الدستور أو النظام الانتخابي : أيهما الأهم في النظام الديمقراطي

-2-

 

 

 

القسم الثاني

الإطار التشريعي

يتناول هذا القسم القوانين والأنظمة الإدارية التي هي أساسية لكل انتخابات حرة وعادلة وفيه تحلَّل أهم الخيارات المفيدة لإجراء عملية انتخابية ديمقراطية، والأدوات القانونية الصالحة لوضع الأنظمة الانتخابية والنقاط التي ينبغي أن تشملها هذه الأنظمة.

ففي هذا القسم، محاولة للاجابة عن الأسئلة التالية:

ما هي العوامل التي ينبغي أخذها في الحسبان عند وضع أو تعديل القواعد التي تنظّم العملية الانتخابية؟

ما هي عناصر العملية الانتخابية التي ينبغي أن يتناولها التشريع؟

ما هي الخصائص الأساسيَّة للإصلاح الانتخابي؟

الإطار التشريعي يتناول التشريعات والقوانين التي تنظّم سير الانتخابات وأنشطة مديريها. فالإطار التشريعي لا يحدّد النظام السياسي فقط (برلماني، رئاسي أو غيره)، ونمط الحكم (ملَكي، جمهوري أو غيره) والبنية الإقليمية (فدرالية أو اتحادية)

بل يحدّد أيضاً الطريقة التي تجري بها الانتخابات والجهة المسؤولة عنها والموارد المتاحة لها. فعدالة الانتخاب وفاعليته تتوقَّفان، إلى حدّ كبير، على ملاءمة هذا الإطار التشريعي الواسع ومن المبادىء الرئيسية التي تجعل النظام الانتخابي حرّاً وعادلاً، ينبغي أن تتوافر فيه الشروط التالية:

يجب أن يتمتَّع جميع المواطنين بحقّ الاقتراع والمشاركة في الشؤون العامة (الترشّح لمنصب عام... إلخ).

يجب أن تجري الانتخابات بصورة دورية.

يجب أن تجري الانتخابات ضمن احترام الحقوق الأساسية للمواطنين.

يجب أن تضمن اجراءات الاقتراع حريّة الاختيار، سريّة التصويت، وصحة فرز البطاقات.

يجب أن تمارس مراقبة العمليات الانتخابية هيئة انتخابية مستقلة عن بقيّة سلطات الدولة.

النصوص القانونية التي تحكم تنظيم الانتخابات

تتألف القواعد التي تحكم تنظيم الانتخابات واجراءها من مجموعة واسعة من النصوص يمكن تصنيفها على أربع درجات، بحسب الترتيب التالي:

القواعد الدستورية

قوانين الانتخاب

الأنظمة الإدارية التي هي على درجة أدنى من القوانين (يمكن أن تصدر عن الإدارة العامة للدولة أو عن هيئات خاصة مكلّفة إدارة الانتخابات).

الشرعة المسلكيَّة (الضمنيَّة أو العلنيَّة).

تكوّن هذه الدرجات الأربع الإطار التشريعي المعقَّد الذي يحكم إجراء انتخابات ديمقراطية. ومن المهم أن توضع كل قاعدة في الدرجة المناسبة فتنظيم الانتخابات وإدارتها يتطلّبان قواعد تراوح بين القوانين الأساسيّة المحدِّدة لحقّ الاقتراع والشرعة المسلكية، الضمنيَّة أو العلنيَّة، التي تحكم العلاقات بين المرشحين المتنافسين.

بالطبع، إن الدرجات الأربع مترابطة فيما بينها، بحيث إن الأنظمة التي لا تغطيها درجة معيَّنة، تغطيها درجة أخرى، هي حتماً تلك الأدنى أو الأعلى منها مباشرةً. وعلى المشرَّعين في كل بلد أن يختاروا الأدوات القانونية الأنسب لتنظيم الأنشطة الانتخابية.

يجب أن يكون تنظيم الأنشطة الانتخابية موضع توافق واسع من حيث المحتوى. كما يجب أن يضمن استمرارية عناصره الأساسية، مثل تحديد بنية النظام الانتخابي ومجمل القواعد الضامنة لحقّ الاقتراع ولكن، ليس من الجائز أو المناسب إرساء تنظيمات انتخابية، بصورة حصرية، على قانون يصعب تعديله فالتجربة العملية أكّدت ضرورة الحفاظ على هامش مناورة يتيح تعديل التنظيمات وتفسيرها، إما بتنظيم إداري أو بقرار من السلطة المسؤولة عن الانتخابات.

استراتيجيات وضع أو تعديل التنظيمات الانتخابية

يجب أن تكون التنظيمات الانتخابية على الدوام موضع توافق سياسي، وخصوصاً في المراحل الانتقالية. فمن الصعب جداً تحديد الاستراتيجية الأنسب لبلد ينتقل من مجموعة تنظيمات انتخابية إلى مجموعة أخرى.

لذا، ينبغي إيجاد حدّ وسط بين استراتيجية قصوى تسعى للحصول على توافق عريض دون الاهتمام بالمهلة اللازمة، وبين استراتيجية دنيا تحصر التغييرات في التنظيمات الضرورية تماماً لإجراء انتخابات تنافسيَّة.

وتثبت التجربة العملية أن هاتين الإستراتيجيتين تنطويان كلتاهما على سيّئات كبيرة.

أما الحلّ الأمثل فيقضي بإيثار استراتيجية ثالثة تجمع حسنات الاثنتين الأوليين.

وبموجب هذه الاستراتيجية التوليفيَّة، تعدّ الحكومة مجموعة تنظيمات موقتة بحيث ترعى هذه الأخيرة أول انتخابات فقط وتفوّض إلى البرلمان المقبل مهمة سنّ قانون انتخابي جديد.

لقد اختارت بوروندي وبعض ديمقراطيات أوروبا الجنوبية هذه الاستراتيجية. وحالة اسبانيا مثيرة للاهتمام بوجه خاص:

فأهم عناصر التنظيمات الانتقالية (التي أقرّتها الحكومة في آذار/مارس 1977 لانتخاب أول برلمان ديمقراطي بعد وفاة الدكتاتور فرانكو) أُدخلت حرفياً في القانون الأساسي الجديد الأكثر ديمومةً.

على العموم، قبل وضع تنظيمات انتخابية جديدة، يتعيَّن على القوى السياسية أن تحترم بعض المعايير العامة المتَّفق عليها سلفاً.

وبصورة خاصة، عليها أن تتفاهم على أهداف الإصلاح، وعلى الروزنامة التقريبية والاجراءات العملية الرامية إلى تسهيل تنفيذ المهمات التقنية وضمان الشفافية. فمع أن الاصلاحات التي قامت بها تنـزانيا والمغرب طُبِّقت تدريجياً ، فهي تعرَّضت لانتقادات حادة بسبب عدم دقتها وافتقارها إلى أهداف محدّدة وروزنامة واضحة، لا بل، في حالة الاصلاح المغربي، بسبب غياب أيّ تنظيم من شأنه التدليل على التقدّم في المسار الانتقالي.

من أهم المقوّمات العملية الانتخابية

ينبغي أن يشمل الإطار التشريعي المنظِّم للانتخابات أهم مقوِّمات العملية الانتخابية، ولا سيّما نوع النظام الانتخابي، وحقّ الاقتراع، وسجلّ الناخبين، والقواعد المنظِّمة للأحزاب والمرشَّحين والحملات والعمليات الانتخابية.

نوع النظام الانتخابي:

يمكن تعريف النظام الانتخابي كمجموعة أحكام تنظيمية لها تأثير مباشر في تحويل الأصوات إلى مقاعد؛ بتعبير آخر، يمكن أن تولّد هذه الأحكام نتائج مختلفة، على صعيد التمثيل، انطلاقاً من عدد الأصوات نفسه. وعليه، فإنَّ قرارات المشرّعين فيما يخصّ نوع النظام الانتخابي هي قرارات أساسية.

حقّ الاقتراع المضمون :

يجب أن يكون حقّ الاقتراع عاماً، بحيث يتمّ تدارك كلّ حالة متعذِّرة التبرير من حالات التمييز أو حرمان حقّ الاقتراع وهذا يعني أن أيّ سحب لحقّ الاقتراع لا يمكن أن يُبنى على أحكام مسبّقة، وأن أسباب السحب المقبولة يجب أن تعلَّل بطريقة حصرية، وأنها يجب أن تسعى، في جميع الأحوال، للحفاظ على حرية وعدالة التعبير عن الإرادة الجماعيَّة.

وضع سجلّ للناخبين:

إنّ مسك سجلّ بأسماء الناخبين هو عنصر حاسم في الممارسة الكاملة لحقّ الاقتراع. فالسجلّ يحدّد مَن يحقّ له التصويت في انتخاب ما. لذا، من المهم جداً أن يُعاد النظر باستمرار في المعطيات التي يحتويها، وأن يتمّ التأكّد من أن القيود الجديدة والشطوب مثبتة فيه، وأن يجري تدارك القيود المزدوجة. ثم إن إعلان المعطيات التي يتضمّنها السجلّ أمر إلزامي من أجل ضمان حق الاقتراع للجميع وتأمين شفافيَّة العملية وعدالتها.

الأنظمة الخاصة بالأحزاب السياسية والحملات وإدارة الانتخابات:

- إن إجراء الانتخابات يستلزم اتّخاذ قرارات عدة:

- في أيّ وقت ينبغي إطلاق الانتخابات ؟

- كيف ومتى تُعلن النتائج ؟

- مَن يستطيع أن يترشَّح ؟

- مَن يستطيع تقديم مرشحين ؟

- وبأية شروط ؟

- ما هي الأنشطة المقبولة في أثناء حملة انتخابية لالتماس أصوات الناخبين ؟

- أيّ نوع من المساعدة الرسمية والخاصة يمكن أن يتلقّاها المرشحون والأحزاب ؟

- وكيف يجب أن تتمّ عمليات الاقتراع؟

التنظيم المتعلّق بالأحزاب والمرشحين والحملات الانتخابية:

قبل إطلاق أيّ انتخابات، يتوجَّب على الأشخاص الراغبين في تقديم ترشيحاتهم إبلاغ المسؤولين بذلك. وبعد التحقّق مما إذا كان هؤلاء الأشخاص مستوفين الشروط المطلوبة، يعلن المسؤولون أسماء المرشحين الذين سيلتمسون أصوات الناخبين. أحياناً، يجب أن تتوافر في المرشحين والأحزاب شروط إضافية ليستحقوا بعض أشكال المساعدة الرسمية (تمويل الحملة، اعلانات في وسائل الإعلام، استخدام أماكن أو منشآت عامة...إلخ) والغاية من فرض هذه الشروط هي التحقّق من جدّية أهداف المرشح والحؤول دون تكاثر المرشحين الذين يفتقرون إلى تنظيم انتخابي أساسي.

على الرغم من تعدّد الإمكانات المتاحة، فإنَّ الأحزاب السياسية هي التي تقترح وتقرّ الترشيحات عموماً. فدور الأحزاب في العملية الانتخابية مهم: إنها تساعد على التمثيل العادل للهيئة الناخبة وعلى تكوين أكثرية متمتّعة بدعم انتخابي على جانب من القوة لتأليف حكومة مستقرَّة ومستديمة. وما يمكّنها من الاضطلاع بهذا الدور هو قدرتها على تجميع مرشّحين وهيكليَّات سياسية في إطار أوسع من الدائرة الانتخابية. إنّ مجتمعاً حسن التنظيم نسبياً، منفتحاً وديمقراطياً، يمكنه قوننة نظام الأحزاب السياسية، شرط ألاّ يعيقه.

الأدوات التشريعيَّة ينقسم التشريع الذي يحكم تنظيم وإدارة الانتخابات إلى أربع درجات بحسب الترتيب التالي:

القواعد الدستورية

قوانين الانتخاب

الأنظمة الإدارية

الشرعة المسلكيَّة (الضمنيَّة أو العلنيَّة)

يمكن أن تبدأ الحملة الانتخابية منذ الاعلان الرسمي عن الترشيحات وتكوين التحالفات بين الأحزاب والمرشحين. فالحملة الانتخابية هي، على الصعيد القانوني، مجموع الأنشطة المشروعة التي تمارس للفوز في الانتخاب. وغالباً ما تكون هذه الأنشطة مموَّلة بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، وجزئياً على الأقل، بواسطة أموال عامة. على أنه يجب أن تحكمها اجراءات ومسلكيَّات رامية إلى ضمان المساواة بين المرشحين ونزاهة العملية وحياد السلطات العامة.

تنظيم عمليات الاقتراع

إنَّ تنظيم الانتخابات عمل معقّد جداً. وينبغي على مديري الانتخابات التأكّد من أن جميع المواطنين يتمتّعون بالتسهيلات التي تتيح لهم الاقتراع في الموعد المحدّد، وأنهم يفهمون التدابير المرعيَّة الإجراء ويدلون بأصواتهم بكل حريَّة.

من أجل ذلك، يتعيَّن على المنظّمين أن يضعوا خريطة انتخابية، ويحدّدوا أماكن مكاتب الاقتراع، ويعيّنوا العاملين في هذه المكاتب، وينظّموا عمليات التصويت والفرز، ويزوّدوا جميع العاملين تعليمات واضحة ودقيقة إضافةً إلى ذلك، عليهم أن يتّخذوا احتياطات حمائية تداركاً لكل ما من شأنه تشويش عملية الاقتراع.

لدى انتهاء التصويت، عليهم أن يجمّعوا النتائج وينقلوها إلى المكتب المركزي لكل دائرة، أو حتى إلى المكتب المركزي العام للبلد بأسره. ويقوم هذا المكتب بحساب النتيجة الاجمالية قبل إعلانها رسمياً. وهذا ما يُسمَّى تجميع الأصوات أو، بتعبير قانوني، التدقيق العام في النتائج.

تكوين هيئة انتخابية

إنَّ بنية الهيئة الانتخابية هي أحد مقوّمات العملية الانتخابية، التي تتوافر في شأنها أوسع مجموعة من الخيارات فعلى العموم، كلما ازداد التشكيك في مؤسسات البلد العادية، وجب أن تكون الهيئة الانتخابية قوية ومستقلّة، ما عدا في الدول الاتحادية المجتمعة ديمقراطياً وعليه، يمكننا أن نضع "سلَّماً من التشكيك"، إذ غالباً ما تؤدّي درجة التشكيك القصوى إلى قيام "سلطة رابعة" على غرار المحاكم الانتخابية النموذجية في أميركا الوسطى.

من جهة أخرى، تولّد درجة التشكيك الدنيا نموذجاً يتّصف باستمرار الإدارة والسلطة القضائية في العمل بصورة طبيعية في أثناء الانتخابات (مثلاً: في ألمانيا).

يبدو أن الحلّ الأكثر رواجاً في البلدان الحديثة في الديمقراطية هو :

إنشاء لجنة انتخابية تحلّ محلّ الإدارة الحكومية، لكنها تدع السلطة التشريعية أو المحكمة الدستورية تمارس صلاحيّتها في المسائل الانتخابية. ويحول هذا الحلّ دون قيام سلطة رابعة، كما هو شأن المحاكم الانتخابية في أميركا الوسطى.

حلّ النـزاعات في العملية الانتخابية

في كل مرحلة من مراحل العملية الانتخابية، يمكن أن تكون القرارات المتّخذة من قِبل مديري الانتخابات مبعث نـزاعات أو شكاوى حينئذٍ، يمكن أن تتدخَّل ثلاثة أنواع من الهيئات:

الهيئة الانتخابية (سواء بصفة تنظيم إداري بحت أو كمحكمة)

المحاكم العادية

الهيئات المكلَّفة مراقبة دستورية العملية ولكي تكون الهيئة المعنيَّة فعَّالة، يجب أن تكون مستقلَّة وأن يعترف باستقلاليتها جميع المعنيّين بالشكوى إن هذا الشرط أساسي إذا اردنا أن تكون القرارات المُصدَرة مقبولة من جميع الأطراف.

الاعتبارات المالية والإدارية

لكي يكون النظام الانتخابي فعَّالاً، عليه أن يُعنى بالجانب المالي للعمليات الانتخابية فالهدف الأول للانتخاب يبقى تأليف حكومة شرعية واحترام الحرية، وخصوصاً في أثناء المراحل الانتقالية.

ففي الواقع، ما دامت هذه القضية الجوهرية من دون حلّ، سيكون متعذّراً حلّ مشاكل البلاد الأخرى، الاجتماعية والسياسية. مع ذلك، لا يسع أيّ بلد أن يجيز لنفسه الحفاظ على بنية انتخابية حين تتجاوز كلفتها امكاناته .

اختيار واستعراض : عفاف حسين

المصدر : ايس بتصرف 28-5-2005