هل توجد "شخصية عراقية"...؟!
د. مراد الصوادقي
نقرأ أحيانا
بعض الكتابات الطيبة والتي تحتاج إلى الإسناد البحثي
المقبول لتتفق مع نتائج البحوث العلمية المعاصرة بصدد
الشخصية البشرية، لأنها غالبا ما تتناقض في طرحها مع
النظريات العلمية التي تفسر دوافعها السلوكية.وتميل إلى
التنظير والتفسير والتعميم والتبسيط، وفقا للملاحظة
الفردية، وهي تتناول هذا الجانب المعقد من لغز الخلق
البشري في وقت نحتاج
فيه للكلام العلمي الدقيق الذي يفسر الظواهر بمنطق رصين.
الملاحظة
التي تبدو جلية في الكتابات المتعلقة بالشخصية أنها تركز
على "الشخصية العراقية" بل وتقر بوجود أنواع عديدة من
الشخصيات فيها وتمنحها عناوين طائفية ومحلية ولا يعرف
القارئ على أي دراسة أو بحث استندت في ذلك. وهل قرأنا في
دول العالم عن شخصية إنكليزية وفرنسية وألمانية.وهل هناك
بحوث علمية تقر بأن البشر عبارة عن شخصيات ترتبط بالعنوان
الوطني والفكري والسياسي وغيرها من الصفات والانتماءات.
فلا يوجد في
التصنيف العالمي لمنظمة الصحة العالمية وجمعيات الدنيا
العلمية الأخرى ذكر نوع أو اسم لشخصيات ترتبط بالدولة،
كأن تقول الشخصية التركية، المصرية، أو الهندية، لكن هناك
إقرار بالاختلافات الثقافية ما بين الدول والشعوب ووفقا لما
نكتبه فأن الشخصية البشرية يمكن تصنيفها وتسميتها بعدد
الدول المنتمية إلى الأمم المتحدة. في حين لا توجد وفقا للبحوث العلمية
شخصية مرتبطة بالدولة أو المدينة والناحية والقرية.
ما هو قائم
في العالم، أن الشخصية البشرية لها تعريفها الواضح المتفق
عليه عالميا ولها أنواعها المعروفة والموثقة في التصانيف
العلمية للجمعيات العالمية وهذه الشخصية
البشرية بأنواعها قد تصيبها اضطرابات تدفع بها إلى سلوكيات
معينة، وتساهم في ذلك مسيرة الشخصية وما تعرضت له من
الصعوبات والأزمات في بيئتها الثقافية التي تطبعها بسمات
معينة واستجابات محددة ومفهومة وكما هو
معروف، فأن السلوك البشري يتأثر بالظروف المحيطة وكذلك
يكون للجينات الوراثية دورها في تحديده، ولا يمكن للشخصية
أن تظهر ذات السلوك والاستجابة في ظروف متباينة لأن
التفاعل ما بين الشخصية والظرف المحيط بها يكون حاصل تفاعل
الخصائص والميزات والعوامل المختلفة القائمة بين الحالتين
من أجل تحقيق فرصة البقاء والتواصل وفي واقعنا،
هناك ظروف قاسية ومعقدة ومتغيرة، لها آثارها السلبية
الواضحة على الشخصية، مما أصابها بالأمراض والتوترات وربما
الانحرافات ولا يفوتنا
تأثيرات اضطرابات ما بعد الشدة التي تفعل فعلها في سلوكنا
العام وعلى جميع المستويات، وكذلك اضطرابات الشخصية الأخرى
التي لها آثارها ونتائج استجاباتها في الواقع، إضافة إلى
مؤثرات الحرب النفسية المختلفة.لا توجد
لدينا بحوثا علمية ذات قيمة في دراسة السلوك، والنشاطات
البحثية لا تكاد تذكر، وإن وجدت ففيها الكثير من المحددات
التي تقلل من قيمتها العلمية ويبدو أننا
نلجأ إلى التفسير السهل لكل ظاهرة نواجهها لكي نستريح
ونرضي غريزة عجيبة في أعماقنا توهمنا بأننا نعرف وندري
وتلك فرية كبيرة دفعت بنا إلى واقع أليم يفوق الخيال.
إن من المفيد
أن نتوخى الدقة والموضوعية العلمية في تناول موضوعات
الشخصية وأن يكون اقترابنا منها صحيحا لكي نفهم أنفسنا
ومعالم سلوكنا ومن الضروري
أن ندرس السلوك البشري في مجتمعنا وأن نفسره تفسيرا علميا
متفائلا لكي نجد الحلول الناجحة لمواجهته وعلاجه إن كان
سلبيا وضارا ولتحقيق الفائدة الاجتماعية والعلمية التي
تخدم الأجيال.
نحن بحاجة
إلى دراسات تشريحية وتحليلية لسلوكنا وليس إلى نظريات
واستنتاجات إنشائية سلبية وتيئيسية وحتمية في طرحها
ومسميات لا تتفق وأبسط القواعد العلمية. ويبدو أن
الميل إلى التبسيط، ربما سببه ضعف الثقافة النفسية وإهمال
الاهتمام بموضوعاتها في المدرسة والبيت، مع العلم أن
المعطيات قد تشير إلى أن مجتمعنا قد أصبح في حالة وبائية
–لم يسبق لها مثيل- بالأمراض النفسية، خصوصا الكآبة والقلق
الشديد وتفاعلات ما بعد الشدة والكثير من الأمراض
العُصابية والذهنية والاضطرابات السلوكية خصوصا عند
الأطفال والمراهقين، نتيجة للظروف الصعبة التي يمر بها
وبسبب اليأس والعجز الذي يتعلمه الإنسان يوميا (Learned
Helplessness) حيث يجد نفسه دائما في ذات النفق الذي لا
ضوء يرتجى فيه.
وهذا الجانب
المأساوي غالبا ما يتم إغفاله وتناسيه، وتتناهى الأقلام
إلى إبداع المسميات وإلصاق الصفات بابن الرافدين الذي ذاق
الأمرار وليس الأمرين فقط، وهو حائر بين تدبير لقمة عيشه
ومستقبل أطفاله وحالته النفسية والمادية والأمنية
المتدهورة، والدنيا في غفوة والبعض لا يريد أن يرى الواقع
القاسي بل ينكره ويفسره بأسلوب بسيط لكي يرضي حاجات نفسية
متنوعة والخلاصة أن
الشخصية البشرية لها تعريفها الواضح وأنواعها المعروفة
وتصيبها اضطرابات مختلفة تدفع بها إلى سلوكيات مرضية أو
منحرفة عديدة قد تستدعي التدخلات العلاجية ولا يمكن
الجزم علميا بتصنيف الشخصية وفقا للموقع الجغرافي لها على
سطح الأرض أو غير ذلك من الظروف القائمة و المتفاعلة معها.
و كل ذلك بحسب رأي الكاتب في المصدر
المذكور نصا و دون تعليق.
المصدر:المثقف السياسي-5-6-2007
|