الرابحون والخاسرون في الحرب على لبنان
سكتت المدافع، او على الاقل هذا ما يبدو في اليوم الاول لسريان وقف اطلاق النار في لبنان وبدأت كل الاطراف المعنية في حساب ماذا جنت وماذا خسرت بعد حوالي شهر من المعارك والتدمير والخسائر الكبيرة في الارواح البشرية خاصة بين المدنيين. وكانت الحرب في لبنان غير عادية بمقاييس الحروب التقليدية، فقد كانت بين جيش دولة تقليدي، وميليشيا حزب ليست كالميليشيات التقليدية فهي تملك اسلحة مماثلة لبعض الجيوش مثل ترسانة الصواريخ والطائرات بدون طيار والقذائف المضادة للدروع بكل ما يحتاجه ذلك من تسهيلات لوجيستية ومخابئ. ومنذ اليوم الاول اعلنت الدولة التي تجري على اراضيها الحرب «لبنان» انها ليست المسؤولة عنها ولم تتخذ قرارها ولكنها في المحصلة النهائية تحملت نتيجتها. وادى ذلك الى مفارقة في ماراثون المفاوضات الدبلوماسية للتوصل الى حل. فالتوصل الى وقف النار يحتاج الى اتفاق بين الطرفين المتقاتلين، ولان المجتمع الدولي لا يعترف الا بالدول لم يكن ممكنا التفاوض مباشرة مع حزب الله رغم انه الطرف الثاني في الحرب، وبالتالي فان المفاوضات والاتفاقات جرت مع الدولة اللبنانية بقبول ضمني من جانب حزب الله. وفي حرب مثل هذه اهدافها الاستراتجية لم تكن واضحة منذ البداية بما في ذلك ما يبدو انه خطأ في حسابات تقدير رد الفعل على خطف الجنديين الاسرائيليين فان النهاية ايضا تكون غير واضحة او حاسمة بما يمكن كل طرف من الادعاء بانه انتصر على الطرف الاخر، في حين انه قد لا يكون احد قد ربح من هذه الحرب غير المحسوبة، والتي وصفت خلال ذروة المعارك والتصعيد الشديد من الجانبين بأنها تخلو من المنطق. والواضح ان خطأ الحسابات يشترك فيه الجانبان، الاسرائيليون في تقديراتهم لقوة ميليشا حزب الله، وما تملكه من اسلحة والتصعيد غير المبرر في ضرب اهداف مدنية في لبنان واستهداف جسور وطرق ومرافق بنية اساسية، وما حدث من ازمة انسانية كبرى تمثلت في النازحين والقتلى والمصابين من المدنيين، وحزب الله في تقديره لرد الفعل على عملية خطف الجنديين، ورد فعل المدنيين الاسرائيليين على قصف المدن بالصواريخ والذي كان نتيجته زيادة تصلب الرأي العام هناك. والقراءة الاولية لنتائج الحرب في اليوم الاول لوقف المعارك تقود الى استنتاج ان اسرائيل خسرت في معركة الرأي العام العالمي بسب الدمار الذي احدثته في لبنان، ينما ظهرت ماكينتها العسكرية في صورة مهزوزة، ولم تستطع رغم شهر من المعارك في وقف هبوط الصواريخ عليها، بينما كسبت استراتيجياً من خلال ابعاد ميليشيا حزب الله عن حدودها الشمالية مع لبنان، وفرض اجندة نزع سلاحه على المعادلة السياسية اللبنانية. اما حزب الله فقد خرج منتصرا في معركة الفضائيات التلفزيونية والرأي العام العربي، لكنه خرج خاسرا استراتيجياً لان ورقة الحدود خرجت من يده بعد الاتفاق على نشر الجيش اللبناني والقوة الدولية على الحدود مع اسرائيل فضلا عن انه سيكون من الصعب عليه مستقبلا ان يتخذ قرارات منفردة بدون الرجوع الى الدولة اللبنانية، والمؤكد ان الفترة المقبلة ستخرج الى العلن ما يقال في الكواليس في لبنان حاليا عن مشروعية ان يخوض حزب حربا بدون علم الدولة، ومسؤوليته في جلب الدمار الى لبنان. والمؤكد ان الخاسر الاكبر هو لبنان نفسه بما لحق به من خسائر في المدنيين وبنيته الاساسية التي ستحتاج الى مليارات وسنوات لإعادة الاعمار مرة جديدة، لكنه يمكن ان يخرج قويا من هذه المحنة بوضع النقاط على الحروف في معادلته السياسية الداخلية وترسيخ وضع الدولة باعتبارها الطرف الوحيد الذي له الحق في اتخاذ القرارات السيادية مثل الحرب والسلم. و كل ذلك بحسب رأي الكاتب في المصدر المذكور. المصدر: الشرق الأوسط اللندنية-15-8-2006
|