البراغماتية تنتصر على الأيديولوجيا في أزمة كوريا الشمالية

 

أندرو جروتو

 

تستحق وزيرة الخارجية الأميركية كندوليزا رايس وفريقها الذي يقوده مساعد وزير الخارجية "كريستوفر هيل"، الإشادة والثناء بالنظر إلى الإنجاز الكبير الذي حققوه في المفاوضات مع كوريا الشمالية الأسبوع الماضي؛ أي مقايضة مليون طن من النفط الثقيل ببرنامج بيونج يانج لإنتاج البلوتونيوم. والواقع أن الولايات المتحدة وشركاءها في المفاوضات -الصين وروسيا واليابان وكوريا الجنوبية- يستطيعون تدبر أمر توفير مليون طن من النفط متى شاءوا ذلك، إذ أن السيطرة الدولية على برنامج الأسلحة النووية الفتي لكوريا الشمالية يشكل فرصة مختلفة تماماً.

ومع ذلك، فإن الاتفاق الذي أُبرم في بكين الأسبوع الماضي لا يمثل سوى الخطوة الأولى على درب اتفاق كبير مع كوريا الشمالية. أما بخصوص ما إن كان هذا الاتفاق الكبير سينفذ حرفياً، فذاك أمر يتوقف على نزاهة كوريا الشمالية بخصوص التجرد من السلاح النووي، وهو ما لا يعد أمراً مؤكداً. والحال أن النجاح النهائي يقتضي أن يتغلب براغماتيو الأمن القومي داخل إدارة بوش على المحافظين الإيديولوجيين الذين عرقلوا أو أفسدوا المفاوضات مع بيونج يانج طيلة ست سنوات عقيمة.

بعض مسؤولي الإدارة السابقين والحاليين لم يدخروا جهداً من أجل انتقاد الاتفاق مع كوريا الشمالية، ومنهم السفير الأميركي السابق لدى الأمم المتحدة جون بولتون الذي رفض كلياً فكرة المفاوضات، ونائبة مستشار الأمن القومي "إليوت أبرامز" التي اعترضت على بند في مسودة الاتفاق يقضي بشطب اسم كوريا الشمالية من قائمة "الدول المارقة". والحقيقة أن هذه الانتقادات إنما تعكس الانقسامات السياسية التي تستمر في ملاحقة إدارة بوش ومؤيديه المحافظين في واشنطن.

فمنذ أكثر من ست سنوات، تبدو إدارة بوش منقسمة على نفسها بين الإيديولوجيين الذين يعتقدون أن أفضل طريقة للتعاطي مع انتشار السلاح النووي تكمن في إسقاط الأنظمة أو ممارسة الضغط عليها إلى أن تنهار، وبين البراغماتيين الذين يرون أن هذه الطريقة تؤدي إلى عكس ما هو مرجو منها. وينظر الإيديولوجيون إلى المفاوضات باعتبارها مكافأة على سلوك سيئ ومن شأنها أن تشجع على مزيد من الانتشار النووي. ومن أبرز من يلتزمون بهذا الخط نذكر نائب الرئيس ديك تشيني والمحيطين به، والزعماء المدنيين في البنتاجون، ومساعد وزيرة الخارجية روبرت جوزيف.

وقد فاز هذا الفريق في معظم النقاشات الداخلية في ولاية الرئيس بوش الأولى، حيث عمدت الولايات المتحدة إما إلى رفض المفاوضات بشكل صريح أو فرض شروط غير واقعية على مشاركة أميركا فيها. أما في حالة كوريا الشمالية، فقد ألحت الولايات المتحدة على أن تقوم كوريا الشمالية بتجميد برنامج البلوتونيوم قبل تلقي أية محفزات.

ومن الواضح أن هذه الاستراتيجية مُنيت بفشل ذريع على اعتبار أن مشاكل الانتشار تفاقمت وزادت. فقد انسحبت كوريا الشمالية من اتفاقية حظر الانتشار، وقامت باختبار قنبلة نووية؛ في حين تواصل إيران صنع أجهزة الطرد المركزي لتخصيب اليورانيوم. علاوة على ذلك، فإن الثقة العالمية في نظام حظر الانتشار النووي اهتزت وما فتئت تتراجع. وقد مُنيت استراتيجية المواجهة التي ينتهجها الإيديولوجيون بالفشل لأنها زادت من تصميم كوريا الشمالية (وإيران أيضاً) على امتلاك أسلحة نووية لردع عمل عسكري أميركي محتمل، من دون أن تقدم محفزات ومثبطات.

بالمقابل، ينظر البراغماتيون داخل إدارة بوش إلى المفاوضات نظرة أكثر واقعية. فمثلما قال وزير الخارجية الأميركي السابق كولن باول "لا يمكن للإنسان أن يتفاوض عندما تقول له: اعْطنا النتائج التي يُفترض أن تتمخض عنها المفاوضات قبل أن تبدأ". وهو ما يعني منح أحد البلدان محفزات ومثبطات للتخلي عن الأسلحة النووية.

والواقع أن باول على حق؛ صحيح أنه ينبغي محاصرة بعض الدول في الزاوية، ولكن ينبغي في الوقت نفسه أيضاً أن تُعرض على هذه الدول وسيلة جذابة للخروج. وذاك ما حدث مع ليبيا التي تعد النجاح الوحيد الذي يحسب لإدارة بوش في إقناع دولة بالتخلي عن الأسلحة النووية. فقد وضعت سنوات من العزلة والعقوبات ليبيا في الزاوية، قبل أن تعرض الولايات المتحدة وحلفاؤها مخرجاً جذاباً يقضي بتخلي طرابلس عن البرنامج النووي مقابل علاقات عادية مع واشنطن وباقي عواصم الغرب.

اتفاق الأسبوع الماضي مع كوريا الشمالية، والذي سيبدو في حال تطبيقه، شبيهاً بالاتفاق الذي عُقد مع ليبيا، يضع الوزيرة رايس ضمن الفريق البراغماتي. وهو ما يثير التساؤل التالي: هل سيفوز هذا الفريق في نهاية المطاف؟ حسب روايات الصحف، فإن رايس التفت على عملية صنع القرار العادية التي تشارك فيها وكالات حكومية مختلفة قصد تمرير الاتفاق، إدراكاً منها بأن المتشددين بزعامة نائب الرئيس تشيني والمحيطين به سيعارضونه.

والواقع أن بوش يدعم الاتفاق حالياً، غير أن المفاوضات التي يُرتقب أن تكون محتدمة مع بيونج يانج حول صلب الموضوع -أي تفكيك برنامجها للأسلحة النووية بكامله- لم تُجر بعد. والحقيقة أنه يمكننا أن نتوقع تلكؤاً ومماطلةً من كوريا الشمالية ورفعاً لسقف مطالبها. ونتيجة لذلك، فقد يذكي هذا السلوك غير الجيد مع مرور الوقت مخاوف مبررة إزاء مدى حسن نيتها في التخلص من برنامجها النووي. وعليه، فمن المرجح أن تقدم المطبَّات المحتمة المنتظرة على الطريق للمتشككين فرصاً ذهبية للدفع بقضيتهم والقول إنه لا جدوى من المفاوضات.

ربما يكونون محقين، غير أن البراغماتية تعني أن علينا على الأقل أن نحاول، علماً بأن البديل الآخر عن المفاوضات هو كمية أكبر من البلوتونيوم في حوزة كوريا الشمالية لصنع القنابل أو للبيع في السوق السوداء.

* محلل شؤون الأمن القومي بمركز "أميركان بروجرس"

و كل ذلك بحسب رأي الكاتب في المصدر المذكور نصا و دون تعليق.

المصدر:الإتحاد الإماراتية - ينشر بترتيب خاص مع خدمة "لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست" -25-2-2007