"البنتاجون"... استراتيجية جديدة للقارة السمراء
جيني هيل
عندما وصل الضابط "سامسون جيمس هاذاوي" وفريق البناء التابع لقوات البحرية الأميركية إلى بلدة "هول-هول" بجيبوتي قبل ثلاثة أشهر، وقف الجميع وسط الجو الحار يشاهدون قطيعاً من الإبل تعبر الأراضي المكسوة بالتراب والحصى. وقال الضابط هاذاوي:"إن عملنا هنا محدد سلفاً". بعد ذلك، أقام جنود "المارينز" والبحرية معسكرهم على ملعب لكرة القدم محاذٍ لخط السكك الحديدية، الذي يربط جيبوتي بإثيوبيا، غير بعيد عن مخيم صومالي للاجئين. وقد أنيطت بالفريق المؤلف من 26 رجلاً من مدينة "غالفبورت"، الواقعة بولاية ميسيسيبي، مهمة إعادة تسقيف مدرسة البلدة، وإنشاء مراحيض جديدة، وقاعة للاجتماعات. ومن المنتظر أن يبقى الفريق في "هول-هول"، التي تبعد عن القاعدة العسكرية الأميركية الواقعة بـ"معسكر ليمونيي" بنحو ساعتين، إلى حين استكمال المهمة في سبتمبر المقبل. تعد هذه المجموعة الصغيرة جزءا من مهمة عسكرية أكبر، تهدف إلى معالجة الأسباب الحقيقية للإرهاب، وذلك عبر التركيز على الدبلوماسية والتنمية. ولهذا الغرض، يعمل فريق العمل المشترك للقرن الأفريقي، الذي يوجد معظمه في "معسكر ليمونيي"، على مساعدة هذه المنطقة التي تتميز بالتوتر– وبخاصة الحرب الأهلية في الصومال. ويسعى إلى خلق نموذج يمكن أن يستفاد منه في تشكيل القيادة الأميركية في أفريقيا "أفريكوم"، وهي القواعد العسكرية الجديدة التي تعتزم الولايات المتحدة إقامتها في أفريقيا، ومن المرتقب أن تبدأ في غضون 16 شهراً. وفي هذا الإطار، يقول الضابط "روبرت مولر": "لقد كان فريق العمل المشترك في منطقة القرن الأفريقي فرصة لاختبار الأفكار والمفاهيم؛ وقد توصل لمقاربات أثبتت نجاحها في عدد من دول المنطقة"، قبل أن يضيف "إن جزءا مهماً من مبادئ "أفريكوم" يقوم على التعاون؛ ومن المهم أن يرى شركاؤنا الأفارقة استمراراً وانسجاماً في مقاربتنا". يأوي موقع "معسكر ليمونيي" الواقع في أطراف مدينة جيبوتي 1800 جندي ويوظف نحو 700 مواطن من جيبوتي؛ وتقع القاعدة تحت سلطة سلاح البحرية، بتعاون وثيق مع قوات "المارينز" والجيش والقوات الجوية. وقد أنجز فريق العمل المشترك في منطقة القرن الأفريقي خلال السنوات الأربع الماضية مئات المشاريع من قبيل حفر الآبار، وبرامج التطعيم، وأعمال الإغاثة أثناء الكوارث، والتدريب العسكري. ومن المرتقب أن تموِّل ميزانيةُ 2007، التي تبلغ 49 مليون دولار عمليات في جيبوتي وإثيوبيا وكينيا وسيشيل، واليمن. يقول الكولونيل "مايكل ماكميلي"، الذي يستعمل طائرة من طراز "سي-130" لتزويد الجنود الثلاثمائة الذين يعملون في الميدان بالمؤونة:"إنه تحد لوجستي كبير؛ ذلك أننا نحاول الوصول إلى مناطق نائية تنعدم فيها الطرق المُعبدة، ونقوم بنقل تجهيزات غالية وهشة". غير أن "ستيفان موريسون"، مدير "برنامج أفريقيا" في "مركز الدراسات الدولية والاستراتيجية"، يرى أن ميدان العمل النائي، يمثل فرصاً قيمة للتدريب إذ يقول:"إن الجنود يطورون مهارات الانتشار الأساسية مثل البناء، وصيانة المعسكر، وبناء الفريق"، مضيفاً "ثم إنها فرصة مثالية للتفاعل مع المجتمعات المحلية في بيئة شبه معادية". وفي هذا السياق، يرى "هاذاوي"، الذي أُرسل إلى جيبوتي بعد خمسة أشهر قضاها في العراق، أن أحد الجوانب المفيدة في مهمته في "هول-هول"، يتمثل في الاحتكاك بالسكان المحليين إذ يقول: "هنا، نرى نفس الأشخاص كل يوم ونتفاعل معهم". وفي محاولة للتغلب على حاجز اللغة، يتحدى فريق "غالفبورت" حرارة جيبوتي القاسية، فيجرون مباريات في كرة القدم مع أطفال المنطقة. وفي هذا الإطار، يقول "عبد الرحمن بوسيس"، وهو من سكان" هول-هول" العاطلين عن العمل: "في البداية، كنا مرتابين في أمرهم؛ أما اليوم، فنعلم أنهم أناس طيبون يقومون بأشياء جيدة لفائدة بلدتنا". من جانبه، يرى مدير الشؤون العامة، الرائد "ديفيد مالاكوف"، أن هذه الجهود الرامية إلى التواصل مع السكان المحليين يمكنها أن تترك انطباعاً إيجابياً حول الجيش الأميركي، إلا أنه يبدو مع ذلك مدركاً للتحدي إذ يقول: "ما هو الفرق الذي سنُحدِثه؟ هذا سؤال من الصعب الإجابة عليه. فهو ليس شيئاً يمكن أن نحكم عليه في المدى القريب"، مضيفاً "إن المجموعة التي نستهدفها هي أطفال اليوم. وبالتالي، فإننا لن نعرف الجواب قبل 10 سنوات أو 15 سنة. ولكننا نأمل أن نكون قد استطعنا إنقاذ أرواح على المدى البعيد". ويعتقد "مايكل أوهانلون"، محلل السياسة الخارجية بمؤسسة "بروكينز"، أن برامج الشؤون المدنية "التي تُنجَز بشراكة مع البلدان المستضيفة، إضافة إلى الجهود الرامية إلى تعزيز التنمية الاقتصادية، يمكنها أن تساعد جدا كجزء من استراتيجية أكبر". غير أن "أليكس دي وال"، مدير منظمة "جاستيس أفريكا" البحثية، التي يوجد مقرها بلندن، يجادل بأن تغطية وسائل الإعلام الدولية للجيش الأميركي في الحرب، تلقي بظلالها على المنفعة، التي تُحققها هذه المشاريع الصغيرة إذ يقول:"إن الضربات الجوية التي استهدفت في يناير الماضي مشتبهاً في انتمائهم لـ"القاعدة" جنوب الصومال كان لها وقع كارثي على صورة الولايات المتحدة في المنطقة"، مضيفاً "الواقع أن طائرات الهيلوكبتر الأميركية لم تقلع من "معسكر ليمونيي"؛ غير أن الكثيرين في المنطقة يعتقدون أن كل ذلك هو جزء من مخطط واحد". حتى الآن، من غير الواضح كيف ستتطور وظيفة "معسكر ليمونيي" عندما تصبح المسؤوليات الحالية التي تُنجز تحت إشراف القيادتين العسكريتين الأميركيتين في المحيط الهادي وأوروبا والقيادة المركزية موحدة في إطار قيادة واحدة خاصة بالقارة الأفريقية. غير أن الضابط "مولار" يرى أن فريق العمل المشترك في منطقة القرن الإفريقي يشكل نموذجاً جيداً للتنسيق بين وكالات مختلفة من النوع الذي تطمح "أفريكوم" إلى تحقيقه إذ يقول:"لقد أدركنا منذ وقت طويل أن التحديات في أفريقيا لا يمكن حلها بواسطة الوسائل العسكرية فقط. ذلك أن التنمية الاقتصادية، والإدارة الحكومية، والصحة، والجريمة، والفقر كلها أجزاء من البيئة الأمنية". أما "موريسون" من "مركز الدراسات الدولية والاستراتيجية"، فيرى أن مصالح الولايات المتحدة في أفريقيا ازدادت كثيراً في السنوات القليلة الماضية في ما يتصل بأمن الطاقة ومحاربة الإرهاب واحتدام المنافسة مع الصين إذ يقول: "إن إنشاء "أفريكوم" يعكس الحاجة إلى مقاربة موحدة تحظى بأهمية أكبر في إدارة المصالح العسكرية الأميركية في القارة. غير أن ذلك ما يزال في مرحلة التخطيط. أما القرارات بشأن الهيكلة الداخلية لـ"أفريكوم" ومواقع القواعد، فستُتخذ عندما يتم تحديد المهمة بشكل أكثر وضوحا". *مراسلة "كريستيان ساينس مونيتور" في جيبوتي و كل ذلك بحسب رأي الكاتب في المصدر المذكور نصا و دون تعليق. المصدر:الإتحاد الإماراتية- ينشر بترتيب خاص مع خدمة "كريستيان ساينس مونيتور"-23-6-2007
|