سيناريو احتماليّ للتأمّل... لا أكثر
حازم صاغيّة
عندما يتحدّث روبرت غيتس بإيجابيّة عن العسكريّة الصينيّة وعن إمكانات التعاون معها، فهذا مدعاة للتأمّل، خصوصاً أن وزير الدفاع الحاليّ ناقض ما كان قاله سلفه قبل عامين مناقضة كاملة. ذاك ان دونالد رامسفيلد كان اعتبر العسكريّة المذكورة أهمّ تهديد تواجهه آسيا وأمنها، وإذا بخليفته يقول العكس تماماً. وتحوّلٌ كهذا في النظر الأميركيّ الى الصين يصعب ألاّ يذكّرنا بمحاولة نيكسون وكيسينجر الناجحة، إبّان الحرب الباردة، لكسب بكين ووضعها في مقابل موسكو. لكنّ التذكير بالحرب الباردة والقياس بها صار مشروعاً نسبيّاً بعد أن تحدّث عنها بوتين، ووزير خارجيته لافروف، بصراحة لا تحتمل تأويلاً. ولئن اتّهمت موسكو الدروع الصاروخيّة الأميركيّة بالتسبّب بها، فإن الزعيم الروسيّ لم يتردّد في التهديد بتوجيه صواريخه نحو أوروبا. وهذا، غنيّ عن القول، لبّ الحرب الباردة وجوهرها. ولقائل أن يقول إن في الأمر مبالغات: فاقتصاد روسيا اليوم، على عكسه في الزمن السوفياتيّ، موصول بالسوق، طالب الاستقرار، والفارق في الانفاق العسكريّ بينها وبين أميركا مهول، فيما تفتقر موسكو الراهنة الى الشحنة الايديولوجيّة والتعبويّة التي وفّرتها الشيوعية قبلاً، فأنشأت بها جسراً كونيّاً وأنشأت لها حلفاء كونيّين. مع هذا، ثمّة إشارات لا تخطئ على اصطفافات إن لم تنمّ عن حرب باردة نمّت عن شيء منها. فإلى التنافس على الصين، هناك أوروبا التي تجاوزت إشكالها العراقيّ مع واشنطن لترصّ الصفّ الأطلسيّ، وهناك الحوار الأميركيّ - الإيرانيّ الذي يوحي، في المقابل، باقتراب أميركيّ من أوروبا تكمّله مراجعة جورج بوش لمسألة التسخين الحراريّ التي لم يعترف بوجودها قبلاً. وهو كلّه يتصاحب، في الإعلام الغربيّ، مع إشارات الى عزلة نائب الرئيس ديك تشيني عرّاب «المحافظين الجدد». وتندرج في وجهة كهذه إشارات مبعثرة يتصدّرها التراجع الأميركيّ عن الإلحاح الديموقراطيّ لصالح تعزيز الأنظمة الحليفة كائناً ما كان تركيبها. لكنّنا، أيضاً، نشتم مثل هذه الرائحة في التلاقي الإيرانيّ - التركيّ حول الأكراد وتحجيمهم، وفي الصفقة المحتملة بين برويز مشرّف وبنازير بوتو، بحيث تُتاح للثانية حصّة في السلطة الباكستانيّة تتعزّز بموجبها قوّة الأوّل. ولا يفوتنا التذكير بأن ايران وتركيا، وهما بمعنى ما جنوب روسيا، لا بد أن تعاودا تكييف جسميهما على وقع تحوّل روسيّ كبير. أما الوضع الذي ينشأ عن تحالفهما، جرياً على ما كان قائماً قبل ثورة الخميني، فلا مكان فيه لقوى، كالأكراد، خارجة عن نظام الدول الاقليميّ. وبالقياس نفسه، يصار الى توسيع قاعدة النظام الباكستانيّ لكي يعاود المسيرة التي كان عليها إبّان معظم الحرب الباردة : توازن قلق بين المدنيّين والعسكر بدلاً من حكم عسكريّ بحت. وربما اندرج في وجهة كهذه ظهور تبايُن سوريّ - إيرانيّ، وسورية تقع تقليديّاً في الحصّة المناوئة للغرب، وتراجع القلق الاسرائيليّ حيال ايران عما كانه قبل أشهر قليلة، في مقابل بروز قلق كرديّ لم يكن بيّناً من قبل. وبطبيعة الحال فإن اصطفافاً كهذا سيطرح على الحركات الأصوليّة في عمومها سؤال الأسئلة، وهو إعادة اختراع دور جديد لها تكون مرفقة بتجدّد الفرز والتوزّع في داخلها، كما قد يطرح على لبنان أسئلة أخرى تكمن مصادرها في التحوّلات الطارئة على القوى المؤثّرة فيه. وهو، عموماً، سيناريو احتماليّ للتأمّل، تعزّزه أسباب وتناقضه أسباب أخرى. ولربّما رسونا، بين هذه وتلك، على وضع يقف في المكان الوسط بين الحرب الباردة وبين أوائل التسعينات حين تبدّى أنها انتهت وصارت من الماضي. لا هو هذا تماماً ولا ذاك. و كل ذلك بحسب رأي الكاتب في المصدر المذكور نصا و دون تعليق. المصدر:الحياة اللندنية-6-5-2007
|