الاتفاق النووي مع كوريا الشمالية... حصاد الدبلوماسية والوسائل "الدفاعية"
فيليب زيليكو
في عام 2006، كانت الأخبار التي تخرج من كوريا الشمالية مُقبضة عادة، حيث كانت "بيونج يانج" ماضية في طريق التصعيد، بعد أن كانت قد أجرت اختبارات على الصواريخ في شهر يوليو في ذلك العام، ثم أجرت اختبارات أخرى على السلاح النووي في أكتوبر2006. أما الآن، فإن العام الجديد(2007) بدأ بخبر مشجع أو باختراق في العاصمة الكورية الشمالية. وفي الحقيقة أن الاتفاق التي أعلن عنه الأسبوع الماضي، والذي يأتي رداً على اختبار القنبلة النووية الكورية الشمالية، يمثل" اختباراً" ناجحا للدبلوماسية. ولكن هذا الاتفاق سيغدو أكثر منطقيا، إذا ما نظرنا إليه من منظور الاستراتيجية الأوسع نطاقاً، التي تم وضعها موضع التنفيذ منذ بعض الوقت، وبدأت تفاصيلها تتكشف. وكانت الولايات المتحدة قد قامت عام 2005 بتنشيط جهودها في حل أزمة كوريا الشمالية، والتي بدأت تضعف، وذلك على مسارين دبلوماسي ودفاعي. فأما المسار الدبلوماسي فإنه لم يكن يتعلق بكوريا الشمالية بمفردها، وإنما كان يتعلق بشبه الجزيرة الكورية برمتها والتي مثلت مراراً وتكراراً ساحة معركة تتقاتل فيها القوى العظمى في شمال شرق آسيا. وما حدث هو أن وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس ونائبها "روبرت زوليك" رأيا أن هناك فرصة لكسر القالب السائد في تلك المنطقة، حيث كانت كل من الصين واليابان وروسيا تستعرض قوتها الدبلوماسية في المنطقة. كانت الرؤية الأميركية، هي أن مشكلة كوريا الشمالية، يمكن أن توفر فرصة لتوحيد جهود المتنافسين المحتملين، وصبها في جهد موحد، وهو شيء لم يسبق له مثيل في شمال شرق آسيا. أما النهج الدفاعي، فقد تصدى لاستراتيجية كوريا الشمالية الخارجة عن القانون، والتي تبنتها من أجل إنقاذ اقتصادها. ولم تكن حماية نزاهة المنظومة المالية الدولية، سوى طريقة من ضمن الطرق التي يمكن بها للولايات المتحدة إفهام نظام كوريا الشمالية أن التجارة في المواد الممنوعة لا يمكن أن تمثل حلاً دائماً للمشكلات التي يواجهها. وفي أواخر 2005 تم البدء في تطبيق هاتين السياستين. في هذا الإطار دخل مساعد وزيرة الخارجية الأميركية ونظراؤه في كوريا الجنوبية وكوريا الشمالية والصين واليابان وروسيا في مفاوضات للتوصل إلى إطار مشترك لعمل دبلوماسي شامل. في نفس الوقت تم البدء في تفعيل الإجراءات المعلقة، والتي كان يفترض اتخاذها ضد شركاء كوريا الشمالية في تجارة الأموال مثل "بانكو ديلتا آسيا" في "ماكاو". بعد ذلك توقفت إدارة بوش، لأنها كما يبدو كانت قد قررت أن تتبع ذلك بمبادرات دبلوماسية. ولكن المشكلة في ذلك الوقت هي أن الإدارة كانت منقسمة على نفسها، وغير متيقنة من الحد الذي كان يجب أن تمضي إليه في التعامل مع كوريا الشمالية حتى تتحرك الأخيرة. أما بالنسبة للكوريين الشماليين، فقد تعرضوا لضربة عنيفة وذلك بعد الإحجام المتزايد من المؤسسات المالية الدولية عن القبول بتعاملاتهم وصفقاتهم المشبوهة. على أثر ذلك، استبد الغضب بالنظام الكوري الشمالي، وقرر مقاطعة المحادثات السداسية، وإظهار قوته، وهو مسار أدى إلى الاختبار النووي الذي أجري في أكتوبر الماضي. وبعد ذلك الاختبار، اتكأت "رايس" بقوة على العلاقات الدبلوماسية الإقليمية التي كانت قد ساعدت على تعزيزها. وخلال مدة قصيرة جاء قرار مجلس الأمن رقم 1718 الذي يعتبر أقوى إجراء اتخذه المجتمع الدولي ضد كوريا الشمالية منذ عام 1953 وهو العام الذي توقفت فيه الحرب في شبه الجزيرة الكورية. وبعد أن أظهرت واشنطن لـ"بيونج يانج" أنها قد قللت من أهمية التضامن الإقليمي، فإنها تحركت بعد ذلك لتغيير تلك الآلية وكسر حلقة التصعيد. وفي هذا الإطار، توصل الرئيس الصيني "هو جنتاو" والرئيس "بوش" إلى تفاهم استراتيجي هذا الشهر حول كوريا الشمالية، اتفقا فيه على أن الحاجة تستدعي منح الدبلوماسية فرصة أخرى، وعلى أن الدبلوماسية التي يقصدانها هي الدبلوماسية الحقيقية، وليست تلك الأعمال التي تحاول اكتساب صفة الدبلوماسية، دون أن تكون ذات صلة بالدبلوماسية. ولتحويل هذا التفاهم الاستراتيجي إلى سياسة، قامت "رايس" بإعداد استراتيجية تتكون من مرحلتين: المرحلة الأولى وتقوم فيها الأطراف الستة المشتركة في المباحثات بالتحرك بسرعة للقيام بإجراء يكون بمثابة رد على الاختبار النووي الذي قامت به كوريا الشمالية، وذلك من خلال الحصول على مجموعة من الالتزامات غير المسبوقة من جانب الكوريين الشماليين تتضمن إيقاف وعكس اتجاه تطورهم النووي، وإعادة نظام المراقبة والرصد الذي كان يتم بواسطة مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وهو ما أطلق عليه البعض"الحصاد المبكر"، أي اختبار ما إذا كانت الأرض يمكن أن تنتج أي محصول مثمر. وكان من المقرر أنه إذا أثمرت الأرض محصولاً، فإن الفرصة ستكون متاحة للأطراف الستة في المرحلة الثانية للبناء على ذلك من خلال التحرك على عدة جبهات: التخلي عن البرنامج النووي، بناء علاقات اقتصادية طبيعية، ومعالجة موضوع تطبيع العلاقات والأهم من ذلك كله– وهو ما كان لافتاً للنظر أكثر من غيره- البدء في معالجة الموضوعات الناجمة عن الحرب الكورية عام 1953 والتي لازالت بدون حل حتى هذه اللحظة.وهكذا، قامت "رايس" في هذا الإطار برحلات مكوكية عبر شمال شرق آسيا لتطمين الحلفاء، وكسب الدعم لهذا المشروع الدبلوماسي وخصوصاً من طرف "بكين".والاتفاق الذي تم التوصل إليه الأسبوع الماضي من خلال الجهود الناجحة لـ"رايس" و"هيل" ونظرائهما يقدم خطة لهذا" الحصاد المبكر" كما يعد أيضاً "خطوة مبدئية مهمة" حسب نص كلمات "رايس". والشهران القادمان سيبينان لنا ما إذا كان هذا المشروع سيظل صالحاً أم لا. علماً بأن "رايس" قد وافقت على عقد اجتماع لوزراء خارجية الدول الست المشتركة في مفاوضات الملف الكوري الشمالي تضم وزير خارجية بيونج يانج. وسوف نرى خلال الفترة القادمة ما إذا كانت إدارة بوش ونظراؤها قادرين على البدء في المرحلة الثانية، بعد أن تكون الثمار المرغوبة من خلال تلك الدبلوماسية قد أصبحت ظاهرة للعيان في نهاية المطاف أم أن الأمر سيكون مختلفاً. *أستاذ التاريخ بجامعة فرجينيا(2005- 2007) والمستشار الحالي لوزارة الخارجية الأميركية. و كل ذلك بحسب رأي الكاتب في المصدر المذكور نصا و دون تعليق. المصدر: الإتحاد الإماراتية- ينشر بترتيب خاص مع خدمة "لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست" -21-2-2007
|