في لبنان : 

                           تسوية أم هدنة مؤقتة ؟

 

 د. إبراهيم البحراوي

 

 أعتقد أن أنظار المراقبين يجب أن تتعلق بالمستقبل على الجبهة اللبنانية- الإسرائيلية، فالأوضاع التي سكّنها قرار مجلس الأمن رقم 1701 عندما دعا في بنده الأول إلى وقف كامل للأعمال الحربية، هي أوضاع حرجة بالنسبة للقوتين المتقاتلتين، وهي أوضاع مرشحة للانفجار باحتمالات أكبر من احتمالات الاستجابة للتسوية. لقد قررت المادة الثامنة من القرار المذكور عدة مبادئ وعناصر لتأسيس الحل طويل الأمد، وهذه المبادئ لا تلقى قبولاً من أحد الطرفين المتحاربين، وهو "حزب الله"، بينما تلقى حماساً كبيراً من إسرائيل، وبالتالي فإن السؤال الذي يفرض نفسه يقول: هل يتجدد القتال بين الطرفين بعد أن يلتقط كل منهما أنفاسه ويأخذ استراحة محارب يعيد فيها تنظيم صفوفه؟

إن المادة الثامنة تنص صراحة على المبادئ والعناصر التالية:

1- احترام صارم من الجانبين للخط الأزرق. 2- اتخاذ إجراءات أمنية تمنع استئناف العمليات الحربية وخصوصاً إقامة منطقة بين الخط الأزرق ونهر الليطاني، خالية من أي مسلحين أو ممتلكات أو أسلحة، غير تلك التي تنشرها في المنطقة الحكومة اللبنانية وقوة الطوارئ الدولية. 3- تطبيق كامل لبنود اتفاق الطائف والقرارين 1559 و1680 اللذين يطالبان بنزع أسلحة كل المجموعات المسلحة. 4- منع بيع أو تسليم أي أسلحة أو معدات مرتبطة بها في لبنان باستثناء تلك التي تسمح بها الحكومة اللبنانية.

ويستطيع القارئ أن يلاحظ أن هذه المبادئ والعناصر جميعاً، تهدف إلى إخراج "حزب الله" كقوة مسلحة من الجنوب، ثم تجريده بالكامل من سلاحه ودمجه كحزب سياسي في الحياة السياسية الداخلية. وفي الوقت الذي تحفظ فيه وزراء "حزب الله" في الحكومة اللبنانية على هذه المبادئ، نجد رئيس الوزراء الإسرائيلي أيهود أولمرت، يضع هذه العناصر والمبادئ في رأس إنجازات عمليته العسكرية، رغم أن الواقع في الميدان يشير إلى أنه لم يستطع إزاحة قوات "حزب الله" إلى ما بعد شمالي الليطاني. قال أولمرت في بيانه أمام الكنيست يوم الاثنين الماضي: "إن اتفاق وقف إطلاق النار في لبنان قضى على تنظيم (الدولة داخل الدولة) الذي يتزعمه حزب الله، وأعاد للبنان سيادته على أراضيه الجنوبية".

نحن إذن أمام واقع عسكري يفيد أن "حزب الله" ما زال باقياً في الجنوب كقوة عسكرية، في حين أن قرار مجلس الأمن يضع المبادئ الهادفة إلى إخراجه، وفي نفس الوقت نرى مقاومة صريحة من "حزب الله" لفكرة خروجه من الجنوب من ناحية ونزع سلاحه في سائر أنحاء لبنان من ناحية ثانية. في ذات السياق نلاحظ أن الرئيس الأميركي بوش في بيانه الذي ألقاه مساء يوم الاثنين قد تمسك بمنظوره للتحالف بين "حزب الله" وسوريا وإيران عند حديثه عن حالة الصراع ومسبباتها.

محصلة هذه الأوضاع والتوجهات تعني أننا خلال ثمانية أسابيع على الأكثر، سنجد أنفسنا مرة أخرى في طريق تسوية مسدود. لقد منحت المادة العاشرة من قرار مجلس الأمن المذكور، الأمين العام للأمم المتحدة، مهلة زمنية لمدة شهر واحد، لتقديم مقترحاته بالتعاون مع الممثلين الدوليين والأطراف المعنية حول تطبيق بنود اتفاق الطائف والقرارين 1559 و1680 ذات الصلة، وخصوصاً البنود المتعلقة بنزع الأسلحة وترسيم الحدود الدولية للبنان، ولاسيما في المناطق حيث الحدود متنازع عليها أو غير مؤكدة، بما في ذلك الاهتمام بقضية مزارع شبعا. وفي تقديري أنه بعد تقديم هذه المقترحات بعد شهر في يوم 12/9/2006 فإننا سنشهد سلسلة من المناوشات والاحتكاكات على الجبهة تتراكم يوماً بعد يوم، وستدرك الدول المستعدة لإشراك قواتها في قوة الطوارئ الدولية، أنها سترسل جنودها إلى منطقة متأججة بالصراع المسلح غير مأمون العواقب على سلامة جندها.

في نفس الوقت، أتصور أن منظور بوش حول التحالف الثلاثي بين سوريا وإيران و"حزب الله"، ستظهر تجلياته في حفز كل من سوريا وإيران لمد يد الدعم لـ"حزب الله" واندفاع الولايات المتحدة نحو دعم إسرائيل وتحفيزها على اللجوء إلى عمليات عسكرية من نوع اغتيال قيادات الحزب أو تدمير منشآته الحيوية. أمر واحد يمكن أن يلغي سيناريو الصراع، وهو انسحاب إسرائيل من شبعا.

و كل ذلك بحسب رأي الكاتب في المصدر المذكور.

المصدر: الإتحاد الإماراتية-17-8-2006