الدستور وهوية العراق
عدنان حسين
ما سيتعين على لجنة صياغة الدستور العراقي الدائم التي شكلتها الجمعية
الوطنية (البرلمان) عمله تحديد هوية النظام السياسي للعراق، حسب ما جاء
في التصنيف الذي وضعته اللجنة للموضوعات التي ستتوزع عليها اقسام وثيقة
الدستور.
هذا موضوع في غاية الاهمية. وبالطبع فان هوية البلاد تحدد هوية نظامها
السياسي، والخلاف على هوية العراق كان احد الاسباب الرئيسية للصراع
العنفي الذي ميّز تاريخ العراق خلال نصف قرن مضى
وبينما لم يحدد اول
قانون اساسي (دستور) للدولة العراقية (صدر عام 1925) أي هوية قومية او
دينية لهذه الدولة (مادته الثانية نصت على ان «العراق دولة ذات سيادة
مستقلة حرة»، والخامسة اعلنت ان «لا فرق بين العراقيين في الحقوق امام
القانون وان اختلفوا في القومية والدين واللغة»)، فان القوميين العرب
بذلوا طاقة هائلة لجعل هذه الهوية عربية خالصة رغم انه بعد تشريع
القانون الاساسي أُلحقت بالعراق ولاية الموصل التي جعلت من الدولة
الوليدة كيانا متعدد القوميات يضم الاكراد والتركمان والآشوريين
والكلدان الى جانب العرب.
خلال
العهد الملكي، خصوصا بعد وفاة الملك فيصل بن الحسين (الاول)، عطل
القوميون العرب العمل بكل القوانين الملزمة باقرار وتطبيق حقوق
القوميات الاخرى، وبخاصة الاكراد، التي اقرها القانون الاساسي
والمعاهدات والمواثيق التي وقعت عليها الحكومات العراقية
وهذا ما تسبب
في سلسلة من حركات الاحتجاج التي تطورت، بسبب اللجوء الى القوة المسلحة
الغاشمة لقمعها، الى انتفاضات وثورات (تمردات بالتعبير الرسمي).
ومنذ الايام الاولى للعهد الجمهوري ـ حتى قبل ان يشرع الحكم الجديد
بوضع برنامج عمل له ـ جعل القوميون العرب، بعثيين وحركيين (اعضاء حركة
القوميين العرب) وناصريين، قضية الالحاق الفوري للعراق بالوحدة المصرية
السورية ام القضايا، ونظموا المؤامرات ومحاولات الانقلاب والتمردات
العسكرية والاغتيالات ضد الحكم الجديد ومسؤوليه والقوى السياسية الاخرى
التي عارضت مطلبهم او تحفظت عليه، ثم تعاونوا مع الشياطين لقلب نظام
الحكم، وهو ما تحقق لهم في شباط (فبراير) عام 1963، لكنهم لم ينجزوا
مطلبهم ذاك الذي دمروا العراق من اجله رغم انهم حكموا العراق بعد ذلك
اربعين عاما متصلة امضوها في معاداة سورية ومصر!
هوية العراق واضحة، هي انه بلد متعدد القوميات والاديان والمذاهب..
انها هوية عراقية، الوانها مختلفة واطيافها متفاوتة، تجمع بين العربي
والكردي والتركماني والآشوري والكلداني والارمني... المسلم والمسيحي
واليهودي والازيدي والصابئي. هذا التنوع يحتم ان يكون النظام السياسي
للعراق ديمقراطيا فيدراليا.
لم تكن هوية العراق عربية، ولن تكون الا اذا ابيد الاكراد والتركمان
والآشوريون والكلدان والارمن عن بكرة ابيهم، وهذا ما حاوله بكل جد
واجتهاد نظام البعث وفشل فيه وكما هو واضح للجميع الآن فان العرب هم الاقل اهتماما بالعراق والادنى
خوفا على مصير الشعب العراقي.. بل انهم الاكثر تعديا على حقوقه وتجاوزا
على سيادته بدعمهم اعمال الارهاب الشنيعة الجارية باسم القومية والدين.
من اقاصي الارض يأتي الرؤساء ورؤساء الحكومات والوزراء الى بغداد
والبصرة والموصل واربيل... والفلوجة ايضا... ومن اقاصي الدنيا يأتي
المتطوعون والخبراء ليساعدوا العراقيين في اعادة اعمار ما خرّبه
القوميون العرب. اما العرب فما من احد منهم يبعث وزيرا، او حتى سفيرا،
ليلقي على العراقيين ولو كلمة طيبة، مع ان العرب كانوا وما زالوا افضل
بيّاعي الكلام في العالم!
العرب انفسهم يساهمون الآن في تحديد هوية العراق... العراقية وبس.
المصدر
: الشرق الاوسط 28-5-2005
|