يُقال بشأن الوصفة الطبيـة من جهة ، وإستعمال الدواء من جهة أخـرى ينطبق على أي وصفة إقتصادية اوسياسية اوإجتماعية اوإدارية . وعليه يجب التعامل مع البيروقراطية بغض النظر عن العوامل الخارجية التي تجعلها سلبية جملة وتفصيلا ، وكدواء من الأدوية لمعالجة جملة من الأمراض والمشاكل الإدارية ، فسلبيات الإفراط اوالتفريط في مقداروجرعات البيروقراطية لاعلاقة لها بالبيروقراطية ، وكذلك التوقيت غير السليم ،اوالأعراض الجانية العامة المرتبطة بأكثرية العاملين في المؤسسة اوالخاصة بفرد اوبعض العاملين ، وهذا الأمر بالنسبة للأمور الخارجية الأخرى . هـلْ أنـت بـيـروقـراطـي ؟ لنرى وبإختصار ماهي البيروقراطية ؟ البيروقراطية (البيروقراطية عبارة عن تنظيم يقوم على السلطة الرسمية وعلى تقسيم العمل الإداري وظيفياً بين مستويات مختلفة وعلى أوامر تصدر من رئاسات إلى مرؤووسين ويعتبرالتنظيم البيروقراطي ترشيداً للعمل الإداري. وقد يدل المصطلح على الأداة الحكومية اوالتنظيم الحكومي ، كما قد يستخدم للتعبير عن سيطرة الموظفين دون مبالاة بمصالح الجماهيرودون مسؤلية أمامهم .) (1) نعـم للبيروقراطية أمراض ، لكن هناك فرق بين البيروقراطية وأمراض البيروقراطية ، ولذلك : يطلق في الإنـجليزية على البيروقراطية bureaucracy ، بينما يطلق على أمراض البيروقراطية bureaupathology . بيوريوباثولوجي ماهي إذن : أمراض البيروقراطية ؟ (أمراض البيروقراطيةهـي : بعض الظواهر السلوكية والإدارية التنظيمية التي قد تصيب المنظمات وتؤثر في مدى كفايتها. فيتحول النظام البيروقراطي إلى الإتجاه السلبي الذي يتميز بمخالفة روح القوانين والتعقيد الشديد والتقيد بحرفية التعليمات وتجمد العملية الإدارية وتجنب المسؤولية حتى يصل إلى الفساد الإداري الذي ينطوي على الرشوة وإستغلال النفوذ والوساطة والإنحراف عن أهداف المجتمع بوجه عام.) (2) وهناك مصطلح آخـر مرتبط هـو : تَـدْعِـيـم البيروقراطية (bureaucratization ) بيوريوكراتايزيشن او التركيز على التنظيم الرسمي : ( هـي العمليـة التي يكتسب عن طـريقها التنظيم الرسمي خصائص البيروقراطية بصورة مستمرة . والمـظهـر الرئيسي لهذه العملية يتمثل في الصياغة الصورية للقواعد والإجراءات، ومن الملاحظ أن تدعيم البيروقراطية له درجات ومستويات متفاوته في التنظيم ، والمبـالـغـة في الرسمية يمكن أن يضيع معها الإحساس بالهدف .) (3) مما تقـدم َ يمكن القول بأنّ : البيروقراطية نوع من أنواع التنظيم للعمل الإداري . والبيروقراطية الصحيحة عبارة عن تنظيم يقوم على السلطة الرسمية وعلى تقسيم العمل الإداري وظيفياً بين مستويات مختلفة وعلى توجيهات تصدر من رئاسات إلى مرؤوسين مع إشراك المرؤوسين في إتخاذ تلك التوجيهات والتنظيم البيروقراطي يهدف ترشيد العمل الإداري وإتقانه ، وعليه يمكن أن نقول : البيروقراطية الصحيحة دواء والبيوريوكراتايزيشن مرض يصيب المدراء والمخططين الإداريين والبيوريوباثولوجي مجموعة أمراض تنتشر في المؤسسات والمنظمات . إذن لابـدّ من الأخذ بالبيروقراطية الصحيحة وبالمقدار الضروري اللازم المتناسب مع ظروف وشروط و سلوكيات المجتمع من جهة ، والمؤسسة من جهة ثانية ، والأفراد العاملين في المؤسسة من جهة ثالثة ، والمؤسسات المنافسة المحلية والأقليمية والعالمية من جهة رابعة ، والزبائن من جهة خامسة ، والممولين وأصحاب رؤوس الأموال من جهة سادسة ، والحلّ الوسط هو الطريق للتوفيق الناجح بين الجهات المذكورة ، وإنْ كان شاقا. نعم لابدّ من البيرواطية لأنّها أداة تقسيم العمل وتحديد المسؤليات والقواعد والإجراءات بهدف تنظيم العمل ولترشيد وإتقان العمل، ونحن مكلفون بالنظم والإتقان كما في الحديث النبوي الشريف عنه صلى الله عليه واله: ((إنّ الله يٌـحِـبُّ إذا عـَمِـلَ أحـدُكم عمـلاًً أن يُـتـقـِنَـه )) (4) وعن الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام : ((أوصيكما وجميع ولدي وأهلي ومن بلغه كتابي بتقوى الله ونـظم أمـركم)) (5) ولقاعدة النظم المستحكمة في القواعد الفقهية . هذا غيرما يلازم عدم تحديد مسؤليات من مفاسد كضياع المسؤلية والمسؤل عن الخطأ لمساءلته ، وعن الصواب والنجاح لمكافئته ، والفساد الإداري والمالي ، فالرقابة والمحاسبة والمساءلة والإستفسار والإستيضاح وكما هي الترقيات والعلاوت كله يصبح مستحيلا لكن حذارالإفراط والروتين و التشريفات الإدارية الزائدة فالإنغماس في البيروقراطية التي تقـود احيانا الى جنون البيروقراطية الذي يُـعـد نـوعا من أنواع الجنون الإداري .
..........................
المـصـادر : (1): معجم المصطلحات الإجتماعية - د. أحمد زكي بدوي - ص 47 (2): المصدر نفسه . (3): المصدر نفسه . (4): كنز العمال – 9128 (5): نهج البلاغة ك الكتاب 47-3
|