أميركا في مياه العمق الآسيوي... والمنافسون الجدد!

 

روبرت كابلان 

 

 

يعد التسريع بقدوم القرن الآسيوي، إحدى أهم النتائج الاستراتيجية المترتبة على حرب العراق. ففي الوقت الذي تنشغل فيه الولايات المتحدة الأميركية بحربها على العراق، ويواصل حلفاؤها الأوروبيون تقليص برامجهم الدفاعية، يلاحظ انشغال الدول الآسيوية، خاصة الصين والهند واليابان وكوريا الجنوبية، بتحديث برامجها العسكرية، بل بتوسيع تلك البرامج أحياناً.

وعليه فإنه يمكن القول إن دينامية القارة الآسيوية قد أصبحت الآن ذات طابع عسكري بقدر ما هي اقتصادية في الوقت ذاته. أما الجانب الخفي لهذا الاتجاه العام، فهو خسارة الولايات المتحدة للمحيط الهادئ، بعد أن ظل خاضعاً لها طوال 60 عاماً كما لو أنه بحيرة أميركية خالصة.

فوفقاً لمجموعة "التنبؤات الاستراتيجية"، وهي مجموعة أبحاث خاصة معنية بالسياسات، لن تمر بضع سنوات قادمة حتى تكف أميركا عن أن تكون أكبر مقدم للمساعدات الإنسانية لإندونيسيا على نحو ما فعلت عام 2005.

والسبب أن السفن الأميركية ستتقاسم المياه الإقليمية لذلك الأرخبيل مع سفن منافسة أخرى قادمة من أستراليا واليابان وكوريا الجنوبية. أضف إليها الصين التي فاق عدد غواصاتها خمسة أمثال ما تملكه الولايات المتحدة من غواصات.

وفي اعتقاد كثير من المحللين العسكريين أن ما تقوم به الصين في هذا المضمار، يعبر عن زيادة كمية هائلة في التقنيات الدفاعية البحرية، بما يهدد التطور التكنولوجي النوعي المنسوب للولايات المتحدة في المجال نفسه.

وإلى جانب الغواصات، فقد ركزت بكين جهودها على إنتاج الألغام البحرية والصواريخ البالستية القادرة على إصابة أهداف متحركة في مياه البحار، فضلاً عن التكنولوجيا القادرة على تعطيل الأقمار الاصطناعية الخاصة بنظم تحديد المواقع العالمية.

أما الهدف المشترك لجميع التقنيات الصينية، فهو الحيلولة دون اقتراب مجموعة السفن الأميركية الحاملة للطائرات من مياه العمق الآسيوي. ويعد هذا التطور التكنولوجي في الدفاعات الصينية، نقيضاً للتكنولوجيا المتخلفة القائمة على القنابل المصنوعة منزلياً التي تواجه بها قواتنا الآن في العراق وفيما لو أرادت الصين يوماً منازلة الولايات المتحدة عسكرياً، فهي تظل قادرة على ذلك بفضل ما لها من قدرات دفاعية لا يمكن الاستهانة بها مطلقاً.

ومما أستطيع فهمه أنه ما كان ممكناً لمليارات الدولارات التي أنفقت حتى الآن على حربنا في العراق، أن تنفق جميعها على برامج دفاعية جوية وبحرية ونظم دفاعية فضائية مكلفة، رغم أهميتها في سبيل الحفاظ على تفوقنا النسبي على دولة تنافسنا في المجال الحربي كالصين. غير أن هذا لا ينفي احتمال إنفاق جزء من الأموال المذكورة على هذه البرامج الدفاعية الحيوية.

ومهما يكن فإن هذا التوسع العسكري الصيني، القائم منذ 19 عاماً على ميزانيات دفاعية متضاعفة سنوياً، ليس سوى جزء من اتجاه إقليمي دفاعي عام. ولنذكر هنا أن روسيا التي تعد دولة باسيفكية بقدر ما هي أوروبية، تلي كلاً من الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الأوروبي مباشرة من حيث حجم الإنفاق العسكري.

وإلى ذلك فإن لليابان ما يقارب ثلاثة أمثال ما هو لبريطانيا في المجال البحري، وضمنه 119 سفينة حربية، منها 20 غواصة تعمل بنظام الديزل- الإلكتروني المزدوج. وليس مستبعداً أن تحتل الهند قريباً المرتبة الثالثة عالمياً في مجال الدفاعات البحرية، بما نرى من تزايد ملحوظ لأنشطتها البحرية على امتداد المحيط الهندي الممتد من قناة موزمبيق وحتى مضيق مالاكا الواقع بين إندونيسيا وماليزيا.

ليس ذلك فحسب، بل يلاحظ أيضاً أن كلاً من كوريا الجنوبية وسنغافورة وباكستان، تنفق من إجمالي ناتجها المحلي على ميزانياتها وبرامجها الدفاعية، بما يفوق إنفاق بريطانيا وفرنسا على البرامج نفسها، مع العلم أن هاتين الأخيرتين تعدان أوروبياً الأكثر جدية في تطوير استراتيجياتهما الحربية.

وفي الوقت ذاته منحت بكين جارتها إسلام أباد مبلغ 200 مليون دولار لمساعدتها في بناء ميناء بحري عميق في منطقة جوادار، الواقعة على بعد 390 ميلاً بحرياً فحسب من مضيق هرمز ومن جانب آخر تسعى بكين للتعاون مع المجموعة العسكرية الحاكمة في ميانمار بهدف بناء ميناء بحري عميق آخر في خليج البنغال. بل ألمحت بكين كذلك إلى احتمال تمويلها لتشييد قنال بحري عبر مياه "كرا" التايلندية البالغ عرضها 30 ميلاً، بهدف ربط مياه المحيط الهندي بالباسيفيكي.

ومما يثير الانتباه أيضاً أن الجناح العسكري لمنظمة "إيبك" يسعى هو الآخر لتمديد أنشطته حتى القارة الأفريقية. وعليه فليس سراً أن يكون أحد الدوافع الرئيسية لقرار "البنتاجون" بإنشاء قيادة عسكرية تابعة لها في القارة الأفريقية، مرتبط برغبتها في احتواء ومراقبة تنامي شبكة الأنشطة والبرامج التنموية الصينية على امتداد الإقليم شبه الصحراوي في القارة السمراء.

هذا ويمكن القول إيجازاً إن تنامي ثنائية النهوض الآسيوي من جهة، والتصدع السياسي الذي تشهده المنطقة الشرق أوسطية، يرجح أن توجه جميع الأنظار إلى المحيط الهندي والمياه الإقليمية المجاورة له، أي إلى نقطة الاختناق الملاحي التجاري، ممثلة في مضيق هرمز وباب المندب ومداخل البحر الأحمر، فضلاً عن مياه مالاكا الماليزية.

وسوف تكون هذه المياه معرضة على نحو مستمر لخطر الهجمات الإرهابية، مما يعني تزايد الحماية الصينية والهندية لها، طالما أنها تحمل المزيد من ناقلات النفط المتجهة من المنطقة الشرق الأوسط إلى السواحل الصينية والهندية بصفة خاصة. وعليه فإن التعاون الدفاعي، وليس الهيمنة السابقة، يجب أن يكون هدفنا في تلك المياه خلال الفترة المقبلة.

و كل ذلك بحسب رأي الكاتب فيالمصدر المذكور نصا و دون تعليق.

المصدر:الإتحاد الإماراتية- ينشر بترتيب خاص مع خدمة "نيويورك تايمز"-22-9-2007