الغرب ودور الصين "التخريبي" في القارة السمراء
سباستيان مالابي
في الأسبوع الماضي، منح الرئيس الصيني "هوجنتاو"، الحكومة السودانية قرضاً من دون الفوائد يخصص لبناء قصر رئاسي. وبذلك السلوك والمبادرة، عبر "هوجنتاو" عن ازدرائه للتصور الغربي للعالم، وكذلك للسياسات الغربية إزاء دولته الصين. وكما نذكر فإن الغالب على صورة السودان لدى الغربيين هو مشهد العنف والتوترات المسلحة التي توصف أحياناً بـ"الإبادة" في إقليم دارفور. ومنذ أن بدأت تلك الأزمة قبل نحو ثلاث سنوات مضت، هرعت الولايات المتحدة الأميركية وحلفاؤها الدوليون إلى إرسال المؤن الغذائية والمساعدات الطبية لمنكوبي الإقليم، فضلاً عن تقديم المساعدات اللوجستية وتوفير الأموال اللازمة لقوات حفظ السلام الأفريقية هناك. وفي غضون ذلك كله، بذلت الدول الغربية مجتمعة، أقصى ما تستطيع من أجل عزل الحكومة المركزية، التي يوجه إليها الغرب أصابع الاتهام في ما يحصل بحق أهل الإقليم. وقد فعل المجتمع الغربي ما فعل، ليس بدافع خدمة مصالح أنانية ضيقة له في دارفور، ولكن لعلمه أن قتل الأطفال الأبرياء الصغار، من كبائر الجرائم التي ترتكب بحق الإنسانية. وقبيل زيارة الرئيس الصيني للسودان، في يومي الجمعة والسبت الماضيين، كان البعض قد أمل في أن يؤازر "هوجنتاو"، السياسات الغربية المتبعة إزاء السودان، لاسيما مع ما يلاحظ من حرص الدبلوماسيين الصينيين على طمأنة العالم كله، على "النهوض السلمي" لبلادهم، وكذلك تعبير "هوجنتاو" نفسه عن دعمه للدعوة إلى توسيع مهام قوات حفظ السلام في دارفور. غير أن زيارته كلها، جاءت على النقيض تعزيزاً للهوة الكبيرة الفاصلة بين أولويات السياسات الصينية والغربية إزاء السودان. وكان "هوجنتاو" دعا بقية دول العالم لاحترام سيادة السودان، متناسياً بذلك أن مفهوم السيادة الوطنية للدول، قد طرأت عليه تبدلات جوهرية، بعيد نهاية الحرب الباردة. وفي مقدمة تلك التبدلات وأهمها، أن حق الدولة في هذه السيادة ينتفي، إن كان مواطنوها المدنيون يتعرضون للمجازر والإبادة، كما كان عليه الحال في رواندا وكوسوفو، أو إن كانت تؤوي الإرهاب، كما كان عليه حال حكومة "طالبان" الأفغانية سابقاً، أو في حال رفضها التعاون مع فرق التفتيش الدولية عن الأسلحة النووية، مثلما حدث في عراق صدام حسين. وعلى رغم احتمال عدم تعرض الدول في حالات كهذه للغزو، إلا أن عليها حتماً أن تواجه فرض العقوبات الدولية عليها. ووفقاً لهذه المعايير، فما أسهل ترشيح السودان لعقوبات كهذه. ولذلك يأتي حديث الصين عن احترام سيادة السودان، من قبيل مناهضة وتخريب السياسة الغربية في هذا الصدد. وإلى جانب قرض بناء القصر الرئاسي المذكور، استغل "هوجنتاو" زيارته تلك لإعفاء السودان من دين مستحق عليه، تبلغ قيمته 80 مليون دولار، إلى جانب إعلانه عن خطة ترمي لبناء خط حديدي جديد، وزيارة مصفاة نفطية تملكها الصين جزئياً، معتمداً في ذلك على تباهيه بحقيقة ملكية الصين لنحو 80 في المئة من النفط السوداني. ووفقاً للمنظور الصيني للعالم، فإن مبدأ سيادة الدول يطغى على غيره، ويعلو حتى على أفدح الانتهاكات التي ترتكب بحق الإنسانية. وبذلك يمحو هذا المفهوم ما شهده العالم من جرائم الإبادة الجماعية في رواندا. غير أن "هوجنتاو" يفعل ما هو أكثر من ذلك بكثير، بترويجه لمفهوم عفا عليه الزمن عن معنى التحديث"، كان الغرب قد تجاوزه منذ نحو 15 عاماً مضت. وبهذا الدفع الذي نرى لعلاقاته التجارية والاقتصادية مع السودان، إنما يعلن "هوجنتاو" للعالم كله، أولوية التنمية الاقتصادية والعلاقات التجارية، على التنمية السياسية، التي لا تكتسب سوى أهمية ثانوية في منظوره. وذات يوم كانت تلك هي نظرة منظمات التنمية الغربية التي كانت تسلط كل اهتمامها على تمويل البرامج التعليمية والصحية ومشروعات البنية التحتية، بينما تغض الطرف تماماً عن انتهاكات حقوق الإنسان وممارسات الفساد، وكل ما ترى فيه جانباً سياسياً لا صلة لها به. إلا أن هذا النهج التنموي، بدأ في التحول الملحوظ منذ بدايات عقد التسعينيات. وكان من رأي خبراء التنمية، أن في وسع القضاء والصحافة المستقلين أن يسهما مساهمة كبيرة في الحد من ممارسات الفساد، وبالتالي جعل التنمية الاقتصادية ممكنة. وقال هؤلاء إنه وفي ظل غياب الحد الأدنى من الرقابة والمحاسبة السياسية، فلن يكون مصير الأموال المقدمة للمساعدات الإنسانية سوى النهب. لذلك وبدلاً من أن تعين تلك الأموال المواطنين الأفارقة على تحسين مستوى حياتهم ومعيشتهم، فإنها غالباً ما تستغل لبناء القصور الرئاسية وغيرها من حياة البهرجة والبذخ التي يعيشها المسؤولون الحكوميون. إذن ليس من قبيل المصادفة أن تمول الصين بناء قصر رئاسي، بل لعلها تعمدت ذلك في واقع الأمر. على أن هذا المفهوم الصيني عن التنمية في مجمله، يهدد بتقويض المفهوم الغربي عنها في المقابل، خاصة مع ازدياد ارتباط المفهوم الغربي بمعايير صلاح الحكم، وبتوفر الضمانات اللازمة لتوظيف المساعدات والاستثمارات المصرفية في هذا المجال، بما يخدم مصلحة عامة المواطنين في الدول الأفريقية، وليس لخدمة المصالح الذاتية الضيقة للمسؤولين الحكوميين. وما أرمي إليه بعبارة موجزة حول الدور "التخريبي" الذي تلعبه الصين في أفريقيا، هو أنه يستحيل على السياسات الغربية أن تحرز نجاحاً أو تقدماً يذكر، في الدفع بعجلة الإصلاح السياسي، والحد من ممارسات الفساد الحكومي في القارة، طالما يرفل طغاتها في "بحبوحة" المعونات والدعم المالي السخي الذي تقدمه لهم الصين. كاتب ومحلل سياسي أميركي المصدر: ينشر بترتيب خاص مع خدمة "لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست"
|