![]() |
||
![]() |
مكافحة الفقر...بين الأسس الإجتماعية ومتطبات التنمية
مارك لانج دوامة الفقر... سياسة أم قدر؟ هل يعد الفقر مشكلة تتعلق بالسياساتٍ أم بالقدر؟ الخبراء يميلون إلى أحد الاتجاهين، إذ يركز بعضهم على الأسس الاجتماعية للرخاء، في حين يركز آخرون على المتطلبات التقنية والمالية للنمو المستديم، وهناك من يراها مشكلة ثقافية. القائلون بهذا الرأي يعتبرون أن السياسات ليست هي المسؤولة. إذ يرى "روبرت بوتنام" الخبير في العلوم السياسية بجامعة هارفارد، أن "الرأسمال الاجتماعي" -مدى ترابط الناس في مجتمع ما- يدعم أساس الثقة الضرورية للتجارة. ومن جانبه، يجادل الخبير الاقتصادي "جريجوري كلارك" من جامعة كاليفورنيا بأن المجتمعات التي تنعم بالرخاء تنمي اقتصادياتها عبر قيم الثورة الصناعية مثل الصبر، والعمل بجد، والابتكار، والتعليم. فبعض الثقافات تدعم هذه القيم، وبعضها لا، والأكيد أنها قيم لا يمكن استيرادها أو التخطيط لها. المغزى: بعض أنواع الفقر دائمة. بالمقابل يرى آخرون أن للعالم المتقدم الوسائل السياسية التي تحتاجها البلدان الفقيرة، وواجب تعليمها كيفية استعمالها. وإذا كانت المقترحات تختلف، فإن الخبراء في اقتصاديات التنمية من أمثال "بول كوليي"، و"جيفري ساكس"، و"جوزيف ستيغليتز" يجادلون بأن الدول الغنية تعرف كيف تخلق الظروف المواتية للحكم الخاضع للمحاسبة، والأسواق الحرة، وخلق الثروات، والضرائب المنخفضة، والمؤسسات القوية، والأطر التنظيمية، إضافة إلى المحاكم التي تفرض احترام تطبيقها. المغزى: الحلول الصحيحة هي في المتناول (تقريباً). مهما يكن الفريق الذي تميل إليه، إلا أنه من الواضح أن عقوداً من الجهد والتريليوني دولار -على الأقل- التي أنفقتها البلدان الغنية منذ 1945 لجلب التنمية إلى أفقر فقراء العالم قد أتت بنتائج مختلطة في أحسن الأحوال. فقد وجدت دراسة للبنك الدولي أشرف عليها "كريج بورنسايد" و"ديفيد دولار" تأثيراً إيجابياً لهذه المساعدات في البلدان حيث توجد سياسات ضريبية ونقدية وتجارية جيدة، في حين أشارت دراسة أخرى لـ"ويليام إيسترلي" و"راجهورام راجان" من صندوق النقد الدولي إلى انعدام أي تأثير للمساعدات الغربية على النمو في الدول الفقيرة -سواء تلك التي تتبع سياسات رشيدة أو لا. ربما كانت هذه البلدان ستحصد نتائج أسوأ من دون المساعدات، ولكن الأكيد أننا نستطيع أن نبذل جهوداً أكثر. والواقع أن المكان الأول للتحرك ليس هو اقتصاديات الدول الفقيرة أو منظومة قيمها، بل مؤسسات العالم المتقدم. ذلك أن جهود الغرب لمساعدة "المليار الأخير" ما زال يتردد فيه صدى "مخطط مارشال"، وهي مقاربة من فوق إلى تحت نجحت بعد الحرب العالمية الثانية في مجتمعات متعلمة كانت غنية من قبل، حيث أدى التخطيط الممركز والرأسمال المستورَد إلى إحداث الفرق. غير أن هذه المقاربة باتت عديمة الفعالية اليوم -ناهيك عن أنها تضر بمعنويات الناس في هذه البلدان المضطربة. تتبنى مؤسسات المساعدة في أحيان كثيرة أجندات غير مترابطة. ونتيجة لذلك، نجد مقابل كل قصة تنمية ناجحة، قصة أخرى حول تصدير المخططات والموارد غير المناسبة للاحتياجات. ومقابل النجاح في جمع التبرعات، نجد انعدام الثقة بخصوص النتائج. ومقابل جهود التنسيق بين 21 وكالة أميركية و50 وحدة ناشطة لتقديم المساعدات، يتم تقديم المعونات لأنظمة فاسدة وحكام مستبدين، والنتيجة إخفاقات بخصوص التمويل، مثل الـ5 مليارات دولار التي أُنفقت منذ 1979 على مصنع "أجاوكوتا" للفولاذ في نيجيريا. بيد أن ميزانية المساعدات الإنسانية لا تركز على من يستحقها، ذلك أنه بالرغم من أن 70 في المئة من "المليار الأخير" يعيشون في أفريقيا، إلا أن ثلث مساعدات الحكومة الأميركية المباشرة فقط يرتقب أن تذهب إلى هناك في 2008. (وهو تقدم في الواقع، ذلك أن حجمها لم يكن يتعدى 8 في المئة في 2001). وبالمقابل، تحصل إسرائيل ومصر معاً على ضعف المساعدات الأميركية المباشرة التي تذهب إلى دارفور بعشر مرات، وتحصل روسيا على ما تحصل عليه 20 دولة من دول أفريقيا جنوب الصحراء مجتمعة، بينما تحصل أيرلندا على ضعف ما تتلقاه جمهورية أفريقيا الوسطى بـ167 مرة. قد تكون هذه مساعدات سياسية عقلانية -ولكنها مساعدات لا تنقذ الأرواح. ثم إن وكالات التنمية عبر العالم لا تستطيع إيجاد موظفين للعمل في أماكن مثل تشاد، والبنك الدولي يتوفر على مكاتب في كل بلد من البلدان متوسطة الدخل، ولكنه لا يتوفر بالمقابل سوى على موظف واحد في "جمهورية أفريقيا الوسطى". أما مراكز المساعدة، فتوجد في أماكن مثل الصين والبرازيل التي لا تحتاج إلى المساعدة. أما عندما تكون ثمة مساعدة، فإن الكثير من جهود العالم الغني تكون لها نتائج غير مقصودة. فالزراعة الملاوية، على سبيل المثال، عانت الكثير بسبب حرمان المزارعين من دعم ما يحتاجونه من الأسمدة والبذور، وذلك قبل أن تقرر ملاوي تحدي البنك الدولي في 2005 -وبعد عقود من الاعتماد على المساعدات الخارجية أصبحت ملاوي اليوم بلداً مُصدرا للحبوب. والواقع أن بعض جهود المساعدات تضر حتى حين تساعد. ولنأخذ المساعدات الغذائية على سبيل المثال: فمزارعو العالم الأول يحصلون على المعونات لزراعة المحاصيل. وبعد ذلك، يتم شراء فائض الأغذية (بمزيد من دولارات الضرائب) ويشحن إلى دولة معوزة، حيث يتم توزيعه أو يحوَّل إلى عملة لتمويل مشاريع (يؤمل أن تكون سلمية). بيد أن المشكلة تكمن في أن المزارعين المحليين لا يستطيعون التنافس مع المنتجات "المجانية". ونتيجة لذلك، فإن القدرات الزراعية لهذه البلدان لا تتطور أبداً. وهكذا تكون المساعدات قد كرست التبعية والاعتماد على المساعدات الخارجية. في هذه الأثناء، يواصل "المليار الأخير" دفع الثمن بأرواحه وينعدم الاستقرار في البلدان الفقيرة. والحال أنه للقضاء على الفقر المدقع، لا بد من تغيير المقاربات. وكل ذلك بحسب رأي الكاتب في المصدر المذكور نصا ودون تعليق. المصدر:alittihaad-18-3-2008
|
![]() |