منابع معاداة الإدارة الأميركية : لماذا يكرهوننا ؟
جوليا إي. سويج
هبطت المكانة الأخلاقية للولايات المتحدة هبوطاً حاداً منذ عام 2001، وذلك بسبب سياسات إدارة جورج بوش في مختلف المجالات. وقد يتمكن الديمقراطيون من جعلنا نعتقد أن قدوم إدارة جديدة - إدارتهم هم بالطبع- كفيل بتغيير ذلك، لكن الحقيقة هي أن استرداد هذه المكانة لن يتم قريباً. فمناوأة أميركا لا ترجع فقط لغضب الشعوب من سياساتها، ولكنها أمر حدث نتيجة لتراكمات عقود طويلة، وبالتالي فالأمر قد يستغرق عقوداً كاملة حتى تتسنى معالجته. ويمكن بيان أسباب ذلك العداء على النحو التالي: 1- تركة الحرب الباردة: وتشمل غزو فيتنام، والعمليات السرية للإطاحة بالحكومات المنتخبة والتي أدت إلى عدم ثقة عميقة في الدوافع الأميركية في مختلف أنحاء العالم النامي، بل دفعت أوروبا نفسها إلى النفور من تلك السياسات، والشكوى من النفوذ الأميركي الثقافي الفج الذي يجتاح قارتهم. 2- القوة والعجز: استخدام القوة يولد السخط لدى الآخرين، والمشكلة هي أن الولايات المتحدة قد فقدت القدرة على النظر إلى قوتها من نفس المنظور الذي ينظر به الآخرون إليها. فهي على سبيل المثال رأت أن دول أميركا اللاتينية كانت ستنظر تلقائيا إلى السياسات الأميركية في مجال التجارة والمساعدات والديمقراطية والمخدرات... على أنها تصب في مصلحة شعوب تلك الدول، وعندما لم يحدث ذلك فإن الولايات المتحدة لم تتوان عن توجيه انتقادات شديدة لدول القارة. 3- العولمة: في تسعينيات القرن الماضي، سوقت واشنطن العولمة كشيء مرادف للأمركة. وعندما لم تحقق العولمة وعودها، لم تجد شعوب العالم سوى الولايات المتحدة لتوجه سهام النقد إليها. 4- ماذا نمثل: الرئيس بوش لم يكن على صواب عندما قال إن شعوب العالم تكرهنا بسبب قيمنا وحرياتنا، لأن سمعة الولايات المتحدة تأسست في الخارج على أنها دولة تقوم بتوفير العدالة بين مواطنيها في مجال الفرص والخدمات... ولكن عندما ازدادت الهوة بين الأغنياء والفقراء في أميركا، وتدهور مستوى التعليم، وارتفعت تكلفة الخدمات الصحية، وتضاءلت المعاشات، ورأى العالم كيف تعاملت الولايات المتحدة بلا مبالاة مع مواطنيها من ضحايا إعصار "كاترينا"، ورأت السياسات الجديدة الجائرة في مجال الهجرة... فإن ذلك كله قلل من قدر الإعجاب بالعقد الاجتماعي بين أميركا ومواطنيها، وقلص من مصداقية نموذجها في نظر الشعوب الأخرى. لكن تنامي العداء لأميركا في الخارج، سيؤدي إلى الإضرار، ليس فقط بمصالح الولايات المتحدة، ولكن بالأمن العالمي، وذلك نتيجة لعدم وجود بديل يحافظ على ذلك الأمن، وهو ما يجعلنا نعتقد أن الولايات المتحدة قادرة على استعادة مكانتها السابقة في الخارج. ولكن يتعين علينا القول أيضاً إن منابع العداء لأميركا لن تجف في القريب العاجل، وأن الأمر لن يتحسن قبل أن تقوم أميركا بالعودة إلى اتباع السياسات التي كانت سببا في رواج نموذجها في السابق مثل البراجماتية، والسخاء، والتواضع، والتعقل، والتعاون، والتعاطف، والعدل، ومراعاة قواعد السلوك القويم، والالتزام بالقوانين. لكن ذلك يجب ألا يعني أن تمتنع أميركا عن استخدام القوة ضد الدول المعادية وجماعات الإرهاب، لأن السياسة الخارجية الأميركية ستجد نفسها في الكثير من الحالات مطالبة بتوظيف قوتها. غير أن توظيف هذه القوة يجب أن يكون بقدر محسوب، يلتزم بالقانون، ويضع في اعتباره الطريقة التي يتم بها النظر إلى أميركا من قبل الآخرين. والشخصيات الأميركية مهمة في هذا الشأن.... والرموز أيضا تهم؛ لذلك يجب علينا أن نغلق معتقل جوانتانامو. إن استعادة مكانتنا العالمية لن تأتي فقط من الكيفية التي نخوض بها الحرب، أو التي سنحول بها دون وقوع الحرب التالية، أو الكيفية التي سندير بها العالم الذي يزداد فوضى، وإنما سيأتي أيضاً من تغيير سياستنا الداخلية، وعدم تقسيم المجتمع إلى أغنياء وفقراء، والعمل على تقليل مظاهر عدم المساواة، وتقليص الاعتماد على أنواع الوقود الأحفوري. فكل ذلك وغيره سيساعد على تحسين وضعنا الأخلاقي، وتحسين أمننا القومي في الوقت ذاته. و كل ذلك بحسب رأي الكاتبة في المصدر المذكور. المصدر: إيلاف نقلاَ عن واشنطن بوست-16-8-2006
|