مـن التـاريـخ ( 2 ) :

                                 كيف أصبح كيسنـجـر وزيراً للخارجية بعد هزيمة صديقه روكفلر وفـوز نيكسون ؟    

 

 

إعداد : عـفـاف الصـادق

 

 

خلال انضمام هنري كيسنجر الطويل لروكفلر كان قد شغل منصب المستشار التقني للبيت الأبيض في الأيام الأولى لحكومة جون كنيدي، لكن بعد هزيمة روكفلر أمام نيكسون وقع إختيار الأخير على كيسنجر ليكون وزيرا لخارجيته:

 لـماذا هذا الإختيار ؟-  

- كيف وقع الإنفصال بين كيسنجر وروكفلر ؟

- لـماذا لـم ينتخب نيكسون روكفلر كوزير للدفاع  كما كان يرى ذلك كيسنجر، وكما كان قد أعلن عن ذلك نيكسون نفسه  ؟

لتحقيقه في وزارة الدفاع المشاريع التي أوحت بها إليه اهتمامات روكفلر بهذه القضايا منذ عشرات السنين .

- لـماذا لـم ينتخب نيكسون روكفلر كوزير للخارجية  ؟

- هل يرجـع ذلك الى أن الشؤون الخارجية ما كانت لتظهر بأنها تترك حرية العمل التي تتطلبها شخصية روكفلر ؟

 - لـماذا لـم ينتخب نيكسون روكفلر كحاكم لولاية هامة ؟

- هل يعود ذلك الى ان حاكم الولاية لايتمكن أبداً من ممارسة أي نفوذ حقيقي على السياسة الإجمالية للأمة ؟

- أم لصعوبة عمل روكفلر  كتابع لاسيما لنكسون ؟

- لـماذا كان كيسنجر يرى في الوقت نفسه أن روبير مكمنارا يمكن أن يكون وزيراً للدفاع في ظروف يتمكن فيه من لعب دور كبير في تسيير السياسة الخارجية ؟

- هل دور وزارة الدفاع كبير، ودائما في تسيير السياسة الخارجية الأمريكية ؟

- مـاهـو دور منصب مستشارالشؤون الخارجية التقني للبيت الأبيض ، والذي شغله كيسنجر خلال انضمامه الطويل لروكفلر ، وذلك في الأيام الأولى لحكومة جون كنيدي ؟

- لـمـاذا يصف كيسنجرتجربة توليه لمنصب المستشار التقني العادي بالمخيّبة له ولجون كنيدي ؟

- هل يعـود ذلك الى مايطلق عليه كيسنجر بالأنـانـية الأكاديمية  ؟

- ام يرجع ذلك الفشل الى أن المستشار التقني العادي ليس قريباً نوعاً ما من الفريق المستقر حتى يساهم في القرارات الواجب اتخاذها خلال الأزمات ، بالرغم من أنه يندمج كلياً في تدابيرهم للإبقاء على الموقف المتعاظم والعجيب لمستشار في الشؤون الخارجية  ؟

- ماهـي قـصـة الحقبة التي تخلّى فيها الأساتذة - ولأول مرة- عن القيام بدورالمستشارين للوصول الى المسؤوليات الفعلية ؟

- لـمـاذا يحافظ الـرؤوساء في الولايات المتحدة الأمريكية على قـراءة أحدث كتب الأساتذة ،الى جانب مطالعة مايصدر من نقد لتلك الكتب ، ويتواصلون مع هؤلاء الأساتذة ويستشيرونهم ، ويسندون إليهم المسؤوليات رغم الكبرياء والأنانية الأكايمية التي يشير إليها كيسنجر في غير موضع ؟

لنحاول العثور على اجابات للأسئلة المتقدمة وغيرها من خلال مذكرات كيسنجر نفسه والذي يقول * :

1- وكان ريشارد نكسون قد أصبح الرئيس المنتخب كنت اتناول طعام الغداء مع الحاكم روكفلر وبعض مستشاريه في نيويورك في شّقته الصغيرة الكائنة في الطابق الرابع من متحف الفن البدائي، جرى ذلك يوم الجمعة الموافق 22تشرين الثاني 1968.                                                                                    

2- كنا نتناقش حول الموقف الواجب اتخاذه فيما لواستدعي روكفلر لتولي منصب في حكومة نكسون، وأي منصب سيشغله عند الإقتضاء. كانت الآراء متضاربة ،وبرأي بعض مستشاريه،قد يكون لروكفلرتأثيراً أكبركحاكم لولاية هامة،بما ان له يداً عليا في التنظيم السياسي للحزب. وعاكس آخرون مبيّنين ان هذه السلطة غير المباشرة قد تكون وهمية. وبنظرهم ان الحاكم لايتمكن أبداً من ممارسة أي نفوذ حقيقي على السياسة الإجمالية للأمة. وبجازف(إذا حاول ذلك) بفتح جروح قديمة في ظروف غير ملائمة بشكل خاص. وكان روكفلر ميالاً الى الرأي الأول، مظهراً صعوبة الخدمة كتابع لاسيما لنكسون.

3- من جهتي كنت أرى انه لو سنحت الفرصة لوجب على روكفلر دخول الحكومة بمنصب وزير الدفاع.والرئيس المنتخب قد يصبح بالتأكيد وزيره الخاص للشؤون الخارجية كما كان قد أعلن عن ذلك. أضف الى ذلك فأن الشؤون الخارجية ما كانت لتظهر بأنها تترك حرية العمل التي تتطلبها شخصية روكفلر. لقاء ذلك قد يكون قادراً في وزارة الدفاع على تحقيق المشاريع التي أوحت بها إليه اهتماماته بهذه القضايا منذ عشرات السنين. ولدى تفكيري بروبير مكمنارا رأيت فيه وزير دفاع في ظروف يتمكن فيه من لعب دور كبير في تسيير السياسة الخارجية.

4- كنا نتناقش في جوّكله هدوء. عندما قاطعتنا مخابرة هاتفية مصدرها مكتب الرئيس المنتخب. كان المتكلم دوايت شابن السكرتير المكلف بتحديد مواعيد نكسون،الذي طلب الّي(انا بالذات وليس روكفلر) لقاء رئيسه، لم يكن فعل هذا الاستدعاء سوى إظهار فشل سياسة روكفلر على المستوى الوطني بصورة مؤلمة. ومع الزمن بدا لي جليّاً بأن هذا الاستدعاء جعل مناقشاتنا بلا جدوى، مع ذلك توبعت المناقشات وكأن شيئاً لم يحدث، حتى أن واحد ممن كان يحضر الغداء تمكن من الإفتراض عندئذ ان الغاية من هذا الاستدعاء هي عرض منصب عليّ من الدرجة الأولى في الحكومة الجديدة.

5- لم يتملكني رجاء أو حماس. إذ انني خلال انضمامي الطويل لروكفلر كنت قد شغلت منصب المستشار التقني للبيت الأبيض في الأيام الأولى لحكومة جون كنيدي. في الفترة التي تخلّى فيها الأساتذة - ولأول مرة- عن القيام بدورالمستشارين للوصول الى المسؤوليات الفعلية.

6- كان الرئيس كنيدي قد قرأ كتابي : ضرورة الخيارThe Necessity For Choice الذي كان قد ظهر. (أو على الأقل قرأ النقد الطويل الذي ظهر في نيويوركر) وطلب إليّ أن أكون في عداد العاملين في البيت الأبيض. وجرى بيننا حوار طويل اغتبطت خلاله من حيويته وفكره الثاقب،وقد لمست ان نشاطه وتصوره الواسع يحققان طمأنينة أكثر في هذه المرحلة.

7- لم يحصل لديّ الانطباع ان مساعده الخاص لشؤون الأمن القومي، زميلي في هارفارد:

ماك جورج باندي، قد فكر على غرار الرئيس انه كان من الضروري اضافة استاذ آخر ذي كفاءة، أكاديمية مماثلة لملاك البيت الأبيض. ومهما يكن لم أكن مهيّاً لقطع علاقاتي بروكفلر، واتفقنا على أن أمضي يوما أو يومين اسبوعياًفي البيت الأبيض بصفة مستشار تقني ، وطبيعة عمل المستشار التقني الخارجي المرتبطة بأنانيتي الأكاديمية،التي لم تخفف منها أعباء الرئاسة اليومية في هذه المرحلة،جعلت هذه التجربة مخيّبة لي وله.

8- أن المستشار التقني العادي ليس قريباً نوعاً ما من الفريق المستقر حتى يساهم في القرارات الواجب اتخاذها خلال الأزمات. ومع ذلك فهو يندمج كلياً في تدابيرهم للإبقاء على الموقف المتعاظم والعجيب لمستشارخارجي. لقد أصبح بصورة شبه حتمية عبئاًعلى من يستطيع مساعدته، كما على من يجب عليه ارشادهم. فهو غير مدرك لأجهزةالرئاسة الداخلية. وكنت أبذل طاقتي في تقويم ارشادات لايرغبون فيها،وعرض مواضيع علمية على الرئيس كنيدي خلال لقاءاتنا النادرة وماكان ليستفيد منها شيئاً، بالرغم من اقراره بأنها استمالته- وهذا بعيد الاحتمال- وبشعور العزاء المتبادل تفارقنا في منتصف عام 1962.

9- لم يكن لدي أسباب، لأتوقّع دعوتي للاشتراك في حكومة نكسون. لم أكن لأعرف الرئيس المنخب ......فقط بعد انتخابات عام 1968 سنحت لي الفرصة ان أكوّن عنه رأياًشخصياً.

10- لم ألتق بريتشارد نكسون سوى مرة واحدة خلال عيد الميلاد الذي احتُفي به في منزل كلير لوس عام 1967، فدخل نكسون ساعة تأهبي للخروج، فاصطحبتنا الآنسة لوس الى المكتبة، وهناك صارحني نكسون انه قرأكتابي الأول:الأسلحة النووية والسياسة الخارجية Nuclear Weapons And Foreign Policy  واستخلص منه  معلومات،بالاضافة الى أنه كتب مذكرة بهذا الموضوع.

11- جرى لقائي الأول مع معاوني نكسون،أثناء المؤتمر الجمهوري في ميامي عام 1968 قبل الانتخابات،فيما لم  يكن على تعيين نكسون أي ظلال شك.وكنت قدقابلت ريشارد ف. آلن في الفترة الرئيسية التي كان فيها مستشار نكسون للسياسة الخارجية. لمحاولة الوصول الى اتفاق حول سياسة تجاه فييتنام لتجنب الخلافات خلال المؤتمر. كان همّي الرئيسي التأكد من ان البرنامج الجمهوري آخذ بعين الاعتبار التطلعات التي يضعها العديد في خطّة المباحثات. بعد أن تأكد تعيين نكسون،وجد اباعه أن المجابهة في قضية كانت قد ألحقت ضررا بالمؤتمرين السابقين و لم يعد هناك مبرر لوجودها،وبالتالي فان تسوية غير مرضية قبلت كعنصر معنوي،والذين هم من صف روكفلر لم يكن لديهم مايحتفل به.

12- بعد المؤتمر عدت الى هارفرد مقتنعاًبوضع حدّ للحياة السياسية الأمريكية خلال الحملة الانتخابية لعام 1968. عدة مبعوثين من قبل نكسون (والبعض كانوا يتصرفون من تلقاء أنفسهم) كانوا قد أخذوا رأيي بالهاتف. اما أنا فقد تبنّيت مبدأ للاجابة على الأسئلة الدقيقة للسياسة الخارجية،دون تنسيقها مع ارشادات التنظيم العام، ودون تقديمها في الحال. وهكذا تصرفت أيضاً مع معاوني هانفري.

..................................

المصدر: مذكرات كيسنجرفي البيت الأبيض 1968 – 1973 -المجلد الأول – ترجمة خليل فريجات ص(25- 21)- الطبعة الخامسة – 1999 – دار طلاس للدراسات والترجمة والنشر