مخاوف أميركية من تنامي قدرات الصين الفضائية

 

 

جيمس جورستانزانج

بيتر شبيجل   

 

 

قام الجيش الصيني الأسبوع الماضي بإسقاط واحد من أقماره الاصطناعية القديمة باستعمال صاروخ باليستي أرض- جو، مُظهراً بذلك قدرة تكنولوجية جديدة في وقت تزايد فيه قلق الإدارة الأميركية إزاء تحديث قدرات بكين العسكرية ونواياها في الفضاء. وفي هذا السياق، أعلن مسؤولون أميركيون يوم الخميس أن إسقاط القمر الاصطناعي، الذي تم مساء الحادي عشر من يناير، أثار احتجاجاً رسمياً من واشنطن، التي انضم إليها لاحقاً حلفاء مثل كندا وأستراليا. كما طالبت اليابان باستفسار، ومن المرتقب أن تتقدم بريطانيا وكوريا الجنوبية باعتراضات رسمية.

وقال "جوردون جوندرو"، المتحدث باسم "مجلس الأمن القومي" الأميركي، إن "الولايات المتحدة تعتقد أن تطوير الصين واختبارها لهذه الأسلحة يتنافى وروح التعاون التي يطمح إليها البلدان في مجال الفضاء"، مضيفاً: "وقد عبَّرنا وبلدان أخرى عن قلقنا للصينيين إزاء هذا العمل".

يُذكر أن الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي أجريا اختبارات مماثلة لأسلحة مضادة للأقمار الاصطناعية في الثمانينيات، إلا أنهما سرعان ما تخلتا عن هذه الممارسة بعد أن أدت تجاربهما إلى خلق حقل مترامي الأطراف من الأنقاض والنفايات في الفضاء، شكل تهديداً للأقمار الاصطناعية الأخرى. ويعود آخر اختبار قامت به الولايات المتحدة في هذا الباب إلى 1985.

وحسب المسؤولين الأميركيين، فإن الصين استعملت صاروخاً متوسط المدى لإسقاط قمرها الاصطناعي الخاص بالأرصاد الجوية، والذي كان يوجد على مسافة 537 ميلاً فوق كوكب الأرض. وإذا كان هذا الارتفاع يمثل مداراً أرضياً منخفضاً، إلا أنه يمثل المجال الفضائي حيث تدور معظم الأقمار الاصطناعية والرحلات الفضائية المأهولة.

ومن المتوقع أن يثير الاختبار الناجح حالة من القلق في أوساط صناعة الأقمار الاصطناعية الأميركية، التي تعد جزءاً من تجارة عالمية تبلغ قيمتها نحو 90 مليار دولار، تتضمن المئات من الأقمار الاصطناعية التي تدور حول الأرض وتعد ضرورية للاتصالات والتجارة اليومية الروتينية؛ ذلك أن العديد من الصرافات الآلية والصفقات يعتمد على الأقمار، مثلما هو الحال بالنسبة للقنوات الفضائية وتوزيع إشارات الراديو الرقمي.

كما أثار إسقاط القمر الاصطناعي قلق مسؤولي الدفاع الأميركيين، الذين يخشون على الأقمار الاصطناعية التجارية وأقمار التجسس والأقمار العسكرية التابعة للحكومة، التي تدور على ذلك الارتفاع. يذكر هنا أن الأقمار الاصطناعية الخاصة بالاتصالات وبعض الأقمار الاصطناعية العسكرية ترسل إنذاراً مبكراً في حال إطلاق صواريخ، إلا أنها تدور في مدارات بعيدة قد تصل إلى 23000 ميل فوق كوكب الأرض.

والواقع أن المخاوف من ارتفاع التهديدات المحدقة بالأقمار الاصطناعية الأميركية دفعت إدارة بوش في أغسطس المنصرم إلى وضع سياسة وطنية جديدة حول الفضاء، والتي جاء فيها أن الولايات المتحدة تعتبر أن حرية التصرف في الفضاء يجب أن تكون محكومة بضوابط على غرار القوانين المتعلقة بالبحر والجو.

وقد وُجهت انتقادات كثيرة للإدارة الأميركية على خلفية موقفها من الأنشطة الدفاعية في الفضاء؛ غير أن مسؤولاً من البيت الأبيض وافق على التحدث مقابل عدم الإفصاح عن اسمه، قال يوم الخميس إن الأقمار الاصطناعية والوصول إلى الفضاء يعتبران بالغا الأهمية بالنسبة للأمن القومي والاقتصادي الأميركي، مضيفاً أن أي حدث "يمكن أن يعيق المرور عبر الفضاء" يشكل مصدر قلق.

وقد تزامنت الأخبار حول الإنجاز الصيني مع إدلاء جون "نيجروبونتي"، مدير وكالات الاستخبارات الأميركية، بشهادته أمام لجنة الاستخبارات التابعة لمجلس النواب حول جملة من التهديدات الدولية، ومن ذلك ما وصفها بالأخطار الممكنة لتطوير عسكري صيني؛ حيث قال في شهادته "إن الصينيين يعملون حالياً على تطوير أنظمة صواريخ قوية طويلة المدى، وصواريخ باليستية قصيرة ومتوسطة المدى مزودة برؤوس حربية متطورة قادرة على استهداف حاملات الطائرات والقواعد الجوية الأميركية".

ومما يذكر في هذا السياق أن الصين كثفت برنامجها الفضائي بشقيه المدني والعسكري في السنوات الأخيرة؛ حيث أصبحت في أكتوبر 2003 الدولةَ الثالثة فقط، بعد روسيا والولايات المتحدة، التي تطلق بعثة مأهولة إلى الفضاء. وفي هذا الخضم، لم يعد مسؤولو الاستخبارات والدفاع الأميركيون يخفون قلقهم إزاء الطموحات الصينية في الفضاء وبرنامج بكين لتحديث الجيش منذ 1999. حيث يحث المسؤولون الكبار في "البنتاجون" الصينيين على تقديم تفسيرات بخصوص دوافع تطوير الجيش، معتبرين أن انعدام الوضوح إنما يغذي المخاوف الأميركية من أن تُستعمل أسلحتهم الجديدة ضد الولايات المتحدة.

كما عبّر المسؤولون الأميركيون عن تخوفهم من أنه نظراً لاعتماد الولايات المتحدة الكبير على الأقمار الاصطناعية لأغراض عسكرية وتجارية، فإن العجز عن حماية أجهزتها الموجودة في الفضاء يشكل نقطة ضعف يمكن أن يستغلها الخصوم. وفي هذا السياق، يقول "روبرت جوزيف"، المسؤول عن مراقبة التسلح في وزارة الخارجية الأميركية: "علينا أن نكون قلقين إزاء تزايد التهديدات المحدقة بمعداتنا الموجودة في الفضاء وإزاء إمكانية أن يستغل آخرون اعتمادنا على الفضاء".

ومن جانبه، يرى "شي يينهونج"، أستاذ العلاقات الدولية بالجامعة الشعبية ببكين، أن الزعماء الصينيين عاقدون العزم على تحديث قدراتهم العسكرية، وأن تطوير أسلحة أكثر تطوراً، مثل قدرات الصواريخ المضادة للأقمار الاصطناعية، إنما هو جزء من ذاك الجهد؛ غير أنه لفت إلى أن الصين مازالت متأخرة وراء عدة دول بعقد من الزمن تقريباً. وفي هذا السياق، يقول "بينهونج" بصفة عامة، فإن قدرات الصين العسكرية في هذه المجالات المتطورة، سواء تعلق الأمر بالأسلحة الفضائية أم القدرات البحرية، ما زالت وراء الولايات المتحدة واليابان"، مضيفاً: "أما ما نراه اليوم، فهو زخم جديد من أجل محاولة تدارك الركب، إلا أن المسافة ما زالت بعيدة جداً".

*محررا الشؤون الخارجية في "لوس أنجلوس تايمز"

و كل ذلك بحسب رأي الكاتبان في المصدر المذكور نصا و دون تعليق.

المصدر: الإتحاد الإماراتية- ينشر بترتيب خاص مع خدمة "لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست"-20-1-2007