السيد المرجع: من خصائص ثقافة الغدير العدل والمساواة والإيثار وحبّ
الخير للآخرين
إن الذين
ظلموا أمير المؤمنين سلام الله عليه وغصبوا الخلافة لم يظلموا الإمام
وحده فقط، وإنما ظلموا المؤمنين والإنسانية كلّها والتاريخ... هذا ما
قاله المرجع الديني سماحة السيد صادق الحسيني الشيرازي في كلمة ألقاها
على أساتذة وطالبات (الحوزة الفاطمية) من مدينة طهران في بيته بمدينة
قم المقدسة يوم الأحد الموافق للسابع عشر من شهر ذي الحجة الحرام 1427
للهجرة.
وقال سماحته
أيضاً مشيراً إلى مقطع من زيارة الغدير للإمام الهادي سلام الله عليه
وهو: «وحال بينك وبين مواهب الله»
وقال:إن بعض
الخصائص التي وهبها الله سبحانه وتعالى للإمام علي سلام الله عليه لا
ترتبط بخلافته الظاهرية. فهو سلام الله عليه ولي الله وحجّته على الخلق
أجمعين، وإمام المتّقين، وباب مدينة علم الرسول الأعظم صلّى الله عليه
وآله، سواء كان حاكماً أو جليس البيت. وللإمام سلام الله عليه خصائص
أخركانت ستعطي ثماراً وخيراً كثيراً للناس كافة لو أن الأمة أطاعوه
واتبعوه، كما قال سلام الله عليه: «ولو أن الأمة منذ قُبض رسول الله
صلى الله عليه وآله اتبعوني وأطاعوني لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم».
لكن أعداء الله منعوا تحقق ما أوصى به رسول الله صلّى الله عليه وآله
يوم الغدير وحرموا الناس من مواهب الإمام بإقصائهم للغدير، وصاروا
سبباً لكل ظلم وقتل وفساد وفقر وسنّة سيئة ووصف سماحته ثقافة الغدير
بأنها مدرسة لبناء وتربية مجتمع سليم، وباقي الثقافات بأنها واهية
وضالة وقال: إن ثقافة الغدير ربّت المؤمنين والصلحاء ومنهم أبو ذر
الغفاري رضوان الله تعالى عليه الذي زرع بذرة التشيّع في جبل عامل
اللبنانية فكان من ثمار ذلك أن خرّجت هذه البلدة الآلاف من المؤمنين
والعلماء الصالحين أما باقي الثقافات فإنها قد صنعت أشخاصاً منسلخين عن
الإنسانية بل دمويين أكثر من الحيوانات المفترسة.
وأضاف
سماحته: إن من خصائص ثقافة الغدير العدل، والمساواة، والإيثار والتضحية
وحبّ الخير للآخرين ونبذ الدنيا وزخرفها وزبرجها. فهذا أبو ذر رضوان
الله عليه فضّل الغربة والبعد عن الوطن على الراحة. فقد نفاه عثمان إلى
الشام، فقام هناك يدعو الناس إلى أهل البيت الأطهار سلام الله عليهم
أجمعين، فأرسل معاوية رسالة إلى عثمان حذّره فيها بأن بقاء أبي ذر
سيفقده الشامات. فردّه عثمان إلى المدينة على بعير عليه قتب يابس، معه
خمسمئة من الصقالبة يطردون به حتى أتوا به المدينة وقد تسلّخت بواطن
أفخاذه وكاد يتلف، فقيل له: إنّك تموت من ذلك. فقال: هيهات لن أموت حتى
أنفى.., بعد ذلك نفاه عثمان إلى الربذة فقضى نحبه فيها من شدة الجوع.
وجاء في
الروايات الشريفة: عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الْفَزَارِيِّ قَالَ: دَعَا
أَبُو عَبْدِ اللَّهِ [الصادق] سلام الله عليه مَوْلًى يُقَالُ لَهُ
مُصَادِفٌ فَأَعْطَاهُ أَلْفَ دِينَارٍ وَقَالَ لَهُ: تَجَهَّزْ حَتَّى
تَخْرُجَ إِلَى مِصْرَ فَإِنَّ عِيَالِي قَدْ كَثُرُوا.
قَالَ:
فَتَجَهَّزَ بِمَتَاعٍ وَخَرَجَ مَعَ التُّجَّارِ إِلَى مِصْرَ،
فَلَمَّا دَنَوْا مِنْ مِصْرَ اسْتَقْبَلَتْهُمْ قَافِلَةٌ خَارِجَةٌ
مِنْ مِصْرَ فَسَأَلُوهُمْ عَنِ الْمَتَاعِ الَّذِي مَعَهُمْ مَا
حَالُهُ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ مَتَاعَ الْعَامَّةِ فَأَخْبَرُوهُمْ
أَنَّهُ لَيْسَ بِمِصْرَ مِنْهُ شَيْءٌ، فَتَحَالَفُوا وَتَعَاقَدُوا
عَلَى أَنْ لا يَنْقُصُوا مَتَاعَهُمْ مِنْ رِبْحِ الدِّينَارِ
دِينَاراً، فَلَمَّا قَبَضُوا أَمْوَالَهُمُ انْصَرَفُوا إِلَى
الْمَدِينَةِ فَدَخَلَ مُصَادِفٌ عَلَى أَبِي عَبْدِ اللَّهِ سلام الله
عليه وَمَعَهُ كِيسَانِ كُلَّ وَاحِدٍ أَلْفُ دِينَارٍ فَقَالَ:
جُعِلْتُ
فِدَاكَ هَذَا رَأْسُ الْمَالِ وَهَذَا الآخَرُ رِبْحٌ.
فَقَالَ:
إِنَّ هَذَا الرِّبْحَ كَثِيرٌ وَلَكِنْ مَا صَنَعْتُمْ فِي
الْمَتَاعِ؟
فَحَدَّثَهُ
كَيْفَ صَنَعُوا وَكَيْفَ تَحَالَفُوا، فَقَالَ: سُبْحَانَ اللَّهِ
تَحْلِفُونَ عَلَى قَوْمٍ مُسْلِمِينَ أَنْ لا تَبِيعُوهُمْ إلاّ
بِرِبْحِ الدِّينَارِ دِينَاراً؟!
ثُمَّ
أَخَذَ أَحَدَ الْكِيسَيْنِ وَقَالَ: هَذَا رَأْسُ مَالِي وَلا حَاجَةَ
لَنَا فِي هَذَا الرِّبْحِ.
ثُمَّ
قَالَ: يَا مُصَادِفُ مُجَالَدَةُ السُّيُوفِ أَهْوَنُ مِنْ طَلَبِ
الْحَلالِ(4).
كما ذكرت
الروايات: كان ابن أبي عمير رجلاً بزّازاً وكان له على رجل عشرة آلاف
درهم فذهب ماله وافتقر، فجاء الرجل فباع داراً له بعشرة آلاف درهم
وحملها إليه فدقّ عليه الباب فخرج إليه محمد بن أبي عمير رحمه الله
فقال له الرجل:
هذا مالك
الذي لك عليّ فخُذه.
فقال ابن
أبي عمير: فمن أين لك هذا المال؟ ورثته؟
قال: لا.
قال: وهب
لك؟
قال: لا،
ولكني بعت داري الفلاني لأقضي دَيني.
فقال ابن
أبي عمير رحمه الله: حدّثني ذريح المحاربي عن أبي عبد الله سلام الله
عليه أنه قال:
لا يخرج
الرجل عن مسقط رأسه بالدَين، ارفعها فلا حاجة لي فيها، والله إني محتاج
في وقتي هذا إلى درهم وما يدخل ملكي منها درهم وعقّب سماحته قائلاً:
كان بإمكان ابن أبي عمير أن لا يسأل المدين عن كيفية إتيانه لهذا المال
ولا إشكال عليه في ذلك أبداً لأنه كان يطلبه وكان في وضع مالي صعب
وحرج، لكنه امتنع عن استلام حتى درهم واحد وهكذا تربّي ثقافة الغدير
المؤمن بأن تجعله يحبّ لغيره ما يحبّه لنفسه.
وأكّد دام
ظله: لو كانت ثقافة الغدير هي الحاكمة لما وجدنا فقيراً واحداً، وما
ظُلِم أحد، وما وقعت حالة طلاق بلا مسوّغ شرعي أبداً، ولعاشت البشرية
في رغد وسعادة ورفاه، ولكن الظالمين حالوا دون ذلك وفي ختام كلمته أوصى
سماحته قائلاً:
يجدر بكل من
يؤمن بالغدير وثقافته أن يلتزم بالأمرين التاليين:
1ـ الاقتداء
بسيرة الإمام أمير المؤمنين سلام الله عليه عملاً وبصدق وإخلاص، وعدم
الاكتفاء بالادعاء فقط.
2ـ الامتثال
لمبادئ ثقافة الغدير كما كان ابن أبي عمير وأبو ذر وغيرهما، والعمل على
نشرها.
s-alshirazi.com
|