الحرب على لبنان وسعت دائرة التطرف!

 باسكال بونيفاس

قدم الرئيس الأميركي جورج دبليو بوش ورئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت، كل واحد على حدة، الحرب الأخيرة في لبنان على أنها جزء من الحرب العالمية المعلنة على الإرهاب، حيث أعلن جورج بوش أن "الأزمة" الحالية– ولنلاحظ أنه لم يتحدث عن حرب- إنما هي جزء من صراع أكبر وأوسع بين قوى الحرية وقوى الإرهاب في الشرق الأوسط، على غرار ما أعلنه من قبل عن صراع بين قوى الخير وقوى الشر على مستوى العالم. وأضاف إلى ذلك قوله بأن شعوب المنطقة ستنعم، حسب زعمه، بمستقبل أفضل بعد ما تنشر الديمقراطية ظلالها الوارفة في الشرق الأوسط، حيث سيفقد الإرهابيون عندئذ كل ما لهم من نفوذ وتحصينات. وبطبيعة الحال، فقد كان بوش يصنف الجيش الإسرائيلي ضمن خانة قوى الحرية أو قوى الخير، وهو تصنيف ربما لا يتفق معه فيه اللبنانيون وباقي المواطنين العرب الآخرين. كما يبدو أن بوش على ما يبدو أن يقول بأن لبنان الذي هو الضحية الرئيسي في هذه الحرب، بلد ديمقراطي، وأن الحرب الإسرائيلية هي التي تعرض الديمقراطية في هذا البلد لخطر ماحق في واقع الأمر.

أما بالنسبة لرئيس الوزراء الإسرائيلي، فأعلن أن "العالم المتحضر يتعرض للهجوم"، وهو بطبيعة الحال لم يكن يتحدث عن لبنان، وإنما كان يقصد إسرائيل. وهكذا فقد كان يطلب ضمنياً من المجتمع الدولي ألا يعيق العمل العسكري الإسرائيلي على اعتبار أن إسرائيل هي "البطل" الذي يسهر على الدفاع عن مصالح "العالم المتحضر"، وهو مفهوم يحيل على العصر الكولونيالي. وفي واقع الأمر يمكن للمرء أن يلاحظ المآزق التي تعانيها الحرب المتواصلة التي أطلقها جورج بوش على الإرهاب في أعقاب هجمات 11 سبتمبر 2001 في واشنطن ونيويورك، وذلك تحت تأثير "المحافظين الجدد" واليمين الأميركي المسيحي المتشدد. فحسب هؤلاء، فإن الإرهاب، وبكل بساطة، جاء ليحل محل الشيوعية، كعدو شامل ينبغي القضاء عليه. والحقيقة أنه قول يعكس قصوراً في الرؤية الاستراتيجية، إن نقل سوء نية أيضاً! ذلك أنه لا علاقة لـ"حزب الله" بتنظيم "القاعدة" الذي هو نفسه لا يمكن مقارنته بالقوة العسكرية الهائلة التي كانت للاتحاد السوفياتي، غير أن هذا الطرح إنما يهدف إلى انتزاع التضامن الدولي مع الولايات المتحدة والخضوع لها باعتبارها القوة الوحيدة القادرة على تزعم التحالف المكلف بمحاربة الإرهاب، وذلك على غرار ما فعلت مع الشيوعية. كما يتيح هذا الأمر لإسرائيل الظهور بمظهر رأس الحربة في المعركة ضد الإرهاب، بدلاً من أن يُنظر إليها على حقيقتها كدولة تحتل أراضي الغير بالقوة وتستهتر بالقانون الدولي. فإذا كان الإرهاب يشكل خطراً كبيراً، فلا تهم كثيراً الاختلافات في وجهات النظر التي يمكن أن تظهر هنا أو هناك مع واشنطن أو إسرائيل، ما دام الخطر يتهدد الجميع! غير أن المشكلة تكمن في أن هذه السياسة إنما تقوي وتغذي ما يفترض أن تقوم هي بمحاربته. إذ كيف لا يمكن إدراك أن عدد القتلى في لبنان، وحجم الدمار الذي لحق بالبلد المسالم، إنما من شأنه أن يؤجج ويذكي مشاعر الكراهية التي يتغذى عليها الإرهاب، ولن يثير قطعاً أي إعجاب بالخطاب الأميركي حول دمقرطة الشرق الأوسط؟!

إن مشكلة الحرب التي أشعلتها إسرائيل ضد لبنان، لا تكمن فقط في أنها تمثل خطأ من وجهة نظر أخلاقية (إذ كيف يمكن قبول هذا القصف المتكرر للسكان المدنيين، والذي أودى حتى الآن بحياة نحو 1200 شخص، وهذا التدمير الممنهج للبنيات التحتية في البلاد)، وإنما تمثل أيضاً خطأ من وجهة نظر استراتيجية. فإسرائيل، وبالنظر لعملها العسكري المفرط وغير المتزن، ومعها الولايات المتحدة لتواطئها الواضح ومعظم الدول الأخرى أيضاً لصمتها المذنب، ستحقق جميعها عكس الأهداف التي تتوخاها. ذلك أن "حزب الله" الذي كانت هذه الأطراف تهدف إلى القضاء عليه، سيخرج الآن قوياً أكثر من السابق، بعد أن تمكن من الصمود في وجه إسرائيل وبعد مقاومته الباسلة والطويلة لها.

والواقع أن "حزب الله" نجح منذ الآن في توسيع نفوذه وتأثيره في العالم العربي إلى ما وراء الأوساط الشيعية. كما أن إيران التي تعد طرفاً مستفيداً في الأصل من الحرب التي شنتها الولايات المتحدة ضد العراق، هي أيضاً مستفيدة من حرب لبنان التي شنتها إسرائيل. فقد شرعت، وهي التي لا يخفى طموحها إلى ممارسة دور مؤثر في الخليج، في توسيع نفوذها وتأثيرها في الشرق الأوسط. وشأنها في ذلك شأن "حزب الله"، أصبحت تبدو في أعين البعض، باعتبارها الدولة الأكثر جرأة على معارضة إسرائيل والولايات المتحدة، هذا في حين تتقوى مشاعر الغضب والكراهية تجاه واشنطن وتل أبيب بسبب حرب لبنان التي جاءت صورها لتضاف إلى صور العراق وصور الأراضي الفلسطينية. ومن ثم، فإن شأن مشاعر الكراهية الجديدة، أن تغذي نزعات العنف والإرهاب في أوساط الذين فقدوا ذويهم وأقاربهم خلال هذ الحرب.

وتأسيساً على ما سلف، يتعين على الدول العربية المعتدلة، والدول الأوروبية أيضاً، أن تتحلى بنفاد البصيرة والشجاعة للنأي بنفسها عن هذه الحرب المعلنة على الإرهاب التي تتغذى على فشلها، طالما تم الاستمرار في خوضها بالطريقة التي تخاض بها حالياً. ذلك أن الحرب وأعمال القتل والتدمير التي ترتكب باسم الحرب ضد الإرهاب إنما تقوي جذوره وتغذيه. كما أنها تسمح للمسؤولين عن هذه الكارثة بالمطالبة بمزيد من التضامن معهم كلما زادت الأمور تدهوراً. ونتيجة لذلك، نكون قد دخلنا في دائرة مفرغة وخطيرة جداً، ستكون عاقبتها كارثة عامة.

و كل ذلك بحسب رأي الكاتب في المصدر المذكور.

المصدر: الإتحاد الإماراتية-15-8-2006