بريطانيا : اندفاع
نحو الاعتدال
سترايكر ماغواير
يبدو أن توني بلير
اختفى عن الساحة السياسية البريطانية. لكن إرثه السياسي الفريد لايزال
حيا
أين توني؟ صحيح أن البحث عن رئيس
الوزراء البريطاني السابق توني بلير لم يدرج في إطار كتاب للأطفال ولم
تنتج لعبة كمبيوتر عنه بعد، لكن لا تستبعدوا ذلك. فنادرا ما اختفى قائد
عالمي بهذه السرعة من دون أن يخلف أثرا. منذ أن استقال من منصبه في
يونيو بعد 10 سنوات باهرة ومثيرة للجدل في السلطة، لم يعد أحد يتذكر
هذا القائد الذي اعتبر أحد أهم رؤساء الوزراء البريطانيين في حقبة ما
بعد الحرب العالمية الثانية. «توني من؟» هو عنوان مقال حديث في صحيفة
غارديان بقلم سايمون هوغارت، الذي شبه مصير بلير بمصير عضو المكتب
السياسي الشيوعي الموصوم بالعار الذي محا الكرملين صورته من صورة
الاستعراض العسكري في عيد العمال خلال الحقبة السوفييتية. وقد كتب
هوغارت: "الآن السيد بلير إما مطعون في رأسه في المكسيك، أو الأسوأ من
ذلك، يحاول إرساء السلام في الشرق الأوسط".
الجواب الصحيح هو الاحتمال الثاني
(بصفته المبعوث الدولي الخاص للأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي
والولايات المتحدة وروسيا) لكن لا تدعوا الدعابات المتعلقة ببلير
تخدعكم. صحيح أن تعبير "وريث بلير" لم يكن متداولا الأسبوع الماضي في
المؤتمر السنوي للمحافظين من قبل الذين قارنوا قائدهم الشاب
والديناميكي ديفيد كاميرون برئيس الوزراء السابق. وصحيح أيضا أنه بدا
كأن ذكرى بلير محيت من أذهان مندوبي حزب العمال في مؤتمرهم في الأسبوع
الذي سبق ذلك» أشار براون بشكل عابر ومقتضب إلى بلير في خطابه الكبير.
لكن الفكرة القائلة إن بلير أصبح من مخلفات الماضي مضللة. فيما تسري
الشائعات بأن براون قد يدعو إلى انتخابات مبكرة بعد بضعة أسابيع، قد
يكون بلير أصبح من الماضي، لكن سياساته - التي قاد بها حزبه وبلده -
تبقى حية.
إن سياسات بلير لا تزال حية بالفعل
من خلال براون نفسه. كم هو من الغريب أن يكون رئيس الوزراء الجديد قد
تمكن في الوقت نفسه من القضاء على بلير وإكمال مسيرته بلا خجل.
لقد حصد
دعما شعبيا باهرا باعتباره نقيض بلير، بأسلوب جدي وهادئ ميزه عن بلير،
الذي اعتُبر أسلوبه الخطابي المصطنع تلاعبيا من قبل الناخبين الذين ثار
غضبهم بعد اجتياح العراق. مع ذلك، وعلى غرار بلير قبله، استمر براون في
اتباع سياسات متشددة في مسائل الهجرة ومكافحة الجريمة. وقد اقترح مثلا
أن يتم سجن أي شخص يحمل السلاح بطريقة غير شرعية لمدة أقصاها خمس
سنوات. ومن شأن إجراءات كهذه أن تساعد حزب العمال على ترسيخ موقعه
السياسي الوسطي الذي كان عاملا رئيسيا في فوز حزب بلير الساحق عام
1997. يقول مستشار بلير السابق، عالم الاجتماع أنتوني غيدنز، وهو
المدير السابق لكلية الاقتصاد في لندن: "من الواضح أنه [براون] عازم
على الاستمرار في دوره كسياسي من حزب العمال الجديد. على المرء أن
يستولي على خط الوسط، واستراتيجيته تقضي بدفع المحافظين إلى الهامش".
هذا ليس مستغربا، حتى بالنسبة إلى
الذين يشكّون في أن براون اشتراكي ضمنيا بالرغم من تنافس براون وبلير،
فقد تشاركا في هندسة حزب العمال الجديد. إذا بدا من ناحية أن براون
يحبذ المساواة أكثر من بلير في سياساته، فقد اعتمد من ناحية أخرى أجندة
أكثر صرامة وشعبوية، بتأييده سياسات تعطي الأفضلية لمواطنيه واستعماله
عبارات مثل ("وظائف بريطانية للبريطانيين") وهو أمر لم يكن مقبولا من
بلير في أواخر عهده. فدور بلير في حرب العراق كلفه فقدان تأييد أعداد
كبيرة من مناصريه، ما صعّب عليه مهمة الترويج لسياسات مثيرة للجدل. غير
أن عهد براون لا يزال في فترة شهر العسل، ما يتيح له القيام بخطوات
سياسية تنطوي على مخاطر. حتى في مسألة حرب العراق - التي قضت على
مستقبل بلير السياسي - فإن الفروق بين رئيسي الوزراء السابق والحالي
أقل مما تبدو عليه. لقد تم الترحيب بحفاوة بإعلان براون الأسبوع الماضي
عن انسحابات ستخفض عدد القوات البريطانية في العراق إلى 4500 جندي
بحلول نهاية هذه السنة، لكن بلير كان سيقوم بالأمر نفسه لو بقي في
منصبه.
وإذا بدا أن بلير اختفى، فذلك يعود
جزئيا إلى أن البريطانيين الذين سئموا حربا اعتبروها فاشلة شعروا
بارتياح كبير لرحيله. لكن السبب يعود أيضا إلى أن الكثير من السياسيين
تهافتوا على السياسات المعتدلة التي اعتمدها بلير لدرجة أنه لم يعد
هناك مكان له. فالاتجاه السائد في السياسة الآن هو الاندفاع نحو
الاعتدال في السابق رحب بلير بالإصلاحات الاقتصادية التي قامت بها
مارغريت تاتشر والتي دفعت حزبه نحو التشدد.
الأمر نفسه ينطبق على
براون، الذي دعا المرأة الحديدية التي استهزأ بها في الماضي باعتبارها
"متشددة وغير واقعية وصاحبة عقيدة غريبة" إلى شرب الشاي. وكذلك الأمر
بالنسبة إلى كاميرون، الذي يسعى لدفع حزبه نحو اليسار من خلال اعتماده
أجندة مراعية للبيئة أحيانا يبدو أن كلا من السياسيين الحاليين الذين
يحتمل أن يتم انتخابهم يمكن أن يكون خليفة للآخر، والفضل في ذلك يعود
إلى أنتوني تشارلز لينتون بلير، أينما كان.
*بمشاركة سوفي غروف في لندن
و كل
ذلك بحسب رأي الكاتب في المصدر المذكور نصا و دون تعليق.
المصدر:نيوزويك-13-10-2007
|