التعاون النووي لأغراض مدنية... نقلة نوعية في العلاقات الأميركية- الروسية
بيتر بيكر
حسب مسؤولين في الإدارة الأميركية، قرر الرئيس بوش أمس، السماح بقيام تعاون شامل مع روسيا في الأغراض النووية المدنية، وهي المرة الأولى التي يحدث فيها ذلك. وهذا التحول الذي قد تستفيد منه موسكو بمليارات الدولارات، يمثل نقيضاً للسياسة التي كان الحزبان الرئيسيان في الولايات المتحدة قد دأبا على إتباعها. وكان بوش نفسه معارضاً لأي تعاون نووي مع روسيا قبل أن تتوقف عن بناء محطات القوى الكهربائية لإيران بالقرب من الخليج العربي. وذلك قبل أن يقرر المسؤولون الأميركيون تغيير رأيهم بشأن التعاون مع روسيا، بعد أن أدركوا أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قد أصبح يمثل شريكاً أكثر إيجابية فيما يتعلق بالضغط على إيران لإقناعها بالتخلي عن طموحاتها الخاصة لإنتاج أسلحة نووية. وفي رأي الإدارة أن الجانبين سيكسبان من الاتفاقية الجديدة. فتلك الاتفاقية ستتيح الفرصة لروسيا لشراء وتخزين آلاف الأطنان من الوقود النووي المستنفد من المفاعلات التي تقوم الولايات المتحدة بتزويد دول تقع في مختلف مناطق العالم بها، وهو مشروع مربح كانت واشنطن حتى الآن هي التي تعيق قيام روسيا به. وترى واشنطن أنه يمكن أن تستخدم اتفاقيتها مع موسكو على قيام الأخيرة بشراء وتخزين الوقود المستنفد، كوسيلة للحصول على مزيد من التعاون منها بشأن البرنامج النووي الإيراني، كما أن تلك الاتفاقية ستكون في الوقت نفسه ضرورية لتنفيذ خطة إدارة بوش الخاصة بنشر الطاقة النووية إلى الدول التي تعاني من الفقر في مجال الطاقة. بيد أن هذه الاتفاقية، كما سبقت الإشارة إلى ذلك، يمكن أن تكون سببا في إثارة معارضة كبيرة من مختلف ألوان الطيف الأيديولوجي في الولايات المتحدة. فالمنتقدون لهذه الاتفاقية متخوفون من النهج السلطوي الذي يتبعه الرئيس فلاديمير بوتين، ويرون أن تلك الاتفاقية ستبدو وكأنها مكافأة لروسيا على هذا النهج، على الرغم من حقيقة أنها تعارض فرض عقوبات ضد إيران. أما الآخرون الذين يتخوفون من السجل الروسي في التعامل مع المواد النووية، فإنهم يعتبرون أن تلك المعاهدة تمثل خطوة طائشة، وأنها ستشكل خطراً على البيئة. ويقول بعض الخبراء إن تلك الاتفاقية ستمثل علامة بارزة في تاريخ العلاقات الأميركية- الروسية، على الرغم من التوتر السائد حالياً بسبب عدم رضاء الإدارة الأميركية عن تراجع موسكو عن الديمقراطية، والضغوط التي تمارسها على جيرانها في مجالات مختلفة. ولكن هناك خبراء آخرين يقولون إن الاتفاقية ستكون مفيدة لطرف واحد هو الطرف الروسي ويتساءلون: ما الذي يمكن لأميركا أن تجنيه من توقعيها لتلك المعاهدة؟ كما يعربون عن تشككهم في الادعاء الذي يقول إن الاتفاقية ستضمن تعاون روسيا في الشأن الإيراني ويرون أن ذلك لن يكون كافياً في حد ذاته، بدليل أن روسيا تقول إنها تمارس ضغوطاً ضد الجانب الإيراني ولكن تلك الضغوط لم تسفر عن شيء حتى الآن على الأقل. في نفس الوقت تحارب جماعات المحافظة على البيئة خطط الروس لتحويل بلادهم إلى مستودع نووي، خصوصاً وأن البلاد لها سجل سيىء في حوادث التسرب النووي والتلوث بسبب قدم محطاتها، وعدم كفاءة معداتها، وعدم قدرتها على تخزين ونقل، والتعامل مع، كميات كبيرة من المواد المشعة. وكانت روسيا تسعى منذ التسعينيات إلى الدخول مع أميركا في معاهدة للتعاون النووي للأغراض المدنية مشابهة لتلك التي قامت واشنطن بتوقيعها في الآونة الأخيرة مع نيودلهي، تقوم روسيا من خلالها باستغلال أراضيها الشاسعة لتخزين معظم كميات الوقود المستنفد الموجودة في العالم وهو ما يمكن أن يحقق لها أرباحا تزيد عن 20 مليار دولار سنويا حسب بعض التقديرات. ومما يذكر في هذا السياق أن أميركا هي التي تتحكم حالياً في كميات الوقود المستنفد المتبقي من استخدام المواد النووية التي تقوم بتقديمها للدول الأجنبية، وهو ما يعني أن 95 في المئة من حجم السوق الذي يمكن أن تتعامل معه روسيا في مجال تخزين الوقود المستنفد، هو تحت مراقبة واختصاص الولايات المتحدة. ودون توقيع اتفاقية تعاون مع الولايات المتحدة، فإنه لن يكون من الممكن أبدا نقل أي مواد لروسيا. ويقول مؤيدو هذه الاتفاقية إنها يمكن أن تستخدم كعامل تحفيز لبوتين. فالمحادثات الخاصة بتوقيع تلك المعاهدة ستمتد كما هو متوقع لشهور، كما أن المناقشات والمراجعات التي تتم في الكونغرس ستجعل تلك المباحثات تستغرق فترة أطول. وخلال هذا الفترة فإنه إذا ما لاحظ الأميركيون أن بوتين يقاوم فكرة شن ضغط على الإيرانيين فإنه يمكنهم في هذه الحالة صرف النظر عن المعاهدة بعد أن يكون النواب المعارضون لها في الكونجرس قد تمكنوا من جمع أدلة كافية تمكنهم من إعاقة هذه الاتفاقية. أما إذا ما أثبت أن بوتين متعاون في الشأن الإيراني فإن ذلك سيمهد الطريق نحو التوصل إلى موافقة نهائية. وبوش له مصلحة في أن تمضي هذه الاتفاقية قدما حتى النهاية. فمشروعه الجديد المسمى" الشراكة العالمية للطاقة النووية" يقوم في جوهره على تعزيز إقامة منشآت الطاقة النووية المدنية في مختلف أنحاء العالم، ثم العثور في النهاية على طريقة لإعادة معاجلة الوقود المستنفد دون خوف من ترك بعض المواد التي يمكن أن تستخدم في تصنيع الأسلحة النووية. وحتى يتمكن بوش من الحصول على هذه التقنية فإنه في حاجة إلى مكان يمكنه فيه تخزين الوقود المستنفد، وروسيا هي المتطوع الوحيد بذلك حتى الآن. محرر الشؤون الخارجية في صحيفة "واشنطن بوست" و كل ذلك بحسب رأي الكاتب في المصدر المذكور. المصدر: الإتحاد الإماراتية- ينشر بترتيب خاص مع خدمة "لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست"-10-6-2006
|