الى متى انكشاف الوضع العربي إزاء التحديات الخارجية؟
ماجد كيالي
طوال العقود الستة الماضية من عمر «الاستقلالات» العربية، شهد العالم العربي العديد من النكبات والنكسات، وتعرض لعديد من المخاطر والتحديات، بداية من نكبة فلسطين 1948 وهزيمة حزيران 1967، مروراً باجتياح لبنان 1982، والحرب العراقية - الايرانية، وانتفاضة الفلسطينيين (1987 - 1993)، واحتلال العراق للكويت وحرب الخليج الثانية 1991، وانطلاق عملية التسوية 1991، وظهور مشاريع «الشرق الأوسط الجديد» وصولاً الى انتفاضة الاقصى 2000 وتداعيات الحرب الدولية على الارهاب 2001 والاحتلال الاميركي للعراق 2003، والحرب الاسرائيلية ضد لبنان 2006. وبالطبع فثمة مشاكل عربية بينية وداخلية، ايضاً، لا تقل خطورة عن كل ما تقدم، من مثل: مأساة الحرب الاهلية في لبنان، والصراع في جنوبي السودان وأزمة دارفور، والأعمال الارهابية في الجزائر، والصراع على الصحراء الغربية، بالإضافة الى معضلات السلطة والشرعية والمشاركة الديموقراطية في النظام العربي السائد، وقضايا التنمية الاقتصادية والاجتماعية والتحديث الثقافي في المجتمعات العربية... الخ. ففي مواجهة كل هذه التحديات والمخاطر تكشف الوضع العربي عن هشاشة كبيرة تطال الحكومات والمجتمعات والأفراد، كما عن مكامن ضعف خطيرة تشمل بنى السياسة والاقتصاد والفكر، ويبدو ذلك غاية في الوضوح في مجالات عدة لعل أخطرها وأهمها في: 1- انكشاف النظام العربي السائد واستلاب إرادته إزاء الإملاءات والتدخلات الخارجية، وعجزه عن حل القضايا والتحديات الخارجية التي تعترضه. فإذا أخذنا على سبيل المثال الجانب المتعلق بالقضية الفسطينية، أو احتلال العراق للكويت، أو حصار العراق ثم احتلاله، أو المشكلة اللبنانية، أو مشكلة دارفور، فإن النظام العربي، بجموده وسلبيته وتشتته، لم يستطع المبادرة لحلحلة هذه القضايا، ومثلاً، فهو لم يستطع تجنيب الفلسطينيين البطش الاسرائيلي، أو وضع حد لعنجهية نظام صدام وتسلطه في الداخل والخارج، أو تجنيب شعب العراق معاناة الحصار وويلات الحرب والاحتلال، على رغم ان قضيتي فلسطين والعراق، تظهران باعتبارهما محور اهتمام العرب (الناس والحكومات). 2- ان طبيعة ردود فعل النظام العربي على المخاطر والتحديات التي يتعرض لها العالم العربي تؤكد أن هذه النظام يبدو قوياً وشديد البأس تجاه الداخل، وضعيفاً وسريع العطب تجاه الخارج، وهذا على رغم اغداق الإنفاق على الجيوش والتسلح والأمن، بدلاً من التعليم والبحث والتنمية والخدمات الصحية والبنى التحتية. هكذا عرّت تجربتا الصراع العربي - الاسرائيلي، واحتلال العراق حقيقة الواقع العربي. ففي معترك هاتين القضيتين انكشفت سياسات وتكسرت شعارات وبانت حقائق مريرة، ولكن بعد فوات الأوان. أما واقع المجتمعات العربية فهو ليس أحسن حالاً، فهذه المجتمعات تبدو في غربة أو غيبوبة، وهي مغيبة، بفعل القيود الكثيرة المكبلة لحركتها وحراكها، وغائبة بحكم ارتهانها للهموم اليومية التي تكابدها، لتحصيل لقمة العيش، ومعها تأمين الحد الأدنى من التعليم والصحة والسكن وباقي مستلزمات الحياة الكريمة، إن أمكن. 3- يبدو ان العرب (حكاماً ومحكومين)، في مواجهة ما يعترضهم من تحديات أو استحقاقات باتوا في حيرة من أمرهم، فثمة عجز وانكشاف تجاه الخارج، واختلاف وتردد وتخبط حيال الداخل، الى درجة باتت معها مشاريع التغيير تفرض عليهم قسراً (بحسب المعايير الأميركية) ، بحيث يكاد تقرير مصير المنطقة يجري بمعزل عن إرادة الحكام والمحكومين، في آن معاً. والمشكلة ان العالم العربي بدلاً من ان يواجه التحديات التي تعترضه بمزيد من الوحدة، يواجهها بمزيد من التشرذم، وبدلاً من التسلح بنوع من التصميم إذا به يقع فريسة الحيرة والضياع، وبدلاً من ان يتبنى روح التطور إذا به يتراجع الى الخلف. وهكذا فإن هذه التحديات بدلاً من ان تولد الحوافز لمراجعة الأحوال واستنهاض الامكانات باتت تولد المزيد من الإحباط وخيبات الأمل. 4- ان افتقاد العالم العربي لآليات التغيير والتجديد أو التطوير، هو نتيجة طبيعية لغياب العلاقات الديموقراطية والمأسسة والقانون، وسيادة عقلية السلطة على حساب الدولة. ولعل هذا الوضع هو الذي يفسر حال الحرج التي انتابت هذا النظام إزاء كيفية التعاطي مع مشاريع «نشر الديموقراطية»، والاصلاح السياسي، التي طرحتها الدول الكبرى، لا سيما الولايات المتحدة، بضغط خليط من العوامل التي من ضمنها: مكافحة الارهاب (بعد تفجيرات 11 ايلول - سبتمبر)، ونزع أسلحة الدمار الشامل، ومتطلبات الهيمنة أو إعادة الهيكلة، وصولاً الى تلبية مسارات العولمة. ولا شك بأن تفجيرات 11 ايلول عجلت في طرح ملف النظام العربي على الأجندة العالمية، إذ بات يجري التعامل معه على اعتباره مصدر مرض أو خطر ينبغي عزله ومعالجته أو استئصاله قبل ان تنتقل عدواه (عبر الارهاب والهجرات) الى العالم الغربي، انطلاقاً من قناعة مفادها ان هذا النظام هو المسؤول عن تدهور الأحوال السياسية والاقتصادية والتعليمية وعن نمو مشاعر الإحباط والتطرف في المجتمعات في هذا الجزء الحيوي من العالم. هكذا فإن وضعاً عربياً تلك هي سماته يجعل من عملية التغيير أو التطوير عملية جد ملحة، إن لإصلاح الأوضاع أو لمواكبة مستويات التطور العالمي، كما لمواجهة التحديات الخارجية. ولكن هذا الوضع يبين ايضاً، استحالة التغيير الداخلي، فالقوى المؤهلة غير موجودة أو مغيبة، والقوى النافذة تمانع التغيير أو تؤجله أو تسطحه خوفاً على مصالحها، ثم ان آليات التغيير السلمي والديموقراطي والدستوري نفسها غير متوافرة. على ذلك، فإن انسداد آفاق التغيير والتطوير الداخلي وغياب الاجماعات الوطنية وتشتت الإرادات (الرسمية والشعبية)، في معظم البلدان العربية، هي التي تسهل على القوى الخارجية التدخل لإحداث تغييرات في العالم العربي، بغض النظر عن ملاءمة هذه التغييرات للمصالح والأولويات العربية، وهي بالطبع تغييرات، ربما تلبي بعض المطالب النابعة من المجتمعات العربية، ولكنها ستظل مشوبة بشبهات التدخل والإملاء القسري والتوظيف السياسي الخارجي، ما يضعف شرعيتها وأسسها الداخلية، ويضعف ايضاً من قدرتها على الاستمرار. ويبدو ان معطيات الوضع العربي تؤكد أن الأحوال ستبقى على ما هي عليه، فالنظام العربي الذي ظل يؤجل مشاريع الاصلاح بدعوى تحرير فلسطين، يتذرع اليوم بادعاءات الحفاظ على الهوية، وممانعة الهيمنة، ورفض الإملاءات الخارجية، أما الجماهير العربية فهي إما سادرة في غيبوبتها وفي تحصيل لقمة عيشها، أو هائجة في البيوت (والشوارع أحياناً) تلعن الامبريالية والصهيونية! ولا شك بأن هذه الأوضاع تجعل العالم العربي مسرحاً للقلاقل الداخلية ومرتعاً لمشاريع الوصاية الخارجية، في المدى المنظور. المعنى من ذلك ان القادة العرب الذين سيجتمعون في قمة الرياض معنيون بالتعامل مع معطيات وتحديات الواقع العربي (الداخلية والخارجية)، بروح من المسؤولية والحزم والتفهم المشترك، لإخراج النظام العربي من سلبيته، وتحريره من قيوده، وتعزيز منعته. وبديهي ان مواجهة التحديات الخارجية تتطلب الاستجابة للتحديات الداخلية، التي تفترض تحرير المجتمعات العربية، وإعادة الاعتبار للدولة والمواطنة (على حساب السلطة)، وتفعيل وتطوير العمل العربي المشترك، في مختلف المجالات. وبانتظار المؤتمر القادم للقمة العربية، فهل يحسم القادة العرب أمرهم في هذه الاتجاهات؟ أم ان الأمور ستبقى على حالها بانتظار مؤتمر قمة آخر؟ *كاتب فلسطيني و كل ذلك بحسب رأي الكاتب في المصدر المذكور نصا و دون تعليق. المصدر: الحياة اللندنية -20-3-2007
|