المرأة ورئاسة الجمهورية

 

 

هانية جواد محمد 

 

في: 9-3-1426 هـ.

· الشائع بأن المرأة نصف المجتمع.

أقول: المرأة أكثر مِن نصف المجتمع.

لمكانتها، وموقعها، ودورها، وأدوارها، وتأثيراتها، حتى لو كان عدد النساء في مجتمع، أو شعب، أو أمة أقل مِن عدد الرجال، وإنْ لم تكن النسبة كذلك في الواقع، فعلى الأرض، وفي كثير مِن الدول الإسلامية، والعربية عدد النساء يفوق عدد الرجال.

فالمرأة تؤثر كأمّ في تربية كوادر المستقبل: الأطفال، قادة الغد، كما تؤثر كزوجة، وأخت، وربّة للأسرة إلى جانب ربّ الأسرة، وكعاملة، وموظفة، ومثقفة، وكاتبة، وصحفية، وباحِثة، ومُعارِضة، ومُصلِحة، وسياسية، ومُديرة، ومسؤولة، ومُرشحة، أو مُقترِعة لإنتخابات البرلمان، و...الخ، وبعبارة واحدة فالمرأة شقيقة الرجل، كما في الرواية الشريفة.

هذا هو الواقع الذي أكده، وكرّسه وسمحَ ما يترتب عليه الإسلامُ بنصوصه، والفقهاء في فتاواهم، حسب المشهور الموثق منهم، وقبل فترة، وحين طُرِح على بساط البحث الموقف مِن تخصيص 25 في المائة مِن مقاعد المجلس الوطني العراقي للمرأة، نُسِبَ إلى سماحة المرجع السيد علي السيستاني (حفظه الله) بأنه أفادَ ما منه مضموناً بهذا الخصوص:

ليكن البرلمان كلّه مِن النساء، المهم أن تكون الكفاءة هي المحور....

· المرأة تُشكِّل قاعدة لصياغة الرأي العام تفوق بكثير عن الـ50 في المائة، لتأثيراتها المتعددة وعلى مختلف المستويات، بشكل أو بآخر، أو بنسبة أو بأخرى، وهذا واضح فيما تقدم فهي تؤثر كأمّ، وزوجة، وأخت، وصحفية، و.... الخ، لما تقدمَ وليس هناك مَنْ ينكر إنكار دور الرأي العام، وتأثيراته.

· المرأة تُشكِّل ما لا يقل عن الـ 50 في المائة مِن الناخبين، بلْ يمكن أن تُشكِّل ما لا يقل عن الـ 50 في المائة مِن كلِّ المجتمع، لأن للمرأة والرجل، ومنذ الولادة، وحتى قبل البلوغ حقّ الإنتخاب، كما ذهبَ إلى ذلك سماحة المرجع الراحل السيد محمد الشيرازي (رحمة الله عليه).

والدلائل كثيرة، أحببت الإشارة فقط إلى أن دور المرأة كبير، وأكبر مِن الكبير، وعليه فلا أمل بفجر جديد مع أي فهم ذاتي تهميشي لدور المرأة، وقضاياها المحورية.

أنا لست بأخصائية في الفقه، أو القانون، أو الشريعة، لكن على ضوء كل ما قدمته:

ألا يستحِقُ تصدّي المرأة لمنصب رئاسة الجمهوري البحث الفقهي مُجدداً؟

طبعاً أنا لا أتفق مع تفسير المساواة بالمساواة المطلقة دائماً، لأن هدف المساواة هو تحقيق العدالة، وتحقيق العدالة يكون حيناً بالمساواة، وآخراً بالتكافؤ، وآخراً بالتمييز الإيجابي التعويضي، وهذا ما يرجع إليه فقهاء الدستور، وقوانينه، وقضاة المحاكم العليا حتى في الدول العريقة في تطبيق الديمقراطية، كما أعرِفُ، ولأسباب مختلفة لَمْ تتمكن لحدِّ اليوم المرأة الأمريكية مِن الوصول إلى رئاسة الجمهورية في الولايات المتحدة، كما أنها لَن تفلح في إحتلال أكثر مِن حوالي 15 في المائة مِن المقاعد في المجلسين كمعدل، ولَنْ أبحث عن الصور النمطيّة المختارة لتلميع الأنظمة، بالإيحاء عبرَ ذلك بأن المرأة تقدمت فعلاً، وأستوفت حقوقها.

وإنما دعوت إلى ذلك لمعرفة حقيقة الموقف الإسلامي، وعكس واقعه الحضاري الذاتي، ولسد الأبواب أمام المزايدات، والإتهامات التي تُوجه للإسلام بنوايا متباينة، وأساليب مختلفة غير أمينة، تخلط الأوراق، تعكس على الإسلام الواقع تارة، والأعراف والتقاليد تارة، وممارسات السلطات تارة أخرى، وتذهب بعيداً لتُعمم نصفية حق المرأة في الإرث الخاص ببعض موارد تقسيم الإرث !!!.

ومِن الطريف أني قرأت لكاتب يقول: بأن للمرأة نصف رأي في الإنتخابات !!؟.

على كل حال، لما كان الإسلام في نصوصه جعلَ المرأة في مكانة وموقع لَمْ يصل إليه الغرب بعد، والأصل في الإسلام تساوي الرجال والنساء إلا ما خرج بالدليل:

فهلْ حقّ ترشيح المرأة لتصدي رئاسية الجمهورية مما خرجَ بالدليل؟

فإنني أعتقد أن البحث الفقهي المتخصص ما زال بحاجة إلى إشباع أكثر، لماذا؟

لأسباب عديدة ترتبط بموضوع هذا الحكم مِنها:

1.  رئاسة المرأة، أو ولاية المرأة مبحوثة مِن زاوية تمركز السلطات في سلطة واحدة، لا كما هو الحال في الوقت الحاضر حيث تجزئة السلطة إلى سلطة قضائية، وتشريعية، وتنفيذية، ورئاسة الجمهورية لا تشمل إلاّ جزءاً مِن صلاحيات ومهمات السلطة التنفيذية.

2.  نفس منصب رئاسة الجمهورية يكون ذا صلاحيات محدودة نسبياً، حسب إختلاف الدساتير طبعاً، ولاسيما إذا كان النظام برلمانياً، أو بعيداً عن الرئاسي.

3.  إن دور ومواقف الرئيس يرسمه المستشارون، ويحدده البرلمان، ويخضع نظرياً إلى مسائلة ومحاسبة ورقابة البرلمان، القضاء والمحكمة الدستورية العليا، إضافة إلى بروز مفاهيم اللامركزية الإدارية، ومعطيات الشفافية الإدارية، والنـزاهة، مما يعمل على ترشيد عمل رئيس الجمهورية سواء أكان رجلاً، أم مرأة.

وأتصورُ أنّ الحاجة لتناول هذا الموضوع كبيرة، ولاسيما مع التعامل التجزيئي الإسقاطي الـمُغرِض لبعض الكِتابات ولاسيما في بعض وسائل الإعلام هنا، أو هناك، والتي تقتطع جزءاً مِن حديث شريف، وتخرجه من سياقه، أو تلتقط حادثة جزئية نادرة أو عبارة مِن التاريخ أو الفقه النظري (العلمي) لتنسبها إلى السيرة، أو الفقه العملي، أو .... الخ.

كما هناك ضرورة للفرز بين كلّ مِن النصوص الشرعية المرتبطة بالأحكام التالية:

1. إجتهاد المرأة في الفقه.

2. إجتهاد، وإفتاء المرأة.

3. مرجعية المرأة للتقليد.

4. تصدي المرأة للقضاء.

5. تصدي المرأة للولاية.

6. تصدي المرأة للتمثيل البرلماني.

7. تصدي المرأة لرئاسة الجمهورية في نظام لا يتميز بفصل السلطات.

8. تصدي المرأة لرئاسة الجمهورية في نظام يتميز بفصل السلطات.

9. تصدي المرأة لرئاسة الجمهورية في نظام يتميز بفصل السلطات في نظام برلماني.

10. تصدي المرأة لرئاسة الجمهورية في نظام يتميز بفصل السلطات في نظام رئاسي.

فمفروضات البحث، أو الموضوعات تُغيّر النتائج، أو الأحكام، كما أن تعميم النص الشرعي، مثلاً الناظر إلى القضاء، إلى غيره، مع إنعدام وحدة الملاك، أو وحدة المناط، يقود إلى نفس الأمر.

وبعيداً عن محاولة تطويع النص لهذا الرأي، أو ذاك، أو الأدلة الإستيناسية، أو ....، بل للإقتراب المسؤول الـمُلتزِم عن الحقيقة، لقد قرأت في ختام بحث مسألة إشتراط الرجولية في المجتهد، أو المجتهد المرجِع ما نصه:

(هذا وما ذكروه أو يمكن أن يذكر في المسألة، ولعل المتتبع يجد غير ذلك، والأدلة مِن الطرفين وإنْ كانت مخدوشة، إلاّ أن الإشتراط أقوى لقوة الأدلته. والله العالم).

إذا كانت نصوص هذه المسألة تُحتم المزيدَ مِن البحث والتنقيب والتناول، فكيفْ إذن الأمر فيما يرتبط بالحكم الشرعي لتصدي المرأة لمنصب رئاسة الجمهوري في إطار الإلتزام الكامل بالموازين الشرعية كالحجاب والكفاءة والعفاف؟

وفي إطار ما ذكرته عن تطوّر مفهوم رئاسة الجمهورية إنْ صحّ التعبير.

وأخيراً فالمزايدات الدعائية في الإعلام تحول خطف أكثر مِن 50 بالمائة مِن الآراء في مجتمعاتنا، فلابد مِن وضع النقاط على الحروف، ولاسيما في عصر الحوار والإنفتاح.

 والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

هانية جواد محمد

 

     siironline.org