نحو تسوية شاملة للصراع العربي- الإسرائيلي
هيلينا كوبان
تتواصل عمليات القتل في كل من لبنان وقطاع غزة وإسرائيل, ويتواصل السقوط المروع للمدنيين في المناطق الثلاث. وفي الوقت ذاته تبقى إسرائيل القوة الضاربة المهيمنة إقليمياً, وليس هناك ما يهدد وجودها, في حين تبدو بديهية قدرتها على إلحاق ضرر أكبر بالمجتمعات المدنية المجاورة لها. لكن وكما علمتنا دروس وشواهد التاريخ, فقد عجزت إسرائيل عن فرض إرادتها بالقوة على جيرانها الفلسطينيين واللبنانيين –الذين سيبقون جيرانها دائماً- على رغم جبروتها وقوتها العسكرية الضاربة. ولذلك فقد تعين عليها وعلى شعبها إيجاد وسيلة أخرى عدا عن القوة القهرية العسكرية التي تعول عليها حالياً, لتمكنها من بناء علاقات حسن جوار مستدامة وطويلة الأمد مع جيرانها العرب, وتستطيع بموجبها تحقيق قدر معقول من الأمن الذي طالما تاقت إليه هي وجيرانها الإقليميون على حد سواء. وعلى الولايات المتحدة الأميركية التي تربطها علاقات وطيدة مع إسرائيل, وتطمح في الوقت ذاته إلى بناء علاقات طيبة مع اللبنانيين والفلسطينيين, أن تدرك أن أشد ما تحتاجه المنطقة الآن هو التوصل إلى وقف دائم لإطلاق النار بين إسرائيل ولبنان, وكذلك التوصل إلى قرار شبيه بين إسرائيل والميليشيات المتشددة المناوئة لها في قطاع غزة متى كان ذلك ممكناً. وعلى رغم القرار الصادر عن مجلس الأمن الدولي يوم السبت الماضي الموافق 12 أغسطس الجاري, فإن من الواجب تواصل الجهود وحثها في ذلك الاتجاه, على أن يرتبط قرار وقف إطلاق النار الأخير بسعي الأمم المتحدة لعقد مؤتمر دولي في خلال أسبوعين, يكرس بكامله لبحث السبل الكفيلة بحل جميع النزاعات الإسرائيلية العربية العالقة. وقد يتساءل البعض عن مدى أهمية العمل من أجل مؤتمر شامل للسلام في المنطقة في هذه الساعة بالذات, بدلاً من تأجيله لوقت آخر؟ وفي الإجابة أقول إن كافة جوانب النزاع الإسرائيلي العربي هي شديدة التشابك والارتباط مع بعضها البعض, ما يجعل حل جانب منها دون الآخر أمراً مستحيلاً ومتعذراً. ثم هناك الارتفاع المريع في معدلات الضحايا المدنيين في قطاع غزة, إلى جانب بلوغ التحديات المثارة في الجبهات العراقية والأفغانية والإيرانية حداً يصعب معه ترك الصراع العربي- الإسرائيلي على الغارب حتى ينفجر ويفلت تماماً عن السيطرة في هذه اللحظة بالذات. وربما بدا طموحاً أكثر مما يجب, أن نفكر في إيجاد تسوية شاملة للصراع الإسرائيلي العربي الآن, غير أنه ليس مستحيلاً بأية حال من الأحوال. وقد أظهرت لنا السنوات التسع والثلاثون الماضية من الدبلوماسية السلمية الأممية ما يمكن أن تكون عليه الخطوط العامة لـ"تسوية الوضع النهائي". وتتلخص هذه الرؤية فيما توصل إليه مجلس الأمن الدولي عام 1967 من خلال دعوته لإسرائيل للانسحاب من الأراضي التي احتلتها بالقوة في العام المذكور, مقابل دعوته لجميع العرب بالاعتراف بإسرائيل، وإقامة علاقات سلمية معها. وتشابه هذه الرؤية ما توصلت إليه خطط السلام التي جرى التفاوض المكثف حولها بين إسرائيل ومفاوضيها العرب في عام 2000, وبتلك التي صادقت عليها جميع الدول العربية في مارس من عام 2002. وفي خلال الفترة الماضية القريبة-السابقة للتوترات الحالية- أعربت أغلبيات عربية وإسرائيلية واسعة عن دعمها لهذا الاتجاه السلمي المفضي للأمن وعلاقات حسن الجوار بين بلدانها وتل أبيب. ومما لا شك فيه أن تحقيق هذا الهدف يتطلب قيادة دولية ذات رؤية وعزم وإرادة فعلية. ومن أسف أن دعم الولايات المتحدة المفرط لإسرائيل في انقضاضها الأخير على لبنان, لا يضعها في موضع من يستطيع المشاركة في قيادة جهد دولي كهذا. غير أنه في وسع الأمم المتحدة أداء هذا الدور بكفاءة وجدارة. لكن وعلى رغم كل شيء فإنه لا يزال بانتظار الرئيس بوش دور فاعل وحيوي يؤديه في هذا المسعى. فهو الذي أبدى رغبته واستعداده ليس في التعامل مع الواقع الراهن في شكله وتوتراته الظاهرية, وإنما في التصدي للأزمة اللبنانية من "جذورها" على حد قوله. وعلى رغم اتفاقي التام مع تمسك الرئيس بوش بأهمية التصدي لجذور الأزمة, فإنني أختلف معه اختلافاً جوهرياً في اختزاله لتلك الجذور فيما يسميه بـ"الإرهاب الدولي". وأقول له إن "جذور" هذا النزاع إنما مردها للفشل في إيجاد تسوية سلمية عادلة للنزاع الإسرائيلي- العربي بمجمله. وهذه مناسبة نردد فيها ذكر تلك الواقعة التاريخية. فقبل خمسين عاماً خلت, كانت قد تحالفت كل من بريطانيا وفرنسا– ولكلتيهما نفوذ سياسي كبير على المنطقة الشرق أوسطية حتى اليوم- وانضمتا إلى العدوان الإسرائيلي على قناة السويس, سعياً منهما لتحويل موازين القوى الشرق أوسطية لصالح إسرائيل, ولضمان هيمنتها التامة على المنطقة. وفي تلك الحرب, كان الفوز الفعلي على الأرض لصالح إسرائيل وحليفتيها, غير أنها أخفقت جميعاً في تحقيق ذلك الهدف التحويلي لموازين القوى, الذي شن بسببه العدوان. وفي تلك الأثناء تدخل المجتمع الدولي– بقيادة الولايات المتحدة الأميركية- في التوسط لإيجاد تسوية سلمية للنزاع, بما فيها انسحاب إسرائيل التام من كافة الأراضي التي احتلتها عام 1956 متبوعاً بنشر قوة دولية تابعة للأمم المتحدة. وحينها لم تكن بريطانيا وفرنسا في موقف يمكنهما من قيادة جهد كهذا بسبب الخطأ الفادح الذي ارتكبتاه بانضمامهما للعدوان الإسرائيلي على مصر. واليوم فها هي واشنطن تكرر ما سبقتها إليها باريس ولندن من قبل بانحيازها لإسرائيل في عدوانها الأخير على لبنان. *كاتبة ومحللة سياسية بريطانية متخصصة في شؤون الشرق الأوسط و كل ذلك بحسب رأي الكاتبة في المصدر المذكور. المصدر:ICAWS- ينشر بترتيب خاص مع خدمة "كريستيان ساينس مونيتور"-16-8-2006
|