هل تكره الولايات المتحدة الإسلاميين فعلا?!

         

 د.خالد شوكات

 

                                                                                     

اشاد الرئيس الاميركي جورج بوش بالانتخابات الفلسطينية, واشار ضمنا الى انها درس في الديمقراطية للعالم العربي, وتحذير للحرس الفلسطيني القديم, او من يمكن تسميتهم صراحة برموز الفساد الذين اثاروا بغلوهم وغيهم حفيظة ومقت الفلسطينيين طيلة عشر السنوات الماضية, كما لم يفت الرئيس بوش دعوة حماس الى الكف عن رفع شعار تدمير اسرائيل, ولعل في ذلك كشف اميركي لاهم شروط التعامل مع الاسلاميين الفلسطينيين في المستقبل القريب.

وفي حين رحب بوش بفوز الحزب الاسلامي الفلسطيني, في انتخابات شهد العالم باسره بنزاهتها وديمقراطيتها, فانه لا احد من الزعماء العرب - باستثناء الامير القطري, قد اعرب عن ترحيب مماثل, والثابت من تصريحات رسمية عربية معلنة ومبطنة, ان نتائج الانتخابات الفلسطينية قد ازعجت واقلقت حكام الدول العربية, وان هؤلاء كانوا يفضلون سيرة حكم عربية في فلسطين, كانت سترشد الرئيس الفلسطيني المحترم ابو مازن الى طريق التسعات الاربع, كما كانت ستقود فتح, على غرار الاحزاب العربية الحاكمة- الى فوز مؤزر ومريح لا جدال فيه.

ولم تكن عملية الترحيب الاميركي الرسمي بفوز الاسلاميين في انتخابات عربية, سابقة شاذة يمكن ان تثير دهشة المحللين واستغرابهم, فالناظر الى الموقف الاميركي في العراق, وهو بلد تحتله القوات الاميركية, سيلاحظ ان التغيير السياسي الذي اشرفت عليه الادارة الاميركية في هذا البلد العربي, قد جاء بالاسلاميين الى الحكم, فقد فازت الاحزاب الاسلامية, شيعية وسنية, بالانتخابات الديمقراطية التي جرت نهاية العام الماضي, و هيمن الاسلاميون فيها على ما يقارب المئة وثمانين مقعدا في برلمان مكون من ماتين وخمس وسبعين نائبا.

تماما كما لوحظ ان الادارة الاميركية لم تعترض من قبل على فوز الاسلاميين العراقيين بانتخابات البرلمان الانتقالي, وقيادتهم من خلال زعيم حزب الدعوة الاسلامي د.ابراهيم الجعفري للحكومة الانتقالية, فضلا عن موافقتهم على تولي حاجم الحسني رئاسة الجمعية الوطنية العراقية, وهو كما هو معروف زعيم اسلامي سني وقيادي بارز في الحزب الاسلامي, الجناح العراقي لحركة الاخوان المسلمين العالمية.

والى جانب البلدين العربيين المحتلين, اللذين شهدا - للاسف الشديد- الانتخابات الاكثر ديمقراطية وتعددية وشفافية في العالم العربي, فان الترحيب الاميركي الرسمي قد طال ايضا بعض الدول العربية التي شهدت انتخابات برلمانية تعددية منفتحة على مشاركة الاسلاميين, ومن هذه الدول جمهورية مصر العربية, التي يشير كثير من المحللين الى ان دعوة واشنطن الحكومة المصرية الى اتخاذ خطوات اصلاحية جدية, كانت الدافع الاساسي والضمانة الوحيدة للسماح لحركة الاخوان المسلمين المحظورة رسميا بالمشاركة, والفوز عمليا بما يناهز ربع مقاعد البرلمان الجديد.

وقد اكدت مصادر عدة, الى ان التحذيرات الاميركية الرسمية كانت الحائل الرئيسي دون وقوع تزوير كبير, كانت ترغب في اتيانه اطراف مصرية نافذة بهدف تطويق ما سمي بالخطر الاسلامي الداهم على المحروسة, ولعل جزع البيت الابيض من فوز ما يقارب التسعين اخوانيا بمقاعد برلمانية في مصر, كان الاقل قياسا بما اظهرته حكومات عربية عتيدة سارعت الى التضامن في مواجهة المد الاصولي والاتفاق على مبدا التاجيل الديمقراطي, مادامت الديمقراطية ستفتح برايهم ابواب جهنم على شعوبهم التي ترغد في نعيم عزهم الظليل.

وكما لم تظهر ادارة الرئيس بوش اي قلق حيال فوز الاسلاميين في العراق وفلسطين ومصر, فانها قد عبرت قبل هذه التواريخ بسنة تقريبا, على دعمها لعمليات التحول الديمقراطي في بعض البلدان العربية, التي اعتبرتها نماذج لا مناص من الاقتداء بها, ومن هذه البلدان المغرب والبحرين والكويت, وجميعها قد شهد خلال السنوات الماضية, انتخابات برلمانية فازت بها احزاب وحركات اسلامية ولو بشكل نسبي.

وغير بعيد عن العالم العربي, فان الحكومة الاميركية لم تنظر بامتعاض, او سعت الى العمل على منع الاسلاميين من الفوز الانتخابي وتشكيل الحكومات في اكثر من دولة اسلامية, ففي تركيا مثلا, بدا رئيس الوزراء رجب طيب اردوغان صديقا مقربا ونموذجا يحتذى في نظر المسؤوليين الاميركيين, حتى وان مانع هذا الصديق في فتح اراضيه امام القوات الاميركية للقيام بعمليات عسكرية ضد نظام الرئيس العراقي صدام, عندما تقرر اسقاطه قبل ثلاث سنوات.

وقد دافع الرئيس بوش بشراسة عن حكومة الاسلاميين الاتراك, وجازف بصداقاته الاوربية في سبيل ذلك, عندما دعا الاتحاد الاوربي الى قبول عضوية تركيا, بعد ان راى تصميم رئيس الوزراء رجب طيب اردوغان وحزبه الحاكم "العدالة والتنمية", على كسب هذا الرهان الخارجي, الذي سيعزز مسيرتهم الايجابية في تحقيق الكثير من الرهانات الداخلية, واهمها الرهانات الاقتصادية والاجتماعية, التي ستعد المعيار الاساسي للحكم شعبيا على تجربتهم في ادارة الحياة السياسية.

والى جانب تركيا, اظهر الاميركيون على الدوام دعمهم لرئيس الوزراء ومهندس النهضة الماليزية المعاصرة مهاتير محمد, وكذلك لخلفه عبد الله بدوي, وكلا الرجلين معروف بميوله الاسلامية, تماما كما ان "امنو" الحزب الحاكم في ماليزيا, حزب صاحب خلفية وطنية اسلامية, وحريص كل الحرص على ان تبقى هوية بلاد الملايو اسلامية على الرغم من انحدار ما يقارب النصف من سكانها من اصول هندية وصينية غير اسلامية.

ولقد شجع الاميركيون باستمرار تقريبا, تجارب التحول الديمقراطي في العالمين العربي والاسلامي, وخصوصا تلك التي افسحت المجال امام مشاركة كافة اطراف الحياة السياسية بلا استثناء, بما فيها الحركات والاحزاب الاسلامية, مخالفين بذلك الكثير من وجهات النظر الرسمية وغير الرسمية التي ابداها مسؤولون عرب ومسلمون, يرون ان الاسلاميين اعداء للديمقراطية, ولا يمكن لنظام ديمقراطي ان يقبل بهم, لكونهم سيستغلونها لالغاء قيمها في اول فرصة تسنح لهم.

والبين من خلال السيرة الرسمية الاميركية طيلة السنوات الماضية ما بعد انتهاء الحرب الباردة, ان قادة البيت الابيض لا يشاطرون الزعماء العرب بان الاسلاميين كلهم ملة واحدة, وانهم جميعا معادون للديمقراطية, اكانوا معلنين او مستترين, وانهم مقتنعون بان الانظمة الديمقراطية الحقيقية يجب ان تمنح كل من رغب في العمل السياسي السلمي والعلني فرصة, وان لا يجري الحكم الا على الافعال والممارسات فقط, لا التفتيش في النوايا وخبايا الضمائر.

ولعل قناعة قد تبلورت لدى كثير من قادة الراي والخبرة في الولايات المتحدة, مفادها ان اسلاميين حداثيين وديمقراطيين هم الاقدر في عالم عربي واسلامي متازم, على مواجهة الجماعات الاسلامية المتطرفة والارهابية, ومفادها كذلك ان ادماج حركات الاسلام السياسي في مؤسسات الحكم والسلطة سيساعد على تحويلها من حركات سياسية هامشية متنطعة ومتشددة, الى حركات سياسية واقعية وبرغماتية وعملية, قد تكون الاقدر على التحكم في شوارع تغلي غضبا, وعلى اتخاذ قرارات مصيرية وحاسمة فيما يخص حاضر ومستقبل شعوبها.

والراي ان الاسلاميين العرب مدعوون الى قراءة علاقات دولهم بالولايات المتحدة قراءة عملية وواقعية, بعيدا عن التشنجات والاحكام المسبقة والشعارات الجوفاء, و على ضوء التجارب المذكورة سلفا, وكذلك العمل على مراجعة مواقفهم وبرامجهم وسياساتهم بما يخدم عمليات التحول الديمقراطي في بلدانهم, وبما يقوي قدراتهم على التاثير ايجابيا في السياسات الاميركية حيال المنطقة وقضاياها الرئيسية, ويحول دون اضطرار واشنطن الى الاصطفاف مجددا الى جانب طغاة العرب والمستبدين, تحت ذريعة اهون الشرين واخف الضررين.

ويعتقد ان نماذج مثل رجب طيب اردوغان ومهاتير محمد, بامكانها ان تكون مفيدة جدا وملهمة لقادة الحركات الاسلامية العربية, من حيث تدليلها على ان العمل على توثيق الصلات مع رجل العالم القوي وفتح قنوات اتصال وحوار معه, افضل للتنمية والديمقراطية والحرية في العالم العربي, تماما كما هي الضرورة الى ان يعمل الاسلاميون المعتدلون بجدية ومشقة على ابعاد صورة "البعبع" المخيف عنهم, وعلى طمانة الاطراف الداخلية والخارجية من ان حضورهم السياسي او فوزهم الانتخابي او قيادتهم للعمل الحكومي, لن يشكل خطرا على مكتسبات الحداثة ومتطلبات العصر والمستقبل.

 و كل ذلك بحسب رأي د.خالد شوكات في المصدر المذكور.

المصدر: العربية نت نقلا عن صحيفة السيلسة الكويتية

.