القضاء على عمالة الأطفال إنها قضية أخلاقية وتحد أمام التنمية
المدير العام لمنظمة العمل الدولية خوان سوما فيا يقول: إن هناك إقرارا عاما الآن بتفشي ظاهرة عمالة الأطفال ، وينوه بأن مزايا إيقاف
الممارسة التعسفية تفوق تكاليف القيام بذلك.
طرأ تغير مثير للاهتمام في المواقف تجاه عمالة الأطفال. فقد حل الاعتراف والإدراك
والغضب والاستعداد لمعالجة المعضلة بفاعلية وبصورة مستديمة محل الرفض واللامبالاة
اللذين كانا السمة السائدة وسيتطلب تخليص العالم من ظاهرة عمالة الأطفال التزاما كبيرا من المجتمع الدولي
بتوفير الموارد. ورغم ذلك، فإن الفوائد من القضاء على عمالة الأطفال في الدول
النامية والاقتصاديات التي تمر بمرحلة انتقالية ستكون أعظم بسبعة أضعاف من التكاليف
التي ستترتب على القيام بذلك. إن مما لا شك فيه أن القضاء على عمالة الأطفال يعتبر
استثمارا ماليا صحيحا.
عمالة الأطفال مشكلة منتشرة في عالم اليوم لكنها لا تعد أمرا ميئوسا منه.
إن
الأدلة واضحة بأنه عندما يتعهد الأفراد، وعندما تحتشد المجتمعات، وعندما تتكاتف
المجتمعات وتقرر أن عمالة الأطفال لم تعد أمرا مقبولا، وعندها يتحقق تقدم عظيم نحو
هدف ضمان أن الأطفال لا يحرمون من طفولتهم ومن تحقيق مستقبل أفضل لهم. غير أن هذا
أمر عسير.
إن
التوصل إلى إجماع - وإحداث تغيير حقيقي - لا يزالان يمثلان تحديا دوليا، وقوميا
كبيرا، بالنسبة للأسر والمجتمعات التي تتواجد بها عمالة الأطفال. إذ إن الهدف
العقلاني هو منح الأطفال الفرصة للتحصيل العلمي الصحيح وتوفير الفرص المنصفة للآباء
لإيجاد العمل اللائق. فهذه تعتبر قضية اقتصادية بالنسبة للدول وللأسر - لكنها أيضا
قضية أخلاقية. فالمعركة ضد عمالة الأطفال هي في النهاية معركة تخاض في سبيل توسيع
حدود الكرامة الإنسانية والحرية.
إن ظاهرة عمالة الأطفال تمس واحداً من بين ستة أطفال في
العالم أي حوالي 246 مليون طفل.
إذ إن عدد العمال من الأطفال يساوي تقريبا عدد سكان الولايات المتحدة بأكملها.
إن
عمل هؤلاء الأطفال لا ينحصر على الأعمال الصغيرة المتنوعة أو العمل الخفيف؛ بل إن
عملهم يعتبر مسألة بقاء على قيد الحياة بالنسبة لهم ولعائلاتهم، حيث يعيش معظم
هؤلاء الأطفال في ظروف معيشية صعبة، إذ يضطر قسم كبير منهم إلى العمل لمساعدة أسرهم
في تجاوز صعوبات الحياة. وهؤلاء الفتيان والفتيات اللذين ينخرطون في مثل هذه
الأشغال يعرضون أنفسهم للضرر الجسدي والنفسي والعقلي.
ويستغل ثلاثة أرباع هؤلاء الأطفال فيما تسميه منظمة العمل الدولية أسوأ أشكال عمالة
الأطفال.
إذ
يعملون في المصانع الخانقة، وفي المزارع غير الآمنة، وفي المناجم وفي مناجم الهلاك،
وغيرها من الأماكن الخطرة. وقد بيع البعض منهم أو هرب في ظروف أشبه ما تكون
بالعبودية. وآخرون يزج بهم في كابوس الدعارة أو يرسلون إلى جبهات القتال التي تسفك
فيها الدماء.
ومنذ تأسيسها، ما برحت منظمة العمل الدولية تقف ضد بلاء ظاهرة عمالة الأطفال. وفي
السنوات الأخيرة، ومن خلال عملنا، مع العديد من الأفراد والمؤسسات الملتزمين
بالدفاع عن حقوق الطفل والتعاون معهم، فقد شاهدنا تغيرا في المواقف تجاه عمالة
الأطفال.
فقد حل الاعتراف والإدراك والغضب والاستعداد لمعالجة المعضلة بفاعلية
وبصورة مستديمة محل الرفض واللامبالاة اللذين كانا السمة السائدة. فقد ظهرت حركة
شعبية متنامية ضد ممارسات العمالة المهينة بصفة عامة مصحوبة بفهم جديد للسبل التي
يمكن من خلالها التعاطي مع معضلة عمالة الأطفال بفاعلية وبصورة دائمة.
إن
النهج الذي ينتهجه موكلو المنظمة - من حكومات، وأرباب عمل وعمال - هو العمل على
أساس الشراكة والثقة على المستويين المجتمعي والإنتاجي في سبيل بناء التزام بالعمل
المستمر من أجل القضاء على عمالة الأطفال داخل هذه البلدان.
وفي عام 1999، وافقنا على أداة أساسية في هذا الكفاح، وهي اتفاقية 182، التي تلزم
الدول باتخاذ الإجراءات الفورية اللازمة لمنع أسوأ أشكال عمالة الأطفال والقضاء
عليها قضاء مبرما. وقد صادقت على هذه الاتفاقية على مدى السنوات الست الماضية
151 بلدا، جاعلة منها التزاما قوميا، حيث أصبحت
هذه الاتفاقية هي الأسرع والأوسع نطاقا من حيث المصادقة عليها في تاريخ المنظمة.
وأثناء نفس الفترة،فقد كانت هناك زيادة رائعة في عدد التصديقات على الاتفاقية رقم
138، اتفاقية الحد الأدنى للعمر التي أبرمت في عام 1973.
وتنص هذه الاتفاقية على أن
العمر الأدنى للعمل يجب ألا يقل عن العمر المحدد لإكمال التعليم الإجباري ويحدد
عددا من أعمار الحد الأدنى حسب نوع الوظيفة أو العمل.
ولكن المصادقة على الاتفاقية هي مجرد بداية
إذ
إن عددا متزايدا من الدول سبق وأن طلب مساعدة المنظمة في اتخاذ إجراءات فعالة ضد
عمالة الأطفال.
فقد توسع البرنامج الدولي للقضاء على عمالة الأطفال التابع للمنظمة، والذي تم
تأسيسه في عام 1992 بمشاركة ست دول وبتمويل رئيسي من ألمانيا، بحيث باتت عملياته
تشمل 80 بلدا ممولة من قبل 30 مانحا بمن في ذلك النقابات العمالية وأرباب العمل.
ولقد ساعد الدعم والمشاركة من طرف الكونغرس الأميركي ومن قبل السلطة التنفيذية في
الولايات المتحدة المنظمة على نحو كبير جدا في مجهوداتها لإنهاء عمالة الأطفال.
كما أننا قد وضعنا مكافحة أسوأ أشكال عمالة الأطفال ضمن أولوياتنا القصوى بغية
التخلص النهائي من جميع أشكال ظاهرة عمالة الأطفال. ويتم تقديم الدعم في سبيل تطوير
وتطبيق الإجراءات التي تستهدف منع هذه الظاهرة، وانتشال الأطفال من الأعمال
الخطيرة، وإعدادهم للتعليم وتوفير مصادر دخل بديلة للآباء.
ويتضمن عملنا بذل المجهودات لمكافحة المتاجرة بالأطفال في غرب أفريقيا، وإعادة
تأهيل أطفال الشوارع في أوروبا الشرقية، وانتشال الأطفال من المناجم، ومن مراكز
الحجر في أمريكا اللاتينية، وتوفير مستقبل أفضل للأطفال الذين يقومون بنسج السجاد
أو يخيطون كرات القدم في جنوب آسيا.
إحساس متنام بحتمية التصرف
تنضم الناس حول العالم إلى مجتمع متنام من أصحاب الضمير للقيام بعمل ما. فقد ظهرت
إلى الوجود حركة عالمية حقيقية ضد عمالة الأطفال. كما أخذ العمال من الأطفال أنفسهم
يجاهرون بالتعبير عن احتجاجهم واستيائهم، على سبيل المثال، من خلال الحركات العامة
مثل المسيرة العالمية لمناهضة عمالة الأطفال. ويحتشد الطلبة الصغار تضامنا مع هذه
الحركات.
وهناك أيضاً تحالفات جديدة تظهر إلى الوجود بين النقابات العمالية وبين أرباب
الأعمال، والمؤسسات الحكومية ومنظمات المجتمع المدني. وقد اتخذت هذه التحالفات
إجراءات موجهة نحو قطاعات معينة في العديد من الصناعات المتعددة الجنسيات -- مثل
زراعة التبغ والكاكاو، وصناعة المعدات الرياضية؛ حيث تعزز نقاط القوة والمميزات
التي تتمتع بها الأطراف الثلاثية الشريكة للمنظمة والمجتمع المدني المجهودات
العالمية لمكافحة عمالة الأطفال.
وبالإضافة لذلك، فإن هناك حاليا 19 بلدا تشارك في البرنامج الخاص بالقضاء على عمالة
الأطفال ضمن فترة محددة. هذه هي الأسس التي يتحتم البناء عليها ولكنه لا بد من
القيام بالكثير والكثير في جميع الجهات وعلى جميع المستويات.
إننا بحاجة لمجاراة القرارات القومية والدولية بتعاون إنمائي أكبر يستهدف تقليص
عمالة الأطفال. ويتحتم علينا أن نضافر النقاشات القومية والدولية والوعي التي من
شأنها تكثيف المجهودات؛ وتعريف وتحديد عمالة الأطفال الخطيرة في مختلف القطاعات
والأوضاع؛ وبناء القدرات المؤسساتية للتعامل مع عمالة الأطفال على جميع المستويات؛
ووضع أنظمة مراقبة وتفتيش فعالة مستقلة وموثوق بها.
إن مشكلة عمالة الأطفال لا يمكن حلها بمعزل عن بقية
المشاكل. فالمشاريع بمفردها غير كافية؛ إذ إنه حيث تتمزق الأسر بفعل الفقر المدقع
يتحتم تضافر السياسات الاقتصادية والاجتماعية في سبيل المساعدة في حماية كرامة حياة
الأسرة
وعلى سبيل المثال يشكل توفير التعليم الإلزامي المجاني الممتاز حتى "الحد الأدنى
للعمر" للدخول في الوظيفة - وهذا يختلف من بلد إلى آخر بحسب البلد بلد وطبيعة العمل
- عنصرا أساسيا في منع عمالة الأطفال.
غير أنه نتيجة لما تواجهه العديد من الدول في
كل مكان في العالم من قيود على الميزانية، فإنها غير قادرة على تحمل كل هذه
النفقات ولذا يتحتم على المجتمع الدولي دعم المجهودات التي تبذلها الدول التي تكون على
استعداد لاتخاذ خطوات شاملة من خلال برامج التعاون الإنمائية والوصول إلى الأسواق
والمشورة السياسة التي تتلقاها من المنظمات الدولية.
وبالطبع فإن تخليص العالم من عمالة الأطفال يستلزم التزاما هاما بتوفير الموارد.
وجاء في دراسة أجرتها المنظمة أن الفوائد التي ستجنيها الدول النامية والاقتصاديات
التي تمر بمرحلة انتقالية والتي تتفشى فيها ظاهرة عمالة الأطفال قد تصل إلى
5.1 تريليون دولار على مدى عقدين من الزمن. أي أن
الفوائد ستتجاوز تكاليف القضاء على عمالة الأطفال بواقع سبعة أضعاف.
إذ إن كل سنة
إضافية من التعليم الناشئ عن التعليم العام سن 14 تنجم عن دخل إضافي مستقبلي بواقع
11 بالمئة سنويا لكل طالب يبقي في المدرسة.
إن
مما لا شك فيه أن القضاء على عمالة الأطفال يعتبر استثمارا ماليا صحيحا.
القضاء على ظاهرة عمالة الأطفال هو جزء لا يتجزأ من برنامج منظمة العمل الدولية
إن استئصال عمالة الأطفال جزء لا يتجزأ من برنامج منظمة العمل الدولية الخاص بعالم
العمل والمسمى ببرنامج العمل اللائق .
الذي
يسعى إلى تعزيز الفرص لكل النساء والرجال للحصول على العمل اللائق والمنتج، في ظروف
تسود فيها الحرية والمساواة والأمن والكرامة الإنسانية.
وهذا الإطار الإنمائي يُرَكز على تشجيع الاستثمارات التي تخلق
الفرص للعمل المنتج، وتتوفر فيها المعايير والحقوق في العمل والضمان الاجتماعي،
والحماية الصحية، وشبكات الأمان وأن يكون للناس العاملين الصوت والتمثيل
اللازمين. وإن الإلغاء الفعلي لعمالة الأطفال يمثل أحد المبادئ التي تحتل صميم
برنامجنا.
فنحن
نروج لتوفير العمل اللائق لأننا لو تغاضينا عن جودة العمل للآباء، فإننا بذلك نفتح
الباب أمام عمالة الأطفال.
فكل بلد حسب ظروفه الخاصة يمكن أن يحدد الدرجة المعقولة التي لا ينبغي أن تسقط أية
أسرة إلى أدنى منها. فالعمل اللائق ليس معيارا عالميا، ولا هو حد أدنى للأجور. إذ
إن اتفاقيات المنظمة التي تمت المصادقة عليها طوعا من قبل جميع الدول تشكل أرضية
اجتماعية صحيحة للحياة الوظيفية.
وبإمكاننا أن نعبر عن تشجعنا لأنه قد تم بالفعل إحراز الكثير من التقدم على صعيد
الوعي والمعرفة وعلى صعيد الخبرة، وكذلك قيام حركات عالمية رائعة لمكافحة عمالة
الأطفال ولا يزال التحدي العالمي الذي يواجهنا رهيبا ولكنني أؤمن بأننا من خلال التكاتف
والعمل معاً قد نبلغ أهدافنا المشتركة التي تتمثل في: توفير العمل اللائق للآباء
والتعليم الممتاز للأطفال والفرص الحقيقية للشباب.
إن
استئصال عمالة الأطفال يمثل حقا قضية أخلاقية وتحديا اجتماعيا حضاريا. فإن نحن
استدعينا إرادتنا من أجل القيام بذلك، فلعلنا نجلب الأمل إلى قلوب الأطفال في كافة
أنحاء العالم وسنؤكد بذلك لكل طفل بأن له الحق في التمتع بطفولته.
المصدر : نشرة
واشنطن 19-5-2005
|