حرب العراق... وخطر الانعزالية في السياسة الأميركية

 

 

كارل مينزنار

 

 

عاجلاً أم آجلاً، ستضع حرب العراق أوزارها على نحو ما وهناك سيناريوهان محتملان لهذه النهاية: فإما أن تؤدي زيادة عدد القوات الأميركية إلى إحداث قدر من الاستقرار في العراق بحيث يصبح سحب القوات الأميركية ممكناً (وهو أمر أقل احتمالاً)؛ أو أن الجمهور الأميركي قد يضيق ذرعاً بالحرب إلى درجة إقدام الولايات المتحدة على سحب قواتها من العراق بعد انتخابات 2008 الرئاسية، وذلك بغض النظر عن العواقب التي قد ينطوي عليها ذلك (وهو أمر أكثر احتمالاً).

وفي كلتا الحالتين، من المنتظر أن تشكل نهايةُ الحرب بداية معركةٍ أكثر احتداماً حول مستقبل السياسة الخارجية الأميركية.

والسؤال الذي يفرض نفسه هنا هو بكل بساطة: أي دور يتعين على الولايات المتحدة أن تلعبه في العالم؟

الواقع أن الحزبين الرئيسيين كليهما يوجدان في حيرة من أمرهما؛ ذلك أن ثمة مجموعة من "الجمهوريين"، وهي مجموعة آخذة في التقلص، مازالت تتمسك برؤية بوش المتمثلة في إعادة صياغة العالم وفق المنظور الأميركي، وذلك عبر الاستعمال المكثف للقوة.

بيد أن الكثير من المفكرين والمشرِّعين "المحافظين" تخلوا عن الرئيس الذي يتهمونه بالاستعمال المتهور للقوات الأميركية في إطار مواصلة سياسة بناء الدول في الخارج، وأصبحوا ينادون بالعودة إلى السياسات الانعزالية حمايةً لمصالح الولايات المتحدة الحيوية.

بالمقابل، أنتج كره الحرب في الجانب "الديمقراطي" نشطاء مناوئين للحرب تتمثل أولوية سياستهم الخارجية في إرجاع القوات إلى الوطن.

غير أن معارضتهم لاستعمال القوة العسكرية الأميركية في الخارج وضعتهم في خلاف وصِدام مع جناح "الصقور" في الحزب، والذي يجد نفسه محاصَراً أيضاً من قبل المناوئين للعولمة في "اليسار"، الذين يميلون إلى الارتياب في اتفاقات التجارة الحرة والشركات متعددة الجنسيات.

الواقع أنه من غير الواضح ما الذي سيفضي إليه كل هذا الخضم المتقلب، ولاسيما في وقت يتنافس فيه نحو عشرين مرشحاً للانتخابات الرئاسية من الحزبين "الديمقراطي" و"الجمهوري" على صياغة مواقف حيال هذه المواضيع؛ غير أن التاريخ يقدم مثالاً حافلاً بالدروس والعِبر.

فقبل تسعين عاماً من اليوم بالضبط، أشار الرئيس المثالي "وودرو ويلسون" إلى أدلة تفيد بوجود مؤامرة خارجية لمهاجمة مصالح أميركية في محاولة لحشد الكونجرس والجمهور الأميركي وراء مخططه القاضي بإرسال قوات إلى حرب خارجية.

لم تُسوَّق الحرب للجمهور الأميركي باعتبارها حرباً ضرورية للتصدي لتهديد معين ضد الولايات المتحدة فحسب، وإنما قُدمت أيضاً باعتبارها حرباً أخلاقية، ترمي إلى جعل العالم "آمناً من أجل الديمقراطية".

والواقع أن الدعم الشعبي للقوات الأميركية، استمر خلال الحرب؛ غير أن الناخبين سرعان ما تذمروا بعد نهاية الحرب من المثالية، التي أدت بالبلاد إلى الحرب؛ ونما شعور جماعي بأن الولايات المتحدة خُدعت ودُفعت إلى الحرب، ليس بسبب رئيس لديه رؤية تبسيطية ومثالية للعالم، وإنما أيضاً بسبب مخططات شركات تجارية استفادت من النزاع.

ولم يفوت خصوم "ويلسون" هذه الفرصة؛ حيث استغلوا الغضب الشعبي وحولوه إلى دعوات قوية للانعزالية، وهو ما أدى إلى إضعاف التزام الولايات المتحدة تجاه المؤسسات الدولية.

وكان من نتائج ذلك أيضاً أن خسر حزب الرئيس البيت الأبيض لاثنتي عشرة سنة متتالية. أي دروس وعبر يمكن أن نستخلصها من هذه القصة؟

أولاً، يجب وضع المسؤولية عن الإخفاق في العراق حيث تستحق أن توضع - أي في سياسات "المحافظين الجدد" أحادية الجانب، التي تتبناها إدارة بوش. فهذه السياسات هي التي دفعت الولايات المتحدة إلى تبني مقاربة "أبيض أو أسود" و"معنا أو ضدنا" مع بقية العالم، وألحقت ضرراً بصورة الولايات المتحدة في عدد كبير من بلدان العالم، وتسببت لنا في عزلة حتى من قبل أقرب حلفائنا.

ثانياً، يتعين على الولايات المتحدة أن تعيد التأكيد على دورها الإيجابي في المؤسسات والتحالفات متعددة الأطراف، وتواصل الاضطلاع به على اعتبار أن الولايات المتحدة والعالم سيواجهان، كليهما، تحديات كبيرة على مدى العقود المقبلة - ارتفاع حرارة الأرض، الانتشار النووي، تغير ميزان القوى في العالم - وكلها أمور لا تستطيع الولايات المتحدة مواجهتها بمفردها، نظراً لأنها تتطلب رداً جماعياً من جميع البلدان.

ثالثاً: يتعين على كل من "الديمقراطيين" و"الجمهوريين" أن يؤكدوا على تعاون الحزبين الرئيسيين بخصوص سياسة الولايات المتحدة الخارجية.

ففي وقت تسير فيه حرب العراق نحو نهايتها، ستميل بعض الأطراف إلى استغلال المشاعر المناوئة لتدخل الولايات المتحدة في الخارج والمسؤولية عن الحرب من أجل تحقيق مكاسب حزبية على المدى القصير.

غير أنه يجب مقاومة هذه الميول؛ كما يتعين على الحزبين الرئيسيين أن يعملا معاً على صياغة رؤية متلاحمة ومنسجمة لمكانة الولايات المتحدة في العالم في أعقاب حرب العراق. إذ سيكون من المؤسف أن إخفاقات إدارة بوش، لم تكن سوى نذر لأخطاء أشد فداحة وخطراً في السياسة الخارجية الأميركية خلال المقبل من العقود.

*زميل "مجلس العلاقات الخارجية" الأميركي

و كل ذلك بحسب رأي الكاتب في المصدر المذكور نصا و دون تعليق.

المصدر:الإتحاد الإماراتية- ينشر بترتيب خاص مع خدمة "كريستيان ساينس مونيتور"-23-6-2007