مقالات و محاضرات

 

 

 

تحدي المستقبل: الطاقة وليس الإرهاب

 

 

توماس فريدمان

 

 

منذ انهيار حائط برلين، شرع الحلفاء الغربيون بطرح السؤال الملح: ما الذي سيحل محل "الخطر الشيوعي" الذي كان بمثابة إسمنت للحفاظ على وحدة دول حلف شمال الأطلسي؟ ورغم أن البعض منهم رأى في الإرهاب الدولي بديلاً لإسمنت الخطر الشيوعي إبان الحرب الباردة، فإنني لا أشاطرهم الرأي. والحق أن لدى أصدقائنا الألمان، البديل الأمثل والأفضل بين الحلفاء جميعاً. ففي رأيهم أن الطاقة البديلة للنفط وما تثيره من تحديات جمة، هي الوسيلة المثلى لتوحيد الغرب الآن. وفي اعتقادي الشخصي أنه ليس هناك في عالم اليوم، ما يهدد الغرب ونمط حياته الليبرالية المنفتحة، أكثر من هذا التضافر الغريب من خطر التغير المناخي والتلوث البيئي وانحسار الكائنات الحية، والشمولية النفطية، والراديكالية الإسلامية. والذي يعزز هذه المهددات مجتمعة ويقوي شوكتها، إدماننا لطاقة النفط. وما من حل لهذه المعضلات سوى تضافر الجهد الحكومي من أجل خفض انبعاثاتنا السامة الملوثة من غاز ثاني أكسيد الكربون، والمضي في ابتكار الخضرة ومصادر الطاقة البديلة.

وبهذا الفهم فإن الخضرة، ليست مجرد بديل بصري للون الأحمر أو الأبيض أو الأزرق، بقدر ما هي رمز لأكبر مشروعات الأمن الأميركي المستقبلية. وبالقدر ذاته، فإنه يجب أن يتحول هذا اللون إلى شارة للإسمنت الموحِّد لكافة دول حلف شمال الأطلسي في قرننا الحالي. وكما جاء في تعليق أحد المسؤولين الألمان، فإنه في وسع الخضرة أن تتحول إلى مشروع "أطلسي" عملاق، في وقت يفتقر فيه الحلف إلى مشروع مُلهم كبير، يتضمن رؤية لما يجب أن يكون عليه التحالف في هذا القرن.

"أما حزمة التحديات البيئية ومعضلات الطاقة التي نواجهها اليوم، فقد أضحت أكبر بكثير من أن يتصدى لها أفراد خيِّرون، يكتفون بمبادراتهم الفردية المحدودة النطاق والأثر، باستقلالهم للحافلات الكبيرة الموفرة لاستهلاك الطاقة، بدلاً من ركوب السيارات الخاصة في حركتهم وتنقلهم". ذلك ما قاله جوناثان فريدلاند كاتب العمود الصحفي بجريدة "الجارديان" البريطانية. ومضى فريدلاند قائلاً إن التصدي لهذه المعضلات والتحديات، أصبح من واجب الحكومات ومسؤوليتها.

وكان فرانك والتر شتاينماير، وزير الخارجية الألماني، قد ألقى خطاباً بالغ الأهمية مؤخراً، حول التأثيرات المتوقعة لأمن الطاقة على أجندة الأمن العالمي في القرن الحادي والعشرين. وعلى صعيد آخر، قالت نظيرته مارجريت بيكيت، وزيرة الخارجية البريطانية، في حديث لها مؤخراً، إن ظاهرة التغير المناخي لم تعد معضلة بيئية فحسب، بقدر ما هي معضلة دفاعية أيضاً. ولذلك فهي ذات صلة بأولئك الذين يتصدون للمشكلات الاقتصادية وهموم التنمية، ولحل النزاعات وتفاديها، فضلاً عن أولئك الذين يتصدون لمشكلات الزراعة والتمويل والإسكان والنقل والمواصلات والصحة والتجارة، وللابتكار كذلك.

وفي الحقيقة فإن جعل وزراء خارجية الدول الغربية هذه المسألة، أجندة عمل لهم، إنما يشير إلى اقتراب تحول الطاقة إلى قلب أجندة حلف شمال الأطلسي في مجموعه. وكما جاء في مقال فريدلاند: "فإذا ما كان التغير المناخي أحد اهتمامات السياسة الخارجية ومعضلاتها، فإن ما لاشك فيه هو أن السياسة الخارجية ستصبح طرفاً في حل معضلة التغير المناخي".

ومهما يكن، وبالنظر إلى مفهوم "الخضرة الجيوبوليتكية" الذي استخدمه، أي أن نفكر في الخضرة من زاوية استراتيجية أساسية وأن نتخذ منها محوراً جديداً لتماسك حلف شمال الأطلسي، فإنه ينبغي للأوروبيين أن يكونوا أكثر "جيوبوليتيكية"، بينما يلزم الولايات المتحدة أن تغدو أكثر خضرة.

ولا مناص هنا من ملاحظة ميل أحزاب الخضر الأوروبية إلى تغليب الجانب البيئي في نشاطها وأجندة عملها، بما أضفى على تلك الاهتمامات سمتاً أخلاقياً، أكثر منه وجهة استراتيجية. من ذلك مثلاً إرغام "حزب الخضر" الألماني للحكومات السابقة، على خفض محطات الطاقة النووية القائمة وإغلاقها، بحلول عام 2021. وهذا يعني خفض نسبة تقدر بـ30 في المئة من إجمالي مصادر الطاقة الألمانية بحلول التاريخ المذكور. وإنه سيكون تحولاً عظيماً في هذا المجال، فيما لو استبدلت محطات الطاقة النووية تلك، بمحطات لطاقة المياه أو الرياح الصديقة للبيئة. غير أن المؤسف أن معظمها سيجري استبداله بمحطات لإنتاج طاقة الفحم الحجري في واقع الأمر. وهذا ما يستدعي من "حزب الخضر" -رغم أهميته البالغة في تحول السياسة الألمانية المعاصرة خلال مرحلة ما بعد النازية- أن يعيد النظر في سياساته ومواقفه الحالية من الطاقة النووية، إن كان له أن يواصل دوره القيادي في تحول ألمانيا إلى دولة خضراء. ذلك هو موجز ما ورد على لسان جيرجن هوجريف، المدير التنفيذي لشركة EnBW للطاقة، وهي شركة ألمانية لها محطاتها النووية. ويذكر أن هوجريف، كان ناطقاً رسمياً سابقاً باسم "حزب الخضر" الألماني في منطقة سكسونيا السفلى خلال عقد الثمانينيات.

وحسب اعتقادي الشخصي، فإن عجز الرئيس جورج بوش عن قيادة العالم، إنما يعود في الأساس إلى عجزه عن قيادة التحول باتجاه الخضرة، الذي اكتسب أهمية حيوية بالنسبة لكافة حلفائنا. ومع أنه يساورني شك عظيم في أن يتمكن بوش من إعادة النظر في سياساته الحالية وتغييرها خلال ما تبقى له من فترة ولايته، فإن الاهتمام بقضايا الحفاظ على الطاقة والتغير المناخي، أصبح من الأهمية بمكان، بحيث يستحيل على أي رئيس يخلفه في المنصب، أن يتجاهل تغيير سياسات الطاقة الأميركية المتبعة حالياً.

وكل ذلك بحسب المصدر المذكور نصاً و دون تعليق.

المصدر: الإتحاد الإماراتية- ينشر بترتيب خاص مع خدمة "نيويورك تايمز" - 28-10-2006

 

مواضيع ذات علاقة:

 

كي لا نحوِّ ل النعمة َإلى نقمة!!

هل أميركا مستعدة للصدمة النفطية القادمة؟

ارتفاع أسعار النفط ومعدلات التضخم

معوقات التنمية الاقتصادية في الدول العربية النفطية

الأسباب غير التقليدية لارتفاع أسعار النفط

متى سينضب النفط؟

مستقبل العالم مع النفط ومع انخفاضه

فنزويلا ما بعد "تسييس" النفط

وصفة سحرية لعلاج أميركا من إدمان النفط

ارتفاع أسعار النفط ... إحتياطاتـه

أين تذهب عوائد النفط الخليجي؟

الاستثمار في ظل معادلة النفط والذهب

هل يرسم النفط ملامح العلاقة بين واشنطن وبكين؟

عوائد النفط تقدم فرصة نادرة لإصلاح اقتصاديات الدول العربية

النفط والمياه: كلاهمامعركة حياة      

هل أميركا مستعدة للصدمة النفطية القادمة؟

ارتفاع أسعار النفط ومعدلات التضخم

معوقات التنمية الاقتصادية في الدول العربية النفطية

الأسباب غير التقليدية لارتفاع أسعار النفط

متى سينضب النفط؟

مستقبل العالم مع النفط ومع انخفاضه

فنزويلا ما بعد "تسييس" النفط

وصفة سحرية لعلاج أميركا من إدمان النفط

التحالفات السياسية عقبة أمام تطوير مصادر الطاقة الأميركية

هيلاري كلينتون واستراتيجية أميركا النفطية

ارتفاع أسعار النفط ... إحتياطاتـه

أين تذهب عوائد النفط الخليجي؟

ورقة النفط الإيرانية... هل تكسر شوكة الدبلوماسية الغربية؟

الاستثمار في ظل معادلة النفط والذهب

هل يرسم النفط ملامح العلاقة بين واشنطن وبكين؟

التأميم سلاح شافيز في وجه شركات النفط

عوائد النفط تقدم فرصة نادرة لإصلاح اقتصاديات الدول العربية

نجاح الاقتصاد الريعي في دول الخليج يشكل حجر عثرة أمام الإصلاحات الشاملة  

واشنطن تقر قانونا جديدا للطاقة يهدف إلى: تقليص الاعتماد على النفط الخارجي والصناعات النووية تستعد لمكاسب ضخمة

توجه الصين لزيادة مخزونها النفطي يثير قلق الأسواق

إيران والغرب... وحدود استخدام "ورقة النفط"