مقالات و محاضرات

 

 

 

تزايد القلق الغربي من الحضور الصيني في الخليج العربي أكثر من موضع قدم صيني في الخليج

 

 

تراقب جهات سياسية وعسكرية عن كثب مجموعة الأنشطة والسياسات الصينية في منطقة الخليج العربي وحولها. وعالجت تقارير استخبارية ومختصة مسألة التوسع الصيني والمنافسة الماثلة على كل الأصعدة الاقتصادية والعسكرية والتي بدأت فعليا بالتبلور عبر الحضور السياسي المتنامي، الأمر الذي أصبح يشكل عاملا رئيسيا في الحسابات الغربية الأمريكية البريطانية خاصة، في ظل فشل سياسات الغرب تجاه أزمات العراق ولبنان وفلسطين.

تعتبر العلاقات الصينية مع منطقة الخليج العربي علاقات حديثة العهد نسبيا وتعتبر مصر الدولة العربية الأولى التي أقامت علاقات مع الصين ولم تقم بكين علاقات مع دول مجلس التعاون الخليجي حتى عام 1990 وذلك لأنها، خلال سنوات الحرب الباردة اعتبرت منطقة الخليج منطقة بعيدة بالنسبة لمصالحها المباشرة وركزت على تأسيس وبناء علاقات قوية مع دول شمال شرق وجنوب شرق آسيا ولم تبد اهتماما حقيقيا بمسائل الطاقة حتى العام 1993 عندما أصبحت دولة مستوردة لمعظم حاجتها من الطاقة، هذا إضافة إلى الاعتبارات المحلية التي حدت من بناء علاقات في وقت مبكر ومنها خشية دول منطقة الخليج من انتشار الشيوعية ودعم الصين في تلك المرحلة للحركات الثورية والاتجاهات الراديكالية في المنطقة العربية.

كل ذلك تغير الآن وخلال السنوات القليلة الماضية نمت العلاقات الصينية الخليجية بشكل قوي وخاصة في الجوانب الاقتصادية. وتعتبر الصين الآن ثامن أكبر شريك تجاري لدول مجلس التعاون الذي يعتبر بدوره عصب التجارة العربية. ونما حجم التجارة المتبادلة ليصل إلى قرابة 20 بليون دولار عام 2004 ولكنه وصل في العام الماضي إلى 34 بليون دولار بزيادة هائلة فاقت الثلث.

تسعى الصين وكما هو معروف إلى تأمين ما أمكنها من مصادر الطاقة الضرورية لاقتصادها السريع النمو، وتعتبر الصين الآن ثاني أكبر مستهلك للنفط وثالث أكبر مستورد، ويشكل استهلاكها المتزايد نسبة أربعين في المائة من تزايد الاستهلاك العالمي. ويتوقع على نطاق واسع أن تتضاعف الواردات الصينية من النفط والغاز مع نهاية العقد الحالي. تستورد الصين من الشرق الأوسط 58 في المائة من حاجتها، ويتوقع أن تصل هذه النسبة إلى 70 في المائة مع حلول عام 2015.

وتشكل الواردات الصينية من النفط والصادرات من صناعات النسيج والأقمشة إلى دول مجلس التعاون عصب الميزان التجاري، ويتفاوض الطرفان على اتفاقية لحرية التجارة وشكلت هيئة حوار تشارك فيه جميع الدول العربية من خلال الجامعة العربية. وفق التوقعات الصينية فإن حجم التجارة سيصل إلى مائة بليون دولار بعد ثلاثة أعوام، وتبلغ الاستثمارات الصينية في المنطقة قرابة خمسة بلايين دولار في حين وصلت الاستثمارات العربية في الصين إلى 700 مليون دولار ويتوقع أن يزداد حجم التبادل التجاري مع التوقيع على اتفاقية التجارة الحرة العام المقبل.

ولكن الطاقة ليست المحرك الوحيد لسعي الصين لبناء علاقات قوية مع دول الخليج حيث تسعى بكين في هجومها الدبلوماسي إلى ما هو أكثر من موضع قدم في منطقة تزداد فيها معارضة السياسات والحضور الأمريكي وتأمل بكين منافسة الحضور الأمريكي بل وتحديه في هذه المنطقة الحساسة ويندرج ذلك في إطار الطموحات الصينية العالمية.

في إطار العلاقات مع منطقة الخليج، تتميز العلاقات بين العربية السعودية والصين بأنها الأقوى حاليا والأسرع نموا، و الصين اليوم رابع مستورد وخامس أكبر مصدر إلى السعودية التي تعتبر بدورها أكبر مصدر للنفط وبما يشكل 17 في المائة من الواردات النفطية الصينية وينتظر أن يصل حجم الصادرات النفطية إلى مليون برميل يوميا في نهاية العقد الحالي.

وقد وصلت العلاقات الصينية السعودية مرحلة متقدمة مع الزيارة التي قام بها العاهل السعودي عبد الله إلى بكين في نيسان (أبريل) الماضي وكانت الأولى في العلاقات بين الدولتين وكذلك الأولى خارج منطقة الشرق الأوسط منذ توليه الحكم العام الماضي. الزيارة بحد ذاتها اعتبرت مؤشرا على الرغبة في إقامة علاقات استراتيجية بين البلدين وتم خلالها التوقيع على خمس اتفاقيات شملت النفط والغاز والمواد الأولية والتجارة والتعاون التقني والضرائب وهناك عدد كبير من مشاريع التعاون في البلدين. في مجالات التطوير والبناء.

يلاحظ المراقبون أن الصين قد استغلت بمهارة امتيازاتها المتواضعة في بناء علاقات قوية في منطقة الخليج. ويشار في هذا السياق إلى تاريخ الصين و النظر إليها إلى الآن غالبا كونها قوة غير مستعمرة ولا تسعى إلى إحداث تغيير جذري في المنطقة كما تفعل الولايات المتحدة وبريطانيا دائما. وربما كان الموقف الصيني من الملف الإيراني ومنع الغرب من التفرد به نموذجا لما قد يحدث في قضايا أخري، الواضح أن بكين تفرض نفسها بشكل متزايد على الصعيد العالمي كما يبرهن تعاملها مع الأزمة الكورية الراهنة. من نواح أخرى تمثل الصين سوقا ضخمة ومكانا مثاليا للاستثمارات الخليجية ولا تتحفظ بكين على أنشطة واستثمارات عربية كما يحدث في الولايات المتحدة منذ الحادي عشر من سبتمبر وحيث انخفض عدد الزوار الخليجيين إلى الولايات المتحدة واتجه الكثير من الزوار والمستثمرين إلى مناطق أخرى بحثا عن الفرص و في أجواء غير معادية بل ومرحب بها.

تدعم الصين أنشطتها الاقتصادية والسياسية ببناء مواز لقدراتها العسكرية خاصة قبالة شواطئها وفي المحيط الهندي. ولا تحاول الصين الآن إغضاب الولايات المتحدة أو استفزازها عبر تكثيف حضورها العسكري في منطقة الخليج لكنها تقوم ببناء المزيد من القطع البحرية الضخمة، وتعزز بشكل متواصل طاقاتها العسكرية عند معابر وطرق أنابيب النفط والغاز القادم من الشرق الأوسط؛ وذلك في دول وسط آسيا وإيران وتنصب الجهود الصينية في هذا المجال على الحد ما أمكنها من التقلبات السياسية بما في ذلك الضغوط الغربية.

و كل ذلك بحسب المصدر المذكور.

المصدر: مجلة المجلة