الإتحاد الأوروبي؛خمسين سنة من الرخاء المشترك

 

 

جيم هوغلاند

 

انحناءة للاتحاد الأوروبي .. ولكنها بشرط

حاول الرومان ونابليون وهتلر فرض القوة الوحشية لخلق دولة أوروبية عظمى قوية، فيما تمكن رجل أعمال فرنسي ضعيف ومسلح فقط، بنظرية سياسية وفهم عميق للمصالح الاقتصادية الذاتية، من النجاح في الذي فشل فيه الطغاة.

وكان الرجل الفرنسي هو جان مونيه، ويحتفل الأوروبيون الآن بما خلقه لهم بذكراه الخمسين، والإشارة هنا للاتحاد الأوروبي. من هنا يمكننا القول إحتفاء به أن نرفع له الأنخاب، ولكن ضعوا يدكم الأخرى على محفظة نقودكم. وكالعادة يتعين على الأوروبيين الاحتفال بالوحدة غير المحتملة التي حققوها بالقلق حول كيفية الحفاظ عليها.

ومن الحكمة إبقاء الاحتفال محدودا ووصفات مونيه للوحدة في الذهن. وعودة الكرملين السرية إلى التعامل مع أوروبا عبر سياسة الترويع تخلق توترات خطرة داخل الاتحاد الأوروبي وعبر الأطلسي. ويبدو أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يرحب بتلك النتيجة وإن لم يكن يسعى إليها. ومن المحتمل أن تشتد التوترات داخل أوروبا حول الرد على التحديات الروسية الجديدة في الأسابيع المقبلة. ومن المتوقع أن تطلب بريطانيا مذكرات اعتقال دولية لشخص روسي واحد على الأقل متهم بتسميم الكسندر لتفينينكو بالبلوتونيوم بلندن في نوفمبر، في الوقت الذي أشارت فيه حكومة بوتين باستمرار إلى أنها ترفض تسليم ضابط المخابرات السوفياتية السابق ديمتري كوفتين، أو أي شخص متورط في القضية سيئة السمعة.

وأبلغ بوتين المسؤولين الأميركيين بأن بريطانيا تتوقع تماما رفضا روسيا، مما يترك رئيس الوزراء توني بلير في مواجهة قرار كابوسي: هل يسعى إلى دعم الاتحاد الأوروبي لممارسة ضغط على روسيا من أجل التعاون، أم يتراجع عن جريمة دولية خطيرة اقترفت على الأرض البريطانية؟

وتبدو الفرص شحيحة لرد أوروبي موحد على روسيا بوتين الغنية بالطاقة. وهذا هو، على الأقل، الاستنتاج الذي يظهر من الصخب الدبلوماسي الجلي والمكثف بين الحكومات الغربية، حول الهجمات الأخيرة من جانب بوتين وجنرالاته على الخطط الأميركية، لوضع عدد محدود من وسائل اعتراض الصواريخ في بولندا وجمهورية التشيك.

وتدفع التصريحات الروسية الديمقراطيين الاجتماعيين اليساريين في ألمانيا إلى استئناف العمل للنجاح في الانتخابات عبر الارتياب بالدوافع الأميركية في كل منعطف. ويندفع زعماء الحزب نحو ترديد أصداء التذمرات الروسية حول غياب التشاور، على الرغم من الاحتفاظ بسجل واضح لمثل هذه المشاورات. وحذر وزير الخارجية فرانك والتر شتاينمير في البوندستاغ (البرلمان) الأسبوع الماضي من أن الولايات المتحدة يمكن أن تكون مخطئة في دفع الدول استباقيا إلى الموافقة على قواعد الصواريخ وأشار إلى أن واشنطن، وليس موسكو، هي التي يمكن أن تخضع لإغراء دق أسفين بين أوروبا وأميركا.

علنيا، بذلت إدارة بوش جهودا من أجل كتم الجدل الذي أثارته الصواريخ. وحينما انتقد بوتين بحدة خطة نشر الصواريخ في الشهر الماضي بميونخ، بادر وزير الدفاع روبرت غيتس الذي كان حاضرا الجلسة إلى استشارة البيت الأبيض ووزارة الخارجية، ثم تم تغيير النبرة علنيا، لكن في الجلسات الخاصة كان الدبلوماسيون الأميركيون صارمين مع المبعوثين الروس.

لكن كان على واشنطن أن تقصي الآمال في نشر الصواريخ التي قالت واشنطن عنها إنها من أجل إيقاف الصواريخ الإيرانية. كذلك وافق بوش على إجراء نقاش شامل لنشر الصواريخ من خلال الناتو، ثم من خلال مجلس الناتو ـ روسيا.

حسب معايير الحرب الباردة تعتبر المواجهة الدبلوماسية التي وقعت مع روسيا ضئيلة، لكنها بوصلة تكشف عن بقاء النزاعات القومية بين روسيا وبين تلك الدول التي كانت تحكمها ذات يوم.

وهنا يعود جان مونيه إلى الصورة، وهو في الأساس تاجر ورجل مال، وأصبح موظفا دوليا مكرسا كل جهوده لإبقاء فرنسا وألمانيا بعيدين عن تكرار ما حدث من مذابح خلال الحربين العالميتين، إذ يمكن ضمان السلام فقط من خلال دولة فيدرالية تضم أوروبا كلها. وكتب عام 1943 يقول: أن ذلك سيجعلها ضمن وحدة اقتصادية مشتركة.

بعد الحرب، وضع إنتاج الحديد والفحم الحجري في فرنسا وألمانيا تحت «السلطة الأوروبية العليا» التي تطورت بعد ذلك إلى «السوق المشتركة» ثم إلى «المجموعة الأوروبية» وبعد ذلك تحولت إلى «الاتحاد الأوروبي» الذي يضم حاليا 27 دولة.

لم يتحرر الاتحاد من القومية أو الحماية الاقتصادية لكن الاتحاد الأوروبي تمكن من خلق حدود متميزة للكيفية التي يمكن للنزعات القومية أن تعبر عن نفسها، خصوصا من خلال جعل تكاليفها عالية جدا. فهي تمكنت من تخفيض حالة عدم الاستقرار السياسي والمالي بقدر كبير في الدول الأعضاء، وأصبح قوة إيجابية في البلدان الصغيرة المضطربة المجاورة له. من جانب آخر تستخدم روسيا مكانتها باعتبارها قوة عظمى في مجال الطاقة لتجديد خلافات قومية قديمة ولابتزاز أوروبا. وسيكون أكثر ذكاء إيجاد أرضية لمشاريع مشتركة مع الغرب بما فيها نظام الدفاع الصاروخي، ونشر الرخاء المشترك الذي أبقى أوروبا في حالة سلم. وأخيرا، فكم سيكون من الأفضل تكريم رؤية مونيه ورجال الدولة الآخرين، الذين امتلكوا رؤية بخلق فرقة موسيقية متجانسة من حطام نزاع سابق.

* خدمة «مجموعة كتّاب واشنطن بوست» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»

و كل ذلك بحسب رأي الكاتب في المصدر المذكور نصا و دون تعليق.

المصدر: الشرق الأوسط اللندنية-27-3-2007