جورجيا وإيران وكوسوفو... ثلاثة اختبارات غربية لروسيا
ديمتري سايمز
هناك أخبار جيدة قادمة من روسيا تقول إنها مستعدة للتعاون مع الولايات المتحدة فيما يتعلق بالموضوع الإيراني. فقد أعلن ممثل وزارة الخارجية خلال جلسة استماع أمام مجلس "الشيوخ" الأميركي في الأسبوع الجاري أنه من المتوقع أن تمارس روسيا ضغوطاً على إيران للحد من الانتشار النووي. ومن الواضح أيضاً أن الكريملن بات أكثر استعداداً لدعم فرض المزيد من العقوبات على إيران، ووقف إمداد نظام محمود أحمدي نجاد بالوقود النووي. ومع ذلك، فإن هذه الأخبار السارة قد يتغير مسارها قريباً. فالتحرك الروسي الأخير صوب الولايات المتحدة يرجع في جزء منه إلى تحفظ موسكو من تحول إيران إلى قوة نووية، وإلى مخاوف من الرئيس الإيراني نفسه، ثم الرغبة في تجنب اندلاع سباق للتسلح النووي في منطقة الشرق الأوسط، فضلاً عن شعور روسيا بالإحباط جراء النزاع مع إيران حول العقود الموقعة معها. لكنها أيضاً حركة تهدف إلى بعث رسالة إلى إدارة الرئيس بوش والقوى الأوروبية تقول فيها إن موسكو لاعب دولي مسؤول على الساحة العالمية. والآن تنتظر روسيا رداً أميركياً على قضايا مهمة بالنسبة للكريملن تأتي في مقدمتها مسألة استقلال الإقليم الصربي كوسوفو. فقد كان هذا الإقليم الذي تقطنه غالبية ألبانية جزءاً لا يتجزأ من صربيا إلى غاية 1999 عندما قادت الولايات المتحدة حلف شمال الأطلسي في تدخل عسكري دون الحصول على تفويض أممي، حيث انتزعت الإقليم وأخضعته لما يشبه نظام الحماية تحت إدارة "الناتو". واليوم بعدما أنفق حلف شمال الأطلسي مليارات الدولارات يريد أن ينهي مهمته في كوسوفو، حيث تتهيأ الأمم المتحدة بحلول 26 مارس الجاري الذي يوافق يوم غد الاثنين، للنظر في مسألة الاستقلال التدريجي للإقليم. غير أنه في الوقت الذي رحبت فيه حكومة إقليم كوسوفو بالمقترح الأممي، عبرت الحكومة الصربية عن رفضها التام له بسبب رغبتها في الاحتفاظ بالإقليم تحت سيطرتها. لكن وبصرف النظر عن حقوق الطرفين فيما يريدانه: الاستقلال، أو البقاء داخل الدولة الوحيدة تبرز مشكلة حق "الفيتو" الذي تتمتع به موسكو في مجلس الأمن وإعلانها أنها لن تسمح بتمرير قرار لا توافق عليه الحكومة الصربية. لكن هناك حالة واحدة يمكن من خلالها إقناع روسيا بالامتناع عن التصويت بشأن كوسوفو إذا تعهدت الولايات المتحدة بمنح بعض الجيوب المؤيدة لروسيا في جورجيا الحق في الانفصال. فعلى غرار علاقة كوسوفو بصربيا تمتع الجيبان-أبخازيا، وأوسيتيا الجنوبية، باستقلال فعلي طيلة سنوات عديدة، كما أن سكانهما يحملون مجموعة من الشكاوى والمظالم ضد الجورجيين. وبالطبع ترفض جورجيا هذا المنطق وتعتبر المنطقتين جزءاً أصيلاً من أراضيها، حيث سرعان ما أصبحت الدولة الأولى العميلة للولايات المتحدة في منطقة القوقاز. ولعل الحل المعقول لهذه القضية المعقدة يكمن في التوصل إلى تسوية يتم بموجبها تأمين التأييد الروسي سواء من خلال التراجع عن الاستقلال الكامل لكوسوفو، أو إبقاء بعض المناطق التابعة لإقليم كوسوفو ضمن صربيا، وهو ما سيمهد الطريق أمام المناطق الجورجية المطالبة بالانفصال بتطبيق ذات النموذج. هذه التسوية تلاقي، مع الأسف، مقاومة شديدة من قبل "المحافظين الجدد" المتنفذين داخل الإدارة الأميركية، فضلاً عن دعاة التدخل من "الليبراليين" الذين ينظرون إلى أي اتفاق مع روسيا على أنه تنازل غير مقبول. فالسياسة الخارجية، حسب رأيهم، لعبة لا مجال فيها لمكافأة الأشرار بعقد صفقة معهم. وهكذا اتهم "ريتشارد هولبروك" -مهندس الهجوم الأميركي على صربيا في 1999- روسيا بالتجرؤ على أميركا وحلفائها بشأن موضوع كوسوفو، واعتبر أن القضية برمتها هي "اختبار للعلاقة الروسية مع الغرب". والأكثر من ذلك يرى "هولبروك" أن انضمام جورجيا، بما في ذلك أبخازيا وأوسيتا الجنوبية، إلى حلف شمال الأطلسي هو "اختبار لعلاقة الغرب بروسيا". " هولبروك" لا يقف وحيداً، بل يسانده حليف من داخل إدارة الرئيس بوش يتمثل في "دان فرايد"، مساعد وزير الخارجية لشؤون أوروبا. فحسب "فرايد" لن تشكل كوسوفو نموذجاً لأبخازيا وأوسيتيا الجنوبية سواء شاءت ذلك روسيا، أم أبت. والواقع أنه إذا كانت روسيا عاجزة فعلاً عن منع استقلال كوسوفو وانفصالها عن صربيا، إلا أنها قادرة على عرقلة احتفاظ جورجيا بأبخازيا وأوسيتيا الجنوبية. فقد وضع الجيش الروسي خطة للطوارئ تمسح له ليس فقط بالرد على أي هجوم جورجي على المنطقتين، بل بضرب جورجيا في عقر دارها. من ناحيته سارع البرلمان الجورجي إلى المصادقة على قرار يخول البلد الانضمام إلى حلف شمال الأطلسي. والحال أنه من السهل توقع أين ستوقد الجهات المتشددة داخل الإدارة الأميركية السياسة الخارجية الأميركية: نزاع كبير مع روسيا حول استقلال مناطق بعيدة لا تمت بصلة إلى الولايات المتحدة ومصالحها. لكن النزاع في حد ذاته سيؤثر على المصالح الأميركية في مناطق أخرى عبر إضعاف الجهود الرامية إلى إشراك روسيا وإقناعها بوجهة النظر الأميركية في التعامل مع إيران. *رئيس مركز "نيكسون" وناشر مجلة "ناشيونال إنتريست" و كل ذلك بحسب راي الكاتب في المصدر المذكور نصا و دون تعليق. المصدر: الإتحاد الإماراتية- ينشر بترتيب خاص مع خدمة "لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست"-25-3-2007
|