أميركا واليابان... أصول "الصداقة" وحدود "التحالف"
فيليب كانينغهام
عندما التقى "شينزو آبي" بـ"ديك تشيني" في اليابان هذا الأسبوع، من المرجح أن نوعا خاصا من الكيمياء سرى بينهما. ذلك أن رئيس الوزراء الياباني، المحسوب على "الصقور" في طوكيو؛ ونائب الرئيس الأميركي، المحسوب على "الصقور" في واشنطن، واللذين يصفان نفسيهما بالصديقين، لديهما من المسائل المشتركة ما يفوق عامل تراجع شعبيتهما في استطلاعات الرأي. فمن جهة، هناك "آبي"، المعروف بدعوته لمراجعة التاريخ، والذي يمجِّد الخاسرين في الحرب العالمية الثانية. ومن جهة أخرى، هناك "تشيني"، السياسي المتشدد المعروف بالسياسة الأحادية، والذي كان واحداً من أكبر المخططين للحرب الأميركية على العراق. وحسب البيت الأبيض، فإن "تشيني" زار اليابان هذا الأسبوع بهدف شكر المسؤولين هناك على "جهودهم في العراق وأفغانستان". والجدير بالذكر هنا أن اليابان أرسلت قوات غير قتالية إلى العراق، كما ساهمت بدعم لوجستي في أفغانستان. والحال أن "تشيني"، وحتى في وقت يتواصل فيه تراجع الدعم لحرب العراق في الولايات المتحدة، جاء إلى اليابان على خلفية النقاش الدائر هناك حول تصاعد دور الجيش. ولعل أحدث مثال على ذلك هو وصف وزير الدفاع "فوميو كيوما" الشهر الماضي الحرب في العراق بالخطأ. ونتيجة لذلك، فقد تعرض المسؤول الياباني لانتقادات شديدة من قبل مساعدي "آبي"، في حين تجاهله "تشيني" خلال زيارته الاستعراضية لليابان. أما الرسالة، فهي كالتالي: "إن الأصدقاء لا ينتقدون أصدقاءهم". والواقع أنه لم يكن ثمة سبب وجيه لمشاركة اليابان في حرب العراق، كما أن ثمة سبباً أقل وجاهة لمشاركتها في أي نزاع آخر مما تخوضه أو قد تخوضه أميركا. إلا أن "تشيني" يبدو مصمماً على حث اليابان المترددة على الاستمرار في دعم إدارة بوش في الشرق الأوسط الذي تمزقه النزاعات. وبرفضه لقاء وزير الدفاع الياباني، فإن لسان حال "تشيني" يقول إن "اللبيب بالإشارة يفهم". والحال أنه يمكن لليابانيين أن يرفضوا، ومن حقهم أن يرفضوا حقاً طلبات "تشيني". فهل حقاً من مصلحة الشعب الياباني أن يربط مصيره بمصير فريق "بوش- تشيني"؟ أم تراها فرصة مواتية، مثلما قال زعيم المعارضة "إيشيرو أوزاوا" قبل بضعة أسابيع، للإشارة إلى أخطاء السياسات الأميركية، من باب مساعدة الصديق لصديقه؟ وإذا كان مازال يتعيَّن على اليابان أن تعتذر بشكل مستمر عما ارتكبته في آخر مرة خاضت فيها حرباً، فلماذا يتم جرها إلى حرب جديدة؟ لقد كان القصد من الاحتلال الأميركي لليابان عقب الحرب العالمية الثانية، إضافة إلى "دستور السلام" الفريد من نوعه، ضمان تحول هذا البلد المحارب سابقاً إلى بلد مناوئ للحروب؛ وهو ما تحقق إلى حد كبير بالفعل. ذلك أن جيران اليابان اليوم ليسوا الوحيدين الذين ينتابهم الغضب عندما يقوم أحد الساسة اليابانيين بزيارة ضريح ياسوكوني، الذي يمجِّد مجرمي الحرب اليابانيين؛ بل إن أكثر من نصف المستجوَبين في اليابان يعبِّرون أيضاً عن رفضهم لهذه الزيارات. وفي غضون ذلك، يذكِّرنا من وقت لآخر بعض الأصوات الأميركية، مثل النائب الجمهوري السابق "هنري هايد" من ولاية إيلينوي، بأن الزيارات الرسمية لضريح لا يحترم "بيرل هاربر" و"نانجينغ" إنما تضر بالمصالح والعلاقات الأميركية– اليابانية أيضاً. وعليه، فإنه يتعين على اليابان أن تصغي بعناية لما يقوله ساسة أميركيون آخرون. وفي هذا السياق، فإن مشروع القرار الذي تقدم به النائب "الديمقراطي" مايك هوندا من كاليفورنيا ويدعو إلى اعتذار عن فظاعات حروب اليابان الإمبراطورية لا يمثل سوى غمزة -من صديق لصديقه- مؤداها أن علينا أن نتفق حول حقائق أساسية حتى تتقدم العلاقة. والحقيقة أن الالتزام الياباني الكبير بالسلام، بعد دمار هيروشيما وناجازاكي، يمتد إلى ترسخ كراهية شديدة للأسلحة النووية في اليابان. والحال أن المحللين العسكريين يقولون إن السفن الأميركية المجهزة بأسلحة نووية ترسو بشكل روتيني في الموانئ اليابانية مثل يوكوسوكا وأوكيناوا –وهو ما يفرغ "مبادئ اليابان الثلاثة ضد النووي" (امتلاك السلاح النووي أو إنتاجه أو السماح له بدخول البلاد) من محتواها. وقد التُقطت لـ"تشيني" صور على متن حاملة الطائرات الأميركية "كيتي هوك" خلال زيارته -وهي خطوة لا تراعي مشاعر اليابانيين في الواقع. وبموازاة مع ذلك، أثار عمدة طوكيو، "شينتارو إيشيهارا"، الجمهور -بدون دليل واضح- على أن "كيتي هوك" مجهزة بالسلاح النووي. والواقع أنه بدلاً من وقوفه أمام الكاميرات كي تُلتقط له صور على متن حاملة الطائرات، كان حرياً بـ"تشيني" أن يستغل هذا الوقت للإصغاء لما لدى "كيوما" ومنتقدين يابانيين آخرين لحرب العراق من كلام يدلون به في هذا الشأن. * فيليب كانينغهام : أستاذ بجامعة دوشيشا في كيوتو - اليابان و كل ذلك بحسب رأي الكاتب في المصدر المذكور نصا و دون تعليق. المصدر:الإتحاد الإماراتية - ينشر بترتيب خاص مع خدمة "كريستيان ساينس مونيتور" -25-2-2007
|