الاتحاد الأوروبي... مشروعات مؤجلة ومواقف متباينة
روبرت ماركواند
سعت أوروبا طيلة العقود السابقة إلى تحقيق أكبر قدر من الوحدة في محاولة للإجابة عن السؤال المشهور الذي طرحه ذات يوم "هنري كيسنجر" عندما تساءل متهكماً "ما هو رقم هاتف أوروبا؟ لذا جرت مباراة حامية الوطيس يومي الخميس والجمعة الماضيين بمدينة بروكسيل للخروج بأوروبا موحدة وأكثر حسماً في اتخاذ قراراتها. ويرى الألمان، الذين تترأس بلادهم الدورة الحالية للاتحاد الأوروبي حتى نهاية شهر يونيو الحالي، بأن الوقت بدأ ينفد لتحريك المسار الأوروبي من خلال إقامة رئاسة دائمة واستحداث منصب وزير الخارجية، وسلك دبلوماسي، بحيث يصبح الاتحاد الأوروبي قادراً على اتخاذ القرارات من دون الحصول على إجماع 27 دولة مختلفة، بل ومتباينة المواقف أحياناً. لكن التحفظ الراسخ لدى كل من بريطانيا وبولندا إزاء موضوع تفويض السلطات إلى حكومة مركزية في بروكسل، والشكوك حول قدرة كل دولة على المصادقة على القوانين كافة يضع مجمل الاتفاق المنشود موضع التساؤل. أما المستشارة الألمانية "أنجيلا ميركل"، التي تسعى إلى إقرار الإصلاحات، فقد كانت واضحة عندما حذرت القادة الأوروبيين من أن الفشل خلال نهاية الأسبوع الجاري من التوصل إلى اتفاق سيعطل مسيرة الاتحاد الأوروبي لسنوات مقبلة، كما سيصيب الاتحاد بالقصور والانقسام في ظل العدد الكبير لأعضاء الاتحاد الأوروبي. ويعبر عن هذا التخوف "هنريخ كريفت"، دبلوماسي ألماني سابق وأحد كبار مستشاري "الاتحاد المسيحي الديمقراطي" بقوله "لقد كانت أوروبا دائماً تتقدم في مسيرتها من خلال المشاريع والرؤى الطموحة، لكننا اليوم ينتابنا شعور بأن الأمور ليست على ما يرام، وبأنه ما لم نجمع شمل أوروبا، فإنها ستبقى في الخلف. إنها لحظة حاسمة قد تنتهي بمجموعتين لكل منهما طريقه الخاص". وترجع المساعي التي تبذل حالياً لبناء الاتحاد الأوروبي إلى عام 2004 عندما وقعت الدول الأعضاء على اتفاقية روما لإقامة ما يُشار إليه أحيانا "بأوروبا الخارقة". بيد أن تلك الجهود سرعان ما انهارت، عندما صوتت فرنسا وهولندا ضد الدستور الأوروبي في استفتاء شعبي. ولم يكن مجدياً استئناف الجهود مرة أخرى إلا بعد مرور الانتخابات الفرنسية خلال شهر مايو الماضي. ويبدو الرئيس الفرنسي الجديد "نيكولا ساركوزي" واثقاً من قدرته على مساعدة ألمانيا في إطلاق المشروع الأوروبي، لا سيما بعدما تراجعت الخطة الألمانية عن تشديدها على كلمة "الدستور"، ومركزة بدلاً من ذلك على "المعاهدة الخاصة بالإصلاحات المؤسساتية"، التي يفترض أن تصادق عليها البرلمانات الوطنية دون الحاجة إلى تنظيم استفتاءات شعبية، الأمر الذي سيسهل من عملية تمريرها. وتسعى "أنجيلا ميركل" إلى وضع جدول زمني، يمتد على مدى ستة أشهر يفضي في الأخير إلى إقرار الإصلاحات المطلوبة وإجراء الانتخابات الأوروبية عام 2009 تحت قوانین جدیدة. وسيكون بمقدور الأوروبيين حينها التصويت على برلمان فيدرالي بنفوذ وصلاحيات أكبر. لكن بالرغم من المساعي الألمانية التي تدفع في اتجاه تبني الإصلاحات الجديدة وتعزيز الوحدة الأوروبية، فإنه لم يتضح بعد ما إذا كان القادة الأوروبيون سينجحون في التوصل إلى اتفاق خلال اجتماعهم الذي سيختتم أشغاله يوم السبت. ومع أن الألمان توقعوا من رئيس الوزراء البريطاني توني بلير أن يعمل على تهيئة الأجواء في بلاده لتقبل الإصلاحات الجديدة للاتحاد الأوروبي، فإن البريطانيين أبدوا تحفظاً كبيراً إزاء التغييرات التي قدمت لهم. والواقع أن بريطانيا ليست مستعدة للتخلي عن سياستها في مجال الهجرة والشؤون الخارجية ليتولى الإشراف عليها الاتحاد الأوروبي. وقد شبه أحد المعلقين في باريس العمل في ظل اتحاد أوروبي يبلغ عدد أعضائه 27 دولة بالقوانين نفسها التي كانت سائدة عندما كان الأعضاء نصف عددهم الحالي بعملية "استخدام جهاز كمبيوتر بنظام تشغيل يعود إلى القرن العشرين، بينما نحن في القرن الحادي والعشرين". وفي قارة تفتخر بهوياتها القومية المختلفة يبقى من الصعب نقل السلطة إلى مركز فيدرالي موحد. ويظل هذا التحول في أيدي النخبة التي تتهيب من عرض المسألة على التصويت الشعبي. وفي هذا الصدد صرح الرئيس الفرنسي الأسبق ومهندس الدستور الأوروبي "فاليري جيسكار ديستان" قائلاً "إن الفرنسيين يتبنون دون وعي منهم المقترحات، التي لا نجرؤ نحن على طرحها أمامهم مباشرة". وتبرز الاختلافات حول بعض القضايا الأساسية لاستكمال البناء الأوروبي في المواقف المتباينة أحياناً للدول الأعضاء، حيث ترفض بولندا، التي تدعمها التشيك نظام التصويت الحالي المعمول به في الاتحاد الأوروبي، وتطالب بنظام آخر يكون في صالح الدول الصغيرة. هذا بالإضافة إلى العلاقات البولندية الألمانية ذات الحمولة التاريخية المشحونة، والتي دفعت رئيس الحكومة البولندي أمس إلى ربط مسألة إحراز التقدم في المحادثات بتلقي تعويضات من ألمانيا نظير الغزو النازي لأراضيها خلال الحرب العالمية الثانية. ومع أن بولندا لا ترغب في عزل نفسها وتحمل مسؤولية فشل المباحثات الأوروبية في بروكسل، إلا أنها تتبنى فعلاً مواقف متشددة، شأنها في ذلك شأن بريطانيا. وقد كان رئيس الوزراء البولندي واضحاً عندما حذر قائلاً:"لا يستطيع أحد الاعتماد على موافقتنا، وفي الحالة القصوى، سنستخدم حق النقض". ويضيف في هذا السياق "بيرنهارد كامبمان"، المتحدث باسم السفارة الألمانية في باريس قائلاً "إن احتمال التوصل إلى اتفاق خلال اجتماع بروكسل يبقى 50% فقط مع وجود إمكانية لا يستهان بها للفشل. لكن من دون التوصل إلى اتفاق بين الأوروبيين، فإنه سيكون من الصعب إجراء انتخابات عام 2009". *مراسل "كريستيان ساينس مونيتور" في فرنسا و كل ذلك بحسب رأي الكاتب في المصدر المذكور نصا و دون تعليق. المصدر: الإتحاد الإماراتية- ينشر بترتيب خاص مع خدمة "كريستيان ساينس مونيتور"-23-6-2007
|