![]() |
||
![]() |
هل حرية الأسواق أمل منتظر لشعوب العالم؟
محمد عبد القادر حسن
تعمل زيادة الدخل الذي يتلقاه الأفراد في معظم أنحاء العالم على تحسين الظروف المعيشية، والارتقاء بمستوى الرضا عن الحياة. وبينما تستمر سعادة مواطني الدول الغنية بحياتهم في ظل ما يتوافر لهم من معدلات دخل مرتفعة، فإن سكان الدول الفقيرة يلحقون بالركب تدريجياً، ويتطلعون بمزيد من الأمل نحو المستقبل. وكان سكان البلدان الفقيرة، ومتوسطة الدخل، هم الأكثر توقعاً لتحسن مستويات معيشتهم، وبالتالي زيادة الرضا عن حياتهم في المستقبل. ومن المنتظر أن يستفيد سكان تلك الدول، بصورة تفوق غيرهم، من النتائج الإيجابية للعولمة، بحيث يجعلهم ذلك الأمر أكثر ترحيباً بتطورات التجارة على النطاق العالمي، وبنشاطات الشركات متعددة الجنسيات. أما الصورة في كل من الولايات المتحدة، واليابان، وعدد من دول أوروبا الغربية، فهي مختلفة بعض الشيء، حيث كان معدل النمو الاقتصادي الذي حققته هذه المجموعة من الدول، متواضعاً نسبياً، كما أن تقييمات سكانها للظروف الوطنية أصبحت أشد ميلاً إلى الجوانب السلبية، إضافة إلى وجود نظرة حذرة بين أفراد هذه الشعوب إزاء مستقبل الاقتصاد العالمي والأكثر من ذلك هو أن الرخاء الشخصي وصل إلى مستوى محدد في العديد من الدول الغنية. ولا يزال سكان هذه البلاد أكثر سعادة بحياتهم من سكان البلدان الأفقر، ولكن التحسن الذي شهدته السنوات القليلة الماضية في مستوى تلك الحياة، كان ضئيلاً نسبياً وتبرز الثروة التي تتمتع بها الدولة المعنية كعامل رئيسي حين يتعلق الأمر بطريقة إحساس الناس بمستوى حياتهم، كما أن النمو الاقتصادي يبرز كعامل بالغ التأثير في هذا الأمر، إذا أخذنا قياس هذه التطورات على المدى الطويل. ومن أبرز أمثلة ذلك أن الزيادة الملحوظة في دخل شعوب أمريكا اللاتينية، وأوروبا الغربية، خلال السنوات الأخيرة، جعلتهم يقيمون مستوى حياتهم، ورضاهم عنها، بصورة أفضل بكثير مما ظهر في نتائج المسح الميداني الذي أجراه مشروع بيو عام 2002 وتنطبق هذه الحقيقة الإيجابية على الوضع في كل من الصين، والهند، حيث تمتع المواطنون فيهما، خلال السنوات الأخيرة، بزيادات ملحوظة في معدل حصة الفرد من الناتج المحلي الإجمالي غير أن هذا الاتجاه كان أضعف في أماكن كثيرة أخرى من القارة الآسيوية وإذا كانت مناطق جنوب الصحراء الإفريقية شهدت زيادات في معدل الدخل الفردي في عدد من الدول، إلا أن زيادة معدل الرضا عن الحياة كانت متواضعة بعض الشيء وتؤكد نتائج دراسات مشروع بيو على الارتباط الوثيق للغاية بين زيادة معدل الدخل، وزيادة الرضا عن الحياة. وتبين أن البلدان التي شهدت زيادات ملحوظة في الدخل، شهدت في الوقت ذاته زيادات واضحة في معدلات الرضا عن الحياة وكان ذلك ظاهراً تماماً في ارتفاع نسبة أولئك الذين قالوا إن مستوى حياتهم تحسن خلال السنوات القليلة الماضية، وكذلك أولئك الذين قالوا إنهم يعتقدون أن حياتهم المستقبلية سوف تكون أفضل من حياتهم الماضية والحاضرة على حد سواء والواقع هو أن الدول متوسطة الدخل كانت هي المجموعة الأعلى تمتعاً بارتفاع معدلات النمو الاقتصادي خلال السنوات القليلة الماضية، إضافة إلى أن مستويات رفاه الأفراد فيها ارتفعت بشكل فاق ما تحقق لدى بقية مجموعات دول العالم. وتتضمن هذه المجموعة عدداً من دول أوروبا الشرقية، بالإضافة إلى دول أخرى مثل الأرجنتين التي نهضت بصورة قوية من أزمة اقتصادية طاحنة حلت بها في أوائل هذا العقد. ويلاحظ كذلك بروز خاص للاقتصاد الصيني في هذه الفترة، حيث تحقق معدل سريع التصاعد من النمو الاقتصادي، مما زاد من درجة الرضا عن الحياة بين أفراد الشعب الصيني، كما أن نظرة الناس إلى الاقتصاد الوطني أصبحت إيجابية للغاية وتتمتع هذه المجموعة من بلدان العالم في الوقت الراهن بقطف الثمار الإيجابية للعولمة الاقتصادية، حيث تبدي شعوبها درجة متزايدة من الدعم للخصائص الرئيسية للاقتصاد المعولم، والتجارة الدولية، والدور الذي تقوم به الشركات متعددة الجنسيات، والأدوار المتزايدة التي تلعبها حرية الأسواق. غير أن التفاؤل الشديد بمستقبل الاقتصاد العالمي كان أشد وضوحاً بين سكان الدول التي تصنف في فئة الدخل المتدني. وكانت معدلات النمو الاقتصادي في هذه الدول متواضعة لدى المقارنة بما تمكنت من تحقيقه مجموعة دول الدخل المتوسط، إلا أن معدلات زيادة الرضا عن الحياة كانت متشابهة في هاتين المجموعتين. وعلى الرغم من أن تلك الدول الأقل دخلاً لم تستفد كثيراً من نتائج عولمة الاقتصاد، إلا أن شعوبها ترحب بتوسع كل من التجارة والاستثمار العالميين. ويضاف إلى ذلك أن الشركات متعددة الجنسيات تحظى بأعلى درجة من القبول في أشد الدول فقراً في كل من إفريقيا وآسيا. وهنالك قلق فيما يتعلق بالثقافة والتقاليد بسبب سعة انتشار العولمة، وآثارها غير الإيجابية على البيئة، واحتمال أن تؤدي إلى زيادة توسيع الفجوة بين الفقراء والأغنياء. غير أن شعوب الدول الفقيرة ترحب بالخصائص الاقتصادية البارزة للعولمة، على الرغم من كل السلبيات وهنالك بعض جوانب العولمة الاقتصادية التي يبدو أن النظرة الشعبية إزاءها تزداد سلبية، وذلك في الدول المتقدمة اقتصادياً في أوروبا الغربية، وأماكن أخرى من العالم. ولوحظت زيادة في قلق الأمريكيين فيما يتعلق بأوضاع التجارة العالمية، حيث تراجعت نسبة الأمريكيين الذين يعتقدون أن التجارة العالمية تخدم مصالح الولايات المتحدة من 78 في المائة عام 2002 إلى 59 في المائة في الوقت الراهن. ويرى 14 في المائة فقط من الأمريكيين أن التجارة جيدة جداً للولايات المتحدة. ويلاحظ كذلك زيادة النظرة السلبية إلى الشركات الأجنبية في كل من الولايات المتحدة الأمريكية، وغيرها من الدول ذات الدخل المرتفع ولوحظ إضافة إلى كل ذلك، أن وجهات النظر في البلدان الغنية إزاء العولمة، أو الظروف الوطنية، أو الرضا عن الحياة، إما هي مستقرة، أو سلبية، وبالذات حين تتم مقارنة ذلك مع وجهات النظر السائدة لدى مواطني الدول متوسطة الدخل، والدول الأشد فقراً، على حد سواء وهنالك علاقة ارتباط قوية بين الثروة والرضا الشخصي، حيث يعطي مواطنو الدول الغنية، في الوقت الراهن، درجات رضا عالية عن مستوى حياتهم. ولكن مستوى التحسن كان بسيطاً جداً خلال السنوات الخمس الماضية، نظراً لأن هذه الشعوب بلغت مستويات عالية للغاية من التقدم. وعلى الرغم من أن كثيراً من مواطني تلك الدول يتوقعون تحسناً في مستوى حياتهم في المستقبل، إلا أن تفاؤلهم يقل كثيراً عن مستوى التفاؤل السائد في أوساط أنباء شعوب دول العالم النامي. وحققت الدول الغنية، على وجه العموم، مستويات نمو اقتصادي أضعف، كما تزايد عدم رضا المواطنين فيها عن أوضاعهم الاقتصادية، وكذلك عن أوضاع بلدانهم وبينما نلاحظ أن مستويات الرضا الشخصي تختلف بصورة واسعة عبر العالم، فإنها مرتبطة بصورة أساسية بمستوى الثراء، حيث يميل سكان الدول الغنية إلى التعبير عن رضاهم عن مستوى حياتهم بصورة أعلى مما يبديه الناس في الدول الأفقر. ويبدي الناس رضاً نسبياً عن حياتهم في البلدان الغنية مثل الولايات المتحدة، ودول أوروبا الغربية، وكندا. وحين سئل مواطنو تلك الدول عن المستوى الذي يحددون عنده رضاهم عن حياتهم، أعرب 71 في المائة من الكنديين عن أن ذلك المستوى يزيد على سبع نقاط في مؤشر يتكون من صفر إلى عشر نقاط، مقابل نسبة من الإسبان بلغت 66 في المائة، ونسبة من الأمريكيين بلغت 65 في المائة. ويرى 48 في المائة من الإيطاليين أن مستويات معيشتهم تزيد على معدل النقاط السبع، مقابل 43 في المائة لليابانيين، و 48 في المائة للألمان ولم يفد سوى أقل من 10 في المائة من سكان الدول الغنية بأن مستويات معيشتهم تتراوح بين صفر وثلاثة في المائة ومن النتائج الغريبة في هذه الدراسة أن العيش في دول أقل ثراءً لا يعني بالضرورة عدم الرضا عن الحياة، إذ أعرب 76 في المائة من المكسيكيين عن رضاهم عن مستوى حياتهم، وقالوا إنها تبلغ سبع درجات على الأقل على المقياس المكون من عشر درجات. وبلغت النسبة بين البرازيليين 63 في المائة، وبين الفنزويليين 60 في المائة، وبين الأرجنتينيين 59 في المائة وتبين أن أقل من 10 في المائة من سكان دول أمريكا اللاتينية يعتقدون أن مستويات حياتهم متدنية وفي مناطق أخرى من العالم مثل أوروبا الشرقية، نجد أن نسباً أقل من السكان هي التي تعتبر مستوى حياتهم مرتفعاً، حيث تبرز النسبة العليا في جمهورية التشيك، على الرغم من أن من يعتبرون أنفسهم في مستوى معيشي مرتفع لم يشكلوا سوى نسبة 42 في المائة. ويرى 21 في المائة من الروس، و 23 في المائة من البلغار، أن مستواهم المعيشي مرتفع أما على مستوى الشرق الأوسط، فإن أقل من 30 في المائة من اللبنانيين، والأردنيين، والأتراك، والمصريين، والمغاربة هم الذين يعتبرون أن درجة مستويات معيشتهم تبلغ 7 نقاط أو ما يزيد على ذلك. وتبلغ النسبة بين الفلسطينيين 24 في المائة فقط، مقابل 68 في المائة من الإسرائيليين الذين يرون أن مستوى معيشتهم يبلغ 7 نقاط، أو يزيد على ذلك. أما أقل مستويات الرضا عن المعيشة، فقد تم تسجيلها في القارة الإفريقية، حيث إن 10 في المائة من التنزانيين، و7 في المائة من الأوغنديين، يصنفون مستوى معيشتهم عند 7 نقاط أو ما يزيد على ذلك. ويختلف الوضع في دول أخرى، حيث إن 37 من المائة من الإثيوبيين، و 36 في المائة من سكان جنوب إفريقيا، و35 في المائة من النيجيريين يعتقدون أن مستويات معيشتهم تبلغ 7 نقاط، أو ما يزيد على ذلك. غير أن الشعوب الإفريقية ظلت في قاع القائمة بالنسبة إلى شعوب العالم فيما يتعلق بنظرتها إلى مستوى معيشتها وتزداد نسبة أولئك الذين ينظرون إلى مستويات حياتهم على أنها مرتفعة (أي 7 نقاط أو أكثر) بزيادة معدل الدخل الفردي. ولذلك تظهر الشعوب الإفريقية في قاع مثل هذه الجداول والأشكال المقارنة، بينما تتربع شعوب الدول الغنية على قمة القوائم والسجلات. وعلى الرغم من قوة علاقة الارتباط بين الثراء والرضا عن مستوى المعيشة، فإن بعض الشعوب أبدت درجات أقل من الرضا عن ذلك المستوى، على الرغم من وضعها الاقتصادي الجيد، حيث إن اليابانيين، ومواطني دول أوروبا الشرقية يبدون درجات من التشاؤم والكآبة حول أوضاعهم بدرجة أعلى من المتوقع وفي الجانب الآخر نجد أن الأمريكيين اللاتينيين يبدون درجات رضاً عن حياتهم بأعلى ما توحي به أوضاعهم الاقتصادية وأفاد معظم من تم استطلاع آرائهم أن حياتهم تحسنت خلال السنوات الخمس الماضية. وينطبق ذلك حتى على الدول التي لا تزال أوضاعها الاقتصادية كئيبة نسبياً. وعلى الرغم من أن عدداً قليلاً من الكينيين والأوغنديين يعتقدون أن مستويات حياتهم عالية، إلا أن 55 في المائة، و 54 في منهم على التوالي، يعتقدون أن مستويات معيشتهم تحسنت خلال السنوات الخمس الماضية. ويقول 90 في المائة من سكان الدول الإفريقية الذين تم استطلاع آرائهم في هذه الدراسة الميدانية، إن حياتهم تحسنت خلال السنوات الخمس الماضية. ويرى 62 في المائة من الصينيين أن حياتهم تحسنت خلال تلك الفترة، مقابل 48 في المائة من الماليزيين، و45 في المائة من الهنود. ونجد في مناطق أخرى من العالم أن هنالك نسباً مرتفعة من السكان الذين يعتقدون أن مستوى حياتهم شهد تحسناً ملحوظاً خلال السنوات الخمس الماضية، حيث أفاد بذلك 56 في المائة من الكويتيين، و 56 في المائة من سكان بيرو، و 48 في المائة من الأرجنتينيين وتعتبر النسبة الخاصة بالأرجنتينيين عالية للغاية بالمقارنة مع ما كان عليه الوضع عام 2002، حيث أعرب 19 في المائة فقط من الأرجنتينيين عن حدوث تحسن في مستوى معيشتهم. وأفاد 28 في المائة من الأرجنتينيين أن أوضاعهم الاقتصادية تراجعت في الفترة من 2002إلى 2007. وهنالك نسب عالية ممن يعتقدون أن مستوياتهم المعيشية تراجعت خلال السنوات الخمس الماضية، حيث أفاد بذلك كل من اللبنانيين بنسبة 58 في المائة، والفلسطينيين بنسبة 57 في المائة، والأردنيين بنسبة 42 في المائة. وأما بخصوص التفاؤل في المستقبل، فإن معظم شعوب العالم تعتقد، بغض النظر عن أوضاعها الحالية، أن مستقبلها سوف يشهد تحسناً خلال السنوات الخمس المقبلة وتعتقد أغلبية الشعوب التي تم استطلاع آرائها أنها سوف تكون على درجة أعلى من سلم التقدم الاقتصادي خلال السنوات المقبلة ولوحظ، بصفة خاصة، أن مستوى التفاؤل إزاء هذا الأمر أعلى في العالم النامي. وبينما يعطي سكان الدول الغنية لأنفسهم درجات أعلى بكثير على السلم الحياتي من سكان الدول الأفقر، إلا أن الفقراء يعتقدون أنهم سوف يرتقون درجات أعلى على سلم مستوى الحياة في المستقبل. ومن أمثلة ذلك أنه على الرغم من التحديات الضخمة التي يواجهها سكان دول جنوب الصحراء الإفريقية، فإنهم يعتبرون الأكثر تفاؤلاً بالنمو الاقتصادي المستقبلي بين شعوب مختلف دول العالم. ويعتقد 9 من كل 10 مواطنين في مالي، وساحل العاج، والسينيغال، أن حياتهم سوف تتحسن في المستقبل، كما أن الغالبية في 6 دول إفريقية الأخرى تعتقد أن مستوى حياتها سوف يرتفع ويسود التفاؤل كذلك معظم الدول الآسيوية، بما في ذلك عمالقة الاقتصاد في كل من الصين، والهند. ويعتقد 8 من كل 10 الهنود أن حياتهم المستقبلية سوف تكون أفضل على الصعيد الاقتصادي، كما أن 76 في المائة من الصينيين يتوقعون لأنفسهم حياة أفضل خلال السنوات الخمس المقبلة ويلاحظ من نتائج هذه الدراسة الميدانية أن معظم الأمريكيين اللاتينيين متفائلون. ويعتقد 50 في المائة، على الأقل، ممن تم استطلاع آرائهم أن حياتهم المستقبلية سوف تشهد تحسناً، مقارنة بالأوضاع الراهنة ويبرز البرازيليون في هذا الاتجاه بصفة ملحوظة، حيث أفاد 71 في المائة منهم أنهم يتوقعون مستويات حياتية أفضل خلال 5 سنوات، بينما توقع 7 في المائة منهم فقط مستويات معيشية أدنى. أما في الشرق الأوسط، فإن الصورة مختلطة بعض الشيء، حيث أبدى الكويتيون، والمغاربة، والإسرائيليون، تفاؤلاً في المستقبل بصفة عامة. أما في بقية أنحاء المنطقة، فإن نسبة التفاؤل كانت أقل، على الرغم من أن عدد المتفائلين يزيد على عدد المتشائمين، حتى في المناطق التي شهدت صراعات خلال السنوات الماضية، مثل لبنان، والأراضي الفلسطينية ولوحظ أنه كلما زاد ثراء البلد، قل عدد أولئك الذين يشعرون أن حياتهم سوف تتحسن خلال خمس سنوات. وفي المقابل نجد أن الشعوب الإفريقية الأشد فقراً، هي الأعلى تفاؤلاً بالتحسن الاقتصادي خلال السنوات الخمس المقبلة ومن الواضح أن ارتفاع المستوى المعيشي لسكان الدول الثرية يجعلهم لا يتوقعون حدوث المزيد من التحسن فيه خلال السنوات المقبلة وعلى الرغم من قوة علاقة الارتباط بين الثراء والتفاؤل، إلاّ أن هنالك حالات تشذ عن هذه القاعدة. فنجد، على سبيل المثال أن الدولة الأكثر ثراء في أوروبا الشرقية، أي جمهورية التشيك، لا يبدي سكانها درجة من التفاؤل تتناسب مع ثرائهم وهنالك دول غنية مثل الكويت، وكوريا الجنوبية، حيث يبدي السكان درجة أعلى من التفاؤل، رغم الثراء. وظل الأمريكيون على حالهم الذي أظهرته الدراسات الميدانية السابقة، بأنهم أكثر تفاؤلاً من أقرانهم الأثرياء في أوروبا، والدول الأخرى في العالم المتقدم ويبرز التقدم الاقتصادي كعامل مؤثر في الحياة، بما يتفوق على أثر عنصر الثروة، حين يتعلق الأمر بتفسير التغيرات التي يشهدها مستوى الرضا عن الحياة بمرور السنوات. ولوحظت درجات متزايدة من الرضا الشخصي في الدول التي تشهد مستويات عالية من التقدم الاقتصادي، وبالذات في الأرجنتين، وأوكرانيا، والصين وأظهر سكان هذه الدول تفاؤلاً كبيراً في المستقبل ولوحظ تراجع في الرضا الشخصي في كل من كندا، وبوليـﭭيا، وإيطاليا، وكذلك الأمر حول توقعات النمو الاقتصادي حيث أفاد الكنديون، والبوليـﭭيون، أنهم لا يتوقعون تقدماً اقتصادياً، بينما أفاد معظم الإيطاليين أنهم يتوقعون تراجعاً على مستوى النشاط الاقتصادي وهنالك استثناءات مهمة في المقارنة بين الإحصائيات الاقتصادية الشاملة، والتقييمات الشخصية، حيث تبرز روسيا كمثال صارخ على ذلك، إذ حققت زيادة بنسبة 42 في المائة في معدل نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي خلال السنوات الخمس الماضية، و مع ذلك فإن هنالك زيادة طفيفة في نسبة الروس الذين يعتبرون أن مستوياتهم المعيشية عالية، حين كانت 18 في المائة عام 2002، ووصلت إلى 23 في المائة فقط عام 2007. ونجد كذلك في دول جنوب الصحراء الإفريقية أن الأرقام الاقتصادية الشاملة تحسنت بصورة ملحوظة، غير أن مستوى الرضا عن الحياة لم يظهر بصورة واضحة، إلاّ في دولة واحدة، هي غانا. ونجد كذلك أن أعلى مستويات الرضا عن الحياة تم تسجيلها في كل من البرازيل، والمكسيك على الرغم من أن معدلات النمو الاقتصادي فيهما كانت متواضعة نسبياً خلال السنوات الخمس الماضية وشهدت البلدان التي حققت أعلى معدلات النمو الاقتصادي خلال السنوات الخمس الماضية، أعلى مستويات زيادة الرضا عن الحياة. وهنالك علاقة ارتباط أقوى بين التغير في الناتج المحلي الإجمالي والتقدم الشخصي، حيث إن أولئك الذين حققوا مستويات اقتصادية أعلى يصنفون حياتهم على مستوى نقاط أعلى على سلم القياس المكون من عشر نقاط. وارتفعت نسبة التفاؤل في البلدان التي حققت نمواً اقتصادياً ملحوظاً خلال هذه الفترة، مثل الأرجنتين التي ارتفعت نسبة المتفائلين فيها من 36 في المائة عام 2002 إلى 59 في المائة عام 2007، بينما شهدت بولندا زيادة من 36 في المائة إلى 49 في المائة، وشهدت الصين زيارة من 65 في المائة إلى 76 في المائة. ويعتقد معظم سكان هذه الدول كذلك أن حياتهم المستقبلية سوف تشهد تحسناً ملحوظاً ولوحظ أن علاقة الارتباط بين النمو الاقتصادي، والرفاه الشخصي، تصبح أكثر وضوحاً حين يمزج المرء مقاييس الرفاه، وهي الرضا الحالي عن الحياة، والتقدم الشخصي، والتفاؤل الشخصي ويمكن القول بصورة إجمالية إن بلداناً مثل الصين، وأوكرانيا، والصين التي حققت نمواً اقتصادياً أعلى منذ عام 2002، حققت مستويات رفيعة من رفاه الحياة حسب هذا المقياس المدمج وتحققت زيادة في رفاه الحياة بصورة خاصة في دول مثل الأرجنتين التي شهدت تقدماً ملحوظاً خلال السنوات القليلة الماضية. وشهدت البلدان التي عاشت ركوداً اقتصادياً خلال تلك الفترة مثل ساحل العاج، وإيطاليا، وفرنسا، ركوداً مماثلاً على مستوى الرفاه المعيشي، بينما شهدت دول مثل كينيا، وبيرو، ارتفاعاً في مستوى الرفاه الحياتي، على الرغم من النمو الاقتصادي المتواضع. كما أن دولاً مثل إندونيسيا، ونيجيريا، شهدت تراجعاً في الرفاه الحياتي، على الرغم من النمو الاقتصادي القوي نسبياً. وعلى صعيد الظروف الوطنية والاقتصاد العالمي، أبدى معظم شعوب الدول المغطاة في هذه الدراسة رضاً أكثر عن أوضاع بلدانهم، بأكثر مما كانوا عليه قبل خمس سنوات. وازداد عدد المتفائلين في 21 بلداً، بينما تراجع في 9 بلدان، وظل على حاله في 5 بلدان وأبدى 75 في المائة من سكان بنغلادش رضاهم عن توجه بلدهم، بالمقارنة مع 20 في المائة فقط عام 2002، في حين أصبحت نسبة الكينيين الراضين عن توجه بلدهم 45 في المائة، مقابل 8 في المائة عام 2002. ولوحظ تحسن في النظرة إلى توجه البلدان بين الأرجنتينيين، والهنود، والسلوفاك، والأردنيين، والأتراك، والصينيين. وتراجعت هذه النسبة في إيطاليا من 24 في المائة عام 2000، إلى 16 في المائة عام 2007 وتراجعت درجة الرضا كذلك في كل من كندا، وباكستان، وفرنسا، وجمهورية التشيك، وأوغندا وعلى الرغم من كل هذه الحقائق، إلاّ أن معظم الشعوب أبدت درجة من عدم الرضا عن توجهات بلدانها، حيث إن أغلبية سبع شعوب فقط أفادت بالرضا عن توجه بلدانها بين الدول الـ 47 المشمولة في هذه الدراسة أما بخصوص تحسن الوضع الاقتصادي المحلي، فقد تحسنت تقديرات الشعوب على مستوى العالم. وازداد عدد من يعتقدون أن اقتصاد بلدانهم تحسن خلال السنوات الخمس الماضية، وذلك في 28 بلداً من أصل 35 بلداً توافرت فيها البيانات اللازمة. وظهر هذا التحول الإيجابي في أبرز صوره في أمريكا اللاتينية، حيث ارتفعت نسبة من يعتقدون أن الاقتصاد الأرجنتيني تحسن من 1 في المائة عام 2002 إلى 45 في المائة عام 2007. وشهدت النسبة في فنزويلا ارتفاعاً من 21 في المائة إلى 57 في المائة. وكانت الاتجاهات إيجابية كذلك في أوروبا الشرقية، حيث كانت النسبة الأبرز لمن يعتقدون أن بلدهم في وضع اقتصادي جيد من نصيب السلوﭭاك (53 في المائة عام 2007، مقابل 7 في المائة فقط عام 2002). وشهدت النسبة الهندية كذلك تحسناً كبيراً، وكذلك كان الوضع بالنسبة للصين، وتركيا وبخصوص تأييد اتجاهات التجارة الدولية، تبين أن معظم سكان الدول ال 47 المشمولة في هذه الدراسة يعتقدون أن اتجاهات التجارة الدولية جيدة لبلدانهم. ويرى 80 في المائة من الإفريقيين المستطلعة آراؤهم أن لبلدانهم مصلحة جيدة في اتجاهات التجارة العالمية. وأبدى آخرون مزيداً من التشكك في ذلك، كما حدث بين الأردنيين. ويرى حوالي نصف الدول ال 35 التي توافرت فيها بيانات بهذا الخصوص أن التجارة العالمية لا تشكل عاملاً إيجابياً لاقتصادات بلادهم. وظهرت تراجع تأييد التجارة العالمية بالذات بين مواطني الاقتصادات الغربية المتقدمة وأما بخصوص وجهات النظر إزاء دور الشركات المتعددة في العالم، فإن الاتجاه العام كان إيجابياً، حيث أفاد سكان 41 دولة من أصل 47 دولة شاركت في الدراسة، أن هنالك آثاراً إيجابية لنشاطات الشركات متعددة الجنسيات على بلدانهم غير أن درجة عالية من التشكك في دور تلك الشركات ظهرت في مواقف شعوب الدول المتقدمة الاقتصادية، وبالذات بين الأمريكيين. كما أن الكنديين فقدوا بعض حماسهم لنشاط تلك الشركات، بينما كان التفاؤل بأثر تلك الشركات هو الأعلى بين شعوب الدول الأشد فقراً ولوحظ من نتائج الدراسة كذلك ازدياد المواقف الإيجابية إزاء دور حرية الأسواق في تحقيق النمو الاقتصادي، حيث يعتقد معظم الناس في الدول الغنية والفقيرة، أن الممارسات العملية التي تتم في ظل حرية الأسواق تعطي نتائج اقتصادية أفضل ويعتقد مواطنو 39 دولة من أصل 47 دولة شاركت في الدراسة أن حرية الأسواق تعمل في صالح اقتصاد بلادهم وازداد تأييد هذا التوجه في آسيا، وأوروبا الوسطى، وأمريكا اللاتينية. وكل ذلك بحسب رأي الكاتب في المصدر المذكور نصا ودون تعليق. المصدر:almajalah
|
![]() |