ماذا بقي من «الخاتمية» ؟

 

 

أمين قمورية

 

 

صورة الرئيس الايراني السابق محمد خاتمي كانت زاهية في الخارج أثناء فترة توليه السلطة ولا تزال زاهية حتى الآن. وأول انطباع يتركه ذكر اسم هذا الرجل في الشرق وفي الغرب هو ذاك السياسي المنفتح المعتدل المثقف الذي استطاع بفكره النيّر وشخصيته الآسرة وابتسامته الهادئة كسر جدران العزلة التي بنيت حول ايران بعد الثورة.

أعطى عن بلاده صورة غير تلك التي جرى الترويج لها عن ايران قبله، وذاع اسمه في العالم داعية حوار ومفكرا اسلاميا يترفع على العصبيات ويسمو فوق الطائفية والمذهبية والدينية الضيقة، ورائدا من رواد الحريات والانفتاح على الآخر، عدا عن قيمته الفكرية والادبية وحواراته السياسية.

شغل العالم سنوات عدة بخطبه ولغته وانفتاحه وقدرته على التحاور وجذب الانتباه، وهو لا يزال احدى اكثر الشخصيات المفضلة لدى المنتديات العالمية لجذب الجمهور والمستمعين. لكن صورة خاتمي في ايران غير صورته في العالم. غالبية الايرانيين تشيد بمزاياه الشخصية والثقافية والفكرية، وغالبيتهم تسال ايضا: ماذا فعل لايران في سنوات حكمه الثماني غير تظهير صورته الشخصية؟

حتى أقرب المقربين له يقولون عنه انه "ليس الا سارق قلوب". أما في السياسة والادارة فكان مترددا لا يعرف القرار ولا الحسم. هؤلاء يقدّرون مدى الصعوبات السياسية التي واجهت حكمه في الداخل في ظل موازين داخل سلطة يمسك المحافظون والمتشددون بمعظم مفاتيحها ومفاصلها. غير انهم يأخذون عليه انه الرئيس المثقف الذي لم يفتتح في عهده أي مسرح أو متحف او حديقة عامة او مهرجان ثقافي. وليس في طهران أو أصفهان او مشهد مَعْلَم واحد شيّد في أيام حكمه... لا بل لم يضف الى دور السينما مقعدا واحدا. يقولون كان في امكانه فتح خط مترو او بناء قاعة مؤتمرات. وكانت الامكانات اللازمة لذلك متوافرة والخطط موجودة وجاهزة. لكنه لم يقرر... لم يحسم ولم يقل: نعم نفذوا.

رائد الحريات والانفتاح شهد عهده رقما قياسيا في اغلاق الصحف وتوقيف الصحافيين لكنه لم يحاول منع ذلك ولم يدن ولم يستنكر.

الايرانيون بشيبهم وشبابهم، رجالهم ونساؤهم منحوه ثقة غالية مرتين متتاليتين بنسبتين قياسيتين من الاصوات، خذلهم بتردده في تطبيق شعاراته التي على أساسها اقترعوا له فخذلوا أنصاره الاصلاحيين في سلسلة الانتخابات التي تلت والتي أتت احداها بالمحافظ الجديد محمود أحمدي نجاد رئيسا. الحركة الاصلاحية اليوم في ايران بضعة أحزاب نشطة لكن محدودة الشعبية ومشرذمة ولا يجمع بينها خاتمي... ولو أن الجميع يكنون الاحترام له شخصيا.

ثمة نموذجان نقيضان في ايران: خاتمي ورفسنجاني. الثاني امتاز خلال فترتي حكمه بالحنكة والدهاء السياسي، شاب عهده الكثير من الشوائب ولوحق أقرب المقربين اليه بالفساد. حاولوا تغييبه بعد خروجه من السلطة لكنه كان يعود أقوى من ذي قبل. تلقى ضربة قاتلة من الاصلاحيين ثم أكمل المحافظون مهمة انهائه. سقط مرة ومرتين في الانتخابات. وكان يتوقع ان ينهي المحافظون الجدد مسيرته السياسية الطويلة التي طبعت ايران لفترات طويلة بطابعه، لكنه عاد من جديد. وربما سيكون أحد أبرز رجالات المرحلة المقبلة.

رفسنجاني المناضل الثوري، رجل الدين، المخضرم في السياسة، فنان المناورات، رجل الاقتصاد والمال، صاحب النفوذ والتأثير، لم يخرج من اللعبة وبقي أحد لاعبيها الاساسيين، حينا رئيسا لهيئة تشخيص مصلحة النظام وحينا الرجل الاقوى في مجلس الخبراء، وعندما كان يبتعد قسرا كانت الحاجة الوطنية الى خبرته تعيد فرضه.

اليوم، لم يبق من الخاتمية الا اسمها في ايران. ويعتقد ان من الصعب ان يكرر خاتمي تجربة سلفه رفسنجاني، فهل مرد ذلك الى أزمة المثقف في السلطة او الى التناقض الدائم بين المشروع الفكري الحالم والمشروع السياسي الواقعي؟

و كل ذلك بحسب رأي الكاتب في المصدر المذكور نصا و دون تعليق.

المصدر: النهار اللبنانية-23-1-2007